تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

حسن م.يوسف يدعو نبيل فياض للإعتذار من الليبيين والمسيحيين السوريين

أحسب أن نبيل فياض هو أحد أكثر الباحثين السوريين إشكالية وإثارة للجدل في عصرنا الحديث، فهو في بحوثه لا يحاول إخفاء جراح التاريخ المزمنة خلف قناع من الكلام المخاتل، بل يكشف تلك الجراح بنزق ويسلط عليها نظرته النقدية التي تشبه في حدتها مبضع الجراح.

 
ومع أنني كنت ولا أزال أرى أن صياغته لبعض استنتاجاته التاريخية فيها من الاستفزاز أكثر مما ينبغي، إلا أن هذا لم يقلل يوماً من تقديري لجهده في تجديد هواء الثقافة العربية وإثارته لكثير من المسائل التاريخية المسكوت عنها، وخاصة تعريته لتناقضات الإسلام السياسي بشكل صادم. لهذا لم أفاجأ عندما وصفه نارام سرجون الذي أحترم عقله بأنه «مفكر عربي سوري من طراز رفيع». وأنه قد يكون «بمنزلة ابن رشد الذي غلّب العقل على النص».
والحق أن رصيد نبيل فياض تضاعف عندي خلال المحنة التي يعيشها بلدنا، لأنه بقي هنا، ولم يهرب إلى الغرب مثل بعض المثقفين الذين عاشوا عمرهم يشتمون الإمبريالية ثم قفزوا إلى حضنها عند أول فرصة وراحوا يلعقون مخاطها.
لكن نبيل فياض لا يقف عند حدود البحث التاريخي، بل يتعداه إلى المقالة الصحفية المثيرة، والحق أن بعض مقالات فياض تشبه بحوثه، لكن بعضاً آخر منها لا يضيء فكره الجدلي، بل تشوش على سمعته وعقلانيته وتقلل من مصداقيته وتشكك بجرأة طرحه.
في التاسع من تشرين أول 2012 نشر نبيل فياض مقالاً بعنوان « ادفع دولاراً تقتل ليبياً»، والحق أن ذلك المقال أزعجني لدرجة أنه أفسد نهاري، فقد أوقع فياض نفسه في تعميم مشين عندما وصف الشعب الليبي بـ«الكائنات الغريبة المسماة بالليبيين»... «شعب لا يمكن مقارنته مع أحط الأصناف الحيوانية، لأن الحيوانات تأبى على ذواتها أن تقتل زعيمها جنسياً كما فعل الليبيون بمجنونهم، وهو أعقل من حمل تلك الجنسية النتنة!»
أما مناسبة هذا الهجوم المريع الشامل فهو أن رئيس وزراء ليبيا قال عن العلمانية إنها كفر وإلحاد! وأن بعض الإرهابيين الذين يعيثون فساداً في سورية يحملون الجنسية الليبية. وهذان السببان دفعا بفياض لأن يصف الليبيين بأنهم: «برابرة بالمعنى السافل للكلمة»... و«أكثر مَنْ يعوق صيرورة التمدن البشري لأنهم كائنات تفتقد أدنى متطلبات المثاقفة الإنسانية: العقل!»
صحيح أن وصف فياض قد يصح على الإرهابيين الليبيين الذين أظهروا وحشية فظيعة في الذبح والاغتصاب على الأرض السورية، إلا أن ذلك لا يجيز له هذا التعميم المريع الذي يلامس العنصرية! وخاصة أن الإرهابيين الذين يقاتلون على الأرض السورية يحملون أكثر من 83 جنسية.
قبل أيام نشر فياض مقالاً جديداً، لا يقل إثارة عن ذاك الذي دعا فيه لقتل الليبيين، يشكك فيه بوطنية أخوتنا المسيحيين، الذين ارتقى منهم حتى الآن أكثر من سبعة آلاف شهيد. يقول فياض في مقاله: «... المسيحي السوري عموماً يشعر أنه غير معني بالوطن؛ إنه ضيف على سورية؛ وإنه ينتمي أصلاً لحضارة أخرى في الغرب يعتقد واهماً أنها مسيحية!» ويختم مقاله بقوله «إذا كان اليهودي السوري لا يمتلك جذوراً في سورية، فهو يشعر أنه سنديانة عتيقة على أبواب القدس؛ لكن المسيحي السوري عموماً لا يشبه غير زهور البنفسج: جميلة لكنها بلا جذور! المسيحي السوري عموماً لا يزرع الزيتون».
لست أريد أن أناقش ما يطرحه نبيل فياض في مقاليه المشار إليهما، لكنني أود أن أنقل إليه رغبتي ورغبة العديد من السوريين الذين التقيت بهم مؤخراً، بأن يقوم بكتابة مقال يعتذر فيه من إخوتنا المسيحيين السوريين، ولا بأس أن يعتذر من شعبنا العربي الليبي الأصيل أيضاً، الذي أنجب مبدعين عمالقة كالروائي الكبير ابراهيم الكوني والشاعر المبدع محمد الفيتوري، كما أتمنى على فياض أن يكون جدياً في مقالاته كما هو جدي في بحوثه! فرب مقالة نسفت باحثاً من جذوره!
                                                                  حسن م.يوسف

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.