تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

«فدا صرماية الست»

 

«الطراطيش» التي لحقتني من الاشتباك الأخير حول السيدة فيروز ومحبتها للمقاومة وقائدها السيد حسن نصر الله، أضحكتني فعلاً، بالرغم من إحساسي الجارف، ككل من يحبون السيدة، بالجرح. لم يجرحني بشيء ما قيل عني، وهو ليس بشيء ذي بال، بل بسبب كلمة واحدة وردت في «ستاتوس» لـ«الزميل» حازم صاغية الذي قال إنه يستهويه القول عن السيدة إنها راحلة.

فإضافة هذه المفردة إلى اسم السيدة, يعبّر أوضح تعبير عن رأي صاغية بمَن يخالفه الرأي. هي تصفية معنوية يقوم بها رجل يتّهم مخالفيه بالرأي أن لديهم مواقف مثل «كواتم الصوت». يتصرّف صاغية بأسلوب «ضربني بوشو على إيدي يا بيه» في هذا الشأن. فهو يصيح «إليّ، أغيثوني من كواتم الصوت» في الوقت الذي يقوم فيه بتصفية معنوية لسيدة، من المؤكد أنها أعطت لبنان والوطن العربي، فلنقل «أكثر بقليل» من مساهمات حازم صاغية مضافاً إليه فواز طرابلسي، وهي إضافة، على عكس ما قد تظنون، لن تتسبّب للشخصين بأي نوع من «الاشتراكات».
هكذا، أطلق صاغية النار على فيروز، معتبراً أن صفة الراحلة تليق بها أكثر، مسوّقاّ، بطريقه، لرواية يسوّقها أعداؤها عادة، عن أنها تغني مسجل! حسناً، فمّن إذاً سجّل أسطوانة «إيه في أمل»؟ المؤكد أنني لم أتعرّف على صوت صاغية في الأسطوانة.
ثم، لنخُض في المفيد. فعلى الرغم من عملي الطويل لسنوات مع السيدة كمستشارة إعلامية، إلا أن هذا النوع من المهام، ولو تركته، سأستمر في حماية أسراره طالما أن صاحبة الشأن تريد ذلك. أما بالنسبة لزياد؟ فالأمر مختلف. فهو ابنها، وهو الوريث الشرعي والوحيد للمدرسة الرحبانية بمثلّثها التاريخي. ولا أملك أن أقيّم إن كان من حقّه أو لا أن يقول ما قاله، فهو يندرج في إطار إلحاح زياد التاريخي على والدته أن تخرج من قوقعتها الغامضة، وهذا ما قصده حين قال إنه حين يحضر الأصيل فإن الوكيل لا يعود له دور.
لكن ما أستطيع أن أقوله في هذا الصدد، أي في حب السيدة للمقاومة وفلسطين والعروبة، هو أنه صحيح. لكن لفيروز طرقها الخاصة في التعبير عن موقفها السياسي. وإحدى أهم هذه الأساليب التي اختبرتها عبر تجربتي في العمل معها، هي في اختيار برامج حفلاتها.
ليس هناك شخص يفقه باللحظة السياسية الفنية أكثر من السيدة فيروز. هكذا، اختارت برنامج إحدى الحفلات في قاعة «بلاييل» الكلاسيكية الفرنسية من أغاني أسطوانة «راجعون»، لأن الظرف كان العدوان على غزة. أما في إحدى حفلات الأردن، وقد كان يومها يوم انتفاضة في الداخل، فقد كانت أول مرة تعيد فيها غناء «زهرة المدائن» منذ تسجيلها.. إلا أنها غنّتها من دون فقرة «الغضب الساطع».. لأن أي غضب ساطع لم يكن آتياً. وفيروز لا تحب الكلام الذي لا معنى له. أما لماذا تختار فيروز أن تقول رأيها بهذه الطريقة؟ فلأنها من أكثر المؤمنين بالمواقف السياسية التي عبّر عنها إنتاج الرحابنة عبر تاريخه، من «سفر برلك» حتى آخر مسرحيات زياد، وهي تجد أنها لن تعبّر عن إيمانها هذا بكلمات أفضل ممّا كتبه الأخوان، لذا تختار «خطابها السياسي» الضمني من ريبرتوارها المُغنّى.
أذكر في إحدى حفلات الأردن، أني كنت مرعوبة، كملحقة إعلامية، من أن يحضر السفير الإسرائيلي في عمان الحفل. قلت لنفسي: «يا للمصيبة.. حتى ولو تصوّر بين الجمهور ستكون مشكلة». هكذا، وبدون معرفة الست طبعاً، «نعفت الدنيا» لكي أتاكد أنه غير موجود في القاعة، وأن شيئا من هذا لن يحصل، وهدّدت أنه لو ظهر في القاعة فإن السيدة لن تخرج للغناء، ومر الحفل بسلام. لكن أحد «المحبين» اشتكى تصرفي للسيدة! إلا أنها أجابته حين عرفت، وبابتسامة واسعة: «أنا هيك بحب».
نعم «هيّي هيك بتحب». وابنتها ريما أيضاً. ريما التي كانت تضع صورة السيد على هاتفها خلال حرب تموز، والتي ولّفت فيلماً صغيراً من أغاني ومسرحيات للرحابنة تناسب انتصار تموز، لكن «المنار» اعتذرت عن تقديمه بكثير من الخجل والود، فأذيع على الجديد.
من الطبيعي أن تحب فيروز السيد حسن لا حازم صاغية ولا وجيه اليسار فواز دو طرابلسي. حازم، الذي يكره «الضيعة» ويريد تلخيص أم كلثوم وتصفية فيروز، يعني.. يكرهنا بشكل عام، لأنه يحبنا في الحقيقة ويتماهى معنا. إنه يكرهنا لأنه يرى نفسه فينا، وهو في الحقيقة يكره نفسه. هو أيضاً كره طبقي-طائفي في مكان ما، أشار إليه الزميل عامر محسن في «ستاتوس» على الفايسبوك. فالنبلاء من أمثال الكونت حازم والمركيز دو طرابلسي، لا يشبهونا، إنهم مع «حب الحياة»، فكيف يمكن «للأرزة» فيروز أن تحب هذا "الشرشوح" ابن النبعة المعمَّم السيد حسن نصر الله؟
اختصاصيو الكراهية لا يفهمون في الحب يا أصدقائي. هم يفهمون بالكره فقط. أما الست؟ فتاريخها وحاضرها ومستقبلها هو هويتنا. وأما ما حصل لنا بسببها؟ فليس مهمّاً، سنقول لها فقط: «فدا صرماية الست».

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.