تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

«مشفى الكندي» أثراً بعد عين... في قبضة المسلحين

 

 



 
 

انتحاريّان فقط، كانا كافيين للقضاء على أقدم وأغنى مستشفى مجاني، ليس في حلب وحسب، بل في كل سوريا. بعد محاولات عدة وعلى مدى أكثر من سنتين، تحوّل مشفى الكندي الذي استقبل الملايين ولعشرات السنين، الى دمار كامل بحماية المسلحين الذين استولوا عليه ليل الجمعة الماضي

باسل ديوب

حلب | منذ بداية الازمة السورية حتى اليوم، لم تهدأ وتيرة المعارك بين الجيش السوري والمسلحين في محيط مشفى الكندي في ريف حلب الشمالي. عمليات كر وفر، عدد من المحاولات للسيطرة على المشفى في مقابل عمليات التصدّي من عناصر الجيش. الى عصر يوم الجمعة الماضي، حين دخلت شاحنتان محمّلتان بأطنان من المواد المتفجرة، فكانت النتيجة سيطرة المسلحين على المشفى، واستشهاد العشرات من عناصر الجيش وأسر أكثر من 16 منهم.

بعد محاولات متكررة لاحتلال مشفى الكندي طيلة الشهور الماضية، والتي سقط خلالها ما لا يقل عن 400 من المسلحين وفق مصدر عسكري، تشكّلت غرفة عمليات مشتركة باسم «القلب الواحد» في بداية الشهر الجاري، ضمّت كلاً من «الجبهة الاسلامية» بما فيها «حركة أحرار الشام» و«لواء التوحيد» و«جبهة النصرة» و«حركة فجر الشام الاسلامية».
ستة عشر يوماً من المعارك خاضها عناصر حماية المشفى (يبلغ عددهم العشرات فقط)، الذي يقع على تلة يشرف عليها مخيم حندرات الذي تحتله الجماعات المسلحة. يوم الجمعة الماضي، نفّذ هجومان انتحاريان بشاحنتين محملتين بنحو 40 طناً من المواد المتفجرة بحسب ما نقلت مواقع المعارضة، استهدفا كتلتي البناء الأساسيتين في المشفى حيث يتحصن الجنود. تلا الهجومين اقتحام للعناصر المسلحة بعد فترة من إخماد الحريق الهائل.
أدى الانفجاران الهائلان إلى تطاير الدشم وأكياس الرمل إضافة الى حريق ودمار هائلين. وتبع ذلك هجوم لعشرات المسلحين، فشلوا في السيطرة على المبنى الجديد من المشفى، لغاية حلول المساء، عندما انسحب الجنود إلى بساتين النقارين وسجن حلب المركزي.
وبحسب مصدر مطلع، فإن عملية إخلاء الموقع تمّت بمؤازرة من «لواء القدس الفلسطيني» وتغطية من المروحيات، حيث انقسم الجنود إلى مجموعتين. واحدة اتجهت إلى سجن حلب المركزي والثانية إلى قرية النقارين الواقعة شمالي مطار حلب الدولي.
وأكد المصدر لـ«الأخبار» أن عدد عناصر حماية المشفى المحاصرين فيه منذ ثمانية شهور هو 85، استشهد منهم 25 خلال معارك الشهور الماضية والهجمات الانتحارية الاخيرة. وتمكّن 36 من الانسحاب يوم الجمعة، فيما اعتبر 23 منهم في عداد المفقودين. ووقع في الاسر حوالى 16 عنصراً في الجيش، بحسب ما نقلت المعارضة. وفي شريط بثّ على موقع «يوتيوب»، ظهر عدد من أسرى الجيش وهم يركبون شاحنة كبيرة، وتوجّه اليهم الشتائم لانتمائهم الى النظام من قبل المسلحين. وأهدى أحد القادة العسكريين المسلحين أمام المشفى، بعد انتهاء المعركة، نجاح العملية الى «حجي مارع»، عبد القادر الصالح، قائد حركة «أحرار الشام» الذي اغتيل في غارة جوية الشهر الماضي.
وأعلنت الجماعات المسلحة من جهتها مقتل شقيقين من عناصرها خلال الهجوم على المشفى، هما مصور وكالة «رويترز» ملهم بركات وشقيقه مصطفى بركات. وشملت لائحة القتلى جنسيات متعددة أحدهم أبو عمران المغربي، والانتحاري أبو مروان الحلبي، فيما لم تفصح تلك الجماعات عن هوية الانتحاريين اللذين فجرا الشاحنتين في اليوم الأخير للمعارك.
بدوره أكّد مصدر عسكري لـ«الأخبار» أن «مجموع القتلى على أسوار المشفى وفي محاولات اقتحامه تجاوز الـ400 من المسلحين، بينهم عدد كبير من غير السوريين».
وسبق للجماعات المسلحة أن سيطرت على المشفى في تشرين الثاني من العام الماضي 2012، وتم سرقة كميات كبيرة من الادوية والتجهيزات الطبية منه. وما لبثت وحدات الجيش أن استعادته بعد عشرين يوماً، حيث تمّ تحصين الموقع وتعزيز الحماية فيه.
ويتمتّع موقع المشفى بأهمية عسكرية استراتيجية لقربه من سجن حلب المركزي من جهة، ولوجوده على طريق حلب ــــ المسلمية المؤدي الى الريف الشمالي. وسيساهم إنجاز الجماعات المسلحة في تكثيف الهجمات على سجن حلب المركزي الواقع إلى الشمال بنحو ثلاثة كيلومترات من مشفى الكندي. وفي الاشرطة المصورة التي انتشرت على المواقع في ما يتعلّق بالعملية، أعلن المسلّحون عن هدفهم المقبل وهو سجن حلب المركزي.
مشفى الفقراء من زمن عبد الناصر
يعدّ مشفى الكندي الذي يتبع لجامعة حلب واحداً من 41 مشفى حكومياً توقّفت جميعها عن الخدمة والعمل بفعل استيلاء المسلحين على تجهيزاتها وسرقتها. قبل السيطرة عليه في عام 2012، ضمّ المشفى نحو 250 طبيباً وطبيبة بين اختصاصيين ومقيمين من طلبة الدراسات العليا في الجامعة، وأكثر من 650 بين ممرّضين وإداريين. يتسع المشفى لنحو 700 سرير، وفيه 14 غرفة عمليات.
أسّس مشفى الكندي لمعالجة مرضى السل في عهد الرئيس المصري جمال عبد الناصر إبان الوحدة بين سوريا ومصر قبل أكثر من نصف قرن، وتطوّر ليضمّ أقساماً للأطفال والأشعة والمختبرات، الجراحة العامة والداخلية، غسل الكلى ومعالجة الاورام السرطانية، وأول بنك للعظام في سوريا. كذلك هو مجهّز بأحدث التجهيزات والمعدات الطبية، ويقصده المواطنون من كافة أنحاء الريف والمدينة، ويعالج حوالى ربع مليون مريض سنوياً مجاناً.
ومع تصاعد أعمال العنف، صدرت أوامر حازمة لإدارة المشفى بمعالجة أي مصاب من المسلحين، دون ذكر أي شيء عن معلوماتهم الشخصية.
انضم كثير من أطبائه المقيمين من طلاب الدراسات العليا إلى التنسيقيات، وأعلنوا الإضراب أكثر من مرة مع مقيمين آخرين في مشاف حكومية أخرى، احتجاجاً على توقيف رفاق لهم. كذلك روّجوا شائعات منها أن زملاءهم من الاطباء المؤيدين للدولة يقتلون جرحى التظاهرات.
وتخرّجت أجيال من الأطباء الاختصاصيين من المشفى في العقود الأخيرة. الجراح طارق المعلم، هو واحد منهم. صعق بصورة المشفى المدمّر الذي بدأ العمل فيه عام 1997. يرى أن «الذين هاجموا ودمروا ونهبوا المشفى كانوا مرضى يوماً ما، دخلوه مجروحين ومكسورين وخرجوا منه أصحاء البدن، لكن عقولهم وضمائرهم عليلة».
زاهر بطل، أحد الاطباء الذين تمرّنوا في المشفى في بداية التسعينيات، يعبّر عن الإحساس «بالأسى والغضب والاحباط. لماذا يحرم أشخاص عولجوا في هذا المشفى هم وأهلهم، شعبهم من خدماته... كان شعلة نور وعلم لكل حلب وسوريا وفضله علينا لا ينكره إلا جاحد وحاقد».
وأضاف الطبيب الذي رفض الخروج من مدينة حلب، «ما هذا الحقد الذي يحرم الملايين من خدمات مشفى، هو فعل لا يقوم به إلا من يخدم الصهاينة بتعميم المرض والجهل، الأنكى أنهم يعتبرون تدميرهم للمشفى تحريراً، ويجاريهم في ذلك بعض الأطباء للأسف».
من جهتها، تروي هالة الياسين، الحائزة إجازة في الصيدلة، كيف اعتادت تنظيم محاضرات وندوات في المشفى. «أشعر بالغضب والقهر وأنا استعيد ذكرياتنا في هذا الصرح العلمي. كيف يمكن بشراً أن يفعلوا ما فعلوه وأن يرقصوا على أطلال مشفى كان يعالجهم مجاناً».
أحد الاطباء المعارضين، رفض الكشف عن اسمه، رأى أن «النظام مسؤول عن تدمير المشفى عبر تحويله إلى ثكنة عسكرية ومسلخ بشري لانتزاع الاعترافات من الجرحى في غرف العمليات بمساعدة أطبائه المخبرين وأطباء من جنسيات إيرانية وروسية وكورية».
والطبيب الذي كان من أوائل من شاركوا في التظاهرات وغادروا البلاد إلى تركيا للعمل في المشافي الميدانية، انتقد بشدة ما سمّاه «حفلة التباكي على المشفى التي أوعز بها الأمن السوري لأتباعه»، مؤكداً أن «الثورة ستعيد بناء المشفى بكوادر طبية مؤمنة بإشراف نقابة الأطباء الاحرار، وتجهيزات من الدول الصديقة الحقيقية التي لا تزال تدعم الثورة».

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.