تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

إقالة النائب الاقتصادي للحكومة: ملاحظات لابد منها

 

 

إلى أن يتم اختراع طريقة أكثر واقعية للتعبير عن الإرادة الشعبية ستبقى صناديق الاقتراع ضمانة مهمة للاستقرار، وسيظل أداء الأحزاب السياسية المنخرطة في لعبة المعارضة والموالاة أحد روافع التقدم ما دامت برامجها وطروحاتها السياسية منسجمة مع مفهوم دولة القانون. ربما كانت هكذا أمور من المسلمات لدى الديمقراطيات العريقة، لكن الأمر لا يبدو كذلك في ظل الديمقراطيات الصاعدة، وتحديدا عندما يفرض ظرف سياسي قاهر أن تُدار الدولة من أحزاب عُرف عنها «تاريخياً» بأنها معارضة وأحزاب كانت «تاريخياً» في الحكم، عندها ستبرز الحاجة إلى بلورة برنامج عمل واحد لا وجود فيه للاعتبارات الحزبية الضيقة، برنامج تضعه وتنفذه حكومة موسعة أو حكومة إنقاذ وطني أو حكومة واسعة الطيف، ومهما كانت التسميات فهكذا حكومة تفترض التزام جميع الوزراء وعلى اختلاف ألوانهم السياسيةـ ببرنامجها الذي تم الاتفاق عليه عند تشكيلها.
من هذا الفهم الدستوري والسياسي للحكومة الموسّعة أجد لزاما علي -كمواطن وأكاديمي- أن أسرد وبشكل مختصر جداً جملة من الملاحظات حول تجربة الحكومة السورية التي شُكلت بُعيد انتخابات 2012 التشريعية، وضمت في عضويتها -إلى جانب وزراء حزب البعث العربي الاشتراكي والأحزاب المتحالفة معه- وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك (قبل التعديل الوزاري الأخير) ونائب رئيس الوزراء المُقال الدكتور قدري جميل عن حزب الإرادة الشعبية، إضافة للدكتور علي حيدر عن الحزب السوري القومي الاجتماعي.
الملاحظة الأولى: أن يكون لدينا حكومة مُشكلة من أغلبية الطيف السياسي الفاعل على الساحة السورية الداخلية يُعتبر خطوة هامة ودليلاً على انفتاح على الآخر في ظرف تحتاج فيه البلاد إلى جهود كل أبنائها للخروج من النفق المُظلم الذي أُقحِمت فيه، هذه الحكومة بتشكيلتها التي كانت قائمة قبل إقالة د. جميل ليست إلا خطوة أولى على شكل الحكومة أو الحكومات التي من المُرجح أن تشهدها سورية قبل أن يمتلك حزب سياسي واحد أغلبية تمكنه من تأليف حكومة بمفرده أو مع حلفائه، من هذا المنطلق لا يجوز تحميل الحزب الذي يتولى مهام اقتصادية وزارية مسؤولية النجاح المحدود للحكومة في التعاطي مع الشأن الاقتصادي للمواطن ولاسيما في ظل عقوبات اقتصادية دولية كفيلة بتقويض أكثر الاقتصادات متانة، فضلاً عن أن ضبط الاقتصاد في فترات الحروب بحاجة لتضافر جهود أكثر من وزارة تنفذ حزمة من القوانين الرادعة، لهذا فانتقاد الأداء الاقتصادي لا يمكن أن يكون موجهاً لوزير بعينه وإنما للحكومة مجتمعة، لكن الأمر الذي لا يبدو مفهوماً من الناحية المؤسساتيّة هو أن يعزو النائب الاقتصادي أسباب ما يوجه إليه من انتقادات إلى حقيقة كونه ينتمي لحزب معارض، هذا التصريح لا يماثله إلا ما صرّح به -في آذار الماضي- وزير الاقتصاد والموازنة الفرنسي بيير موسكوفتشي حينما صنّف انتقادات زعيم حزب اليسار الراديكالي -جان لوك ميلانشون- لأدائه الاقتصادي الرديء في خانة المعاداة للسامية، فبرأي موسكوفتشي هذه الانتقادات ما كانت لتوجه له لو لم يكن يهودياً.
الملاحظة الثانية: لا شك في أن وجود وزراء ناجحين وينتمون إلى أحزاب معارضة في حكومة موسعة سيُسهم في الترويج الانتخابي لأحزابهم، ولكن وجود حكومة موسّعة ناجحة هو خير ترويج لثقافة «عمل الفريق» بوصفها أهم روافع العمل الحكومي في الدول المتطورة، من هنا فإن نجاح الحكومة الموسّعة التي تعمل بنفس الفريق الواحد يقتضي ضمناً ألا ينتقد أي وزير -بشكل علني ومن أرضية حزبية- آلية عمل الحكومة لأن من شأن ذلك تقويض مصداقيتها لدى الشعب، من هنا يحرص رؤوساء الأحزاب أن يرشحوا أعضاء من أحزابهم ليكونوا وزراء في الحكومة الموسّعة، وبذلك يحتفظون لأنفسهم بهامش واسع من المناورة والاستقطاب من خلال حقهم كمعارضين في توجيه النقد البنّاء لعمل الحكومة إضافة إلى الإضاءة على أهمية مشاركة وزرائهم فيها، أما أن يتولى رئيس حزب معين مهام اقتصادية وزارية ويثابر على توجيه النقد للحكومة لعجزها عن حماية لقمة المواطن، وأن يكون مُقدم أحد البرامج الحوارية على علم بالغلاء الأول لمادة البنزين قبله، وأن يستمر في ممارسة نشاطه السياسي الخارجي تارة بوصفه عضواً في الحكومة، وطورا على أنه معارض لها فهذا أمر أخشى أنه ينم عن شخصية سياسية تسعى إلى مَنّ السلطة وسَلوى المعارضة.
الملاحظة الثالثة: بالنظر إلى حداثة عهد الكثير من أحزاب المعارضة بشؤون الحكم ( ولأسباب نعرفها جميعا) فليس هناك ما يمنع رؤوساء تلك الأحزاب وزراء من أن يحيطوا أنفسهم بفريق من المستشارين -من حزبهم أو من خارجه- لتقديم المساعدة، هذا الأمر يبدو مهما بدأ من إدارة حملتهم الانتخابية، ومروراً بتشذيب اللغة القانونية والسياسية لديهم، وانتهاء بإدارة ظهورهم الإعلامي واختيار النكت التي يطلقونها، وتتكرس أهمية وجود أولئك المستشارين عندما تعتقد بعض الأحزاب التي تولّت تاريخيا الحكم أن تسلم بعض أحزاب المعارضة الناشئة لحقائب وزارية على أنه «دفع غير مستحق» أو «جائزة ترضية».
الملاحظة الرابعة: في «البلدان» التي تستحق توصيف «دول» لا وجود لمقولة أن الوزير إذا اجتهد وأخطأ فله اجر، أما إذا اجتهد وأصاب فله أجران، في تلك الدول إذا اجتهد الوزير وأصاب فإنما يقوم بعمل يُجير لصالح حزبه في صندوق الاقتراع، أما إذا اجتهد وأخطأ فتتم محاسبته أمام منظمته الحزبية وبرلمان دولته ومن ثم محاكمها.
الملاحظة الخامسة: سبق أن تناولنا الأداء المؤسساتي لبعض رموز معارضة الداخل في مادتنا المعنونة «المعارضة السوريّة الداخليّة: عندما يحتضنُ الديك بيضَ النِسر!» والمنشورة قبل عام تقريباً من تاريخه، اليوم يبدو أن أول بيوض النسر قد فقَّست ومع ذلك تظلُّ تجربة الحكومة الموسّعة ضرورة لسورية في الظرف الراهن، وتوسيعها لتشمل أحزاباً معارضة جديدة -إضافة لحزب الإرادة الشعبية والحزب السوري القومي الاجتماعي- هو أمر يفرضه واجب الجميع بالتكاتف لتقديم أفضل ما عندهم.
 
                                                                      عصام التكروري
                                                         دكتور القانون العام - جامعة دمشق

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.