يبدو أن لدى الهيئة العامة للرقابة والتفتيش خطة عمل جديدة, هدفها مكافحة الفساد وحماية المال الحكومي من الهدر, وكأن الهيئة نفضت عنها «السرية», وبدأت تعمل وتعلن عن توجهات صريحة وواضحة, اجتماعات بدأتها في معظم المحافظات, رشحت عنها بعض العناوين المهمة, كلها تصب في خانة حماية المال العام ومحاسبة المقصرين والفاسدين.
لا أحد ينكر حقيقة وجود الفساد, هذه الآفة الخطيرة ترتع في بعض مفاصل إداراتنا للأسف, عرقلت برامج التطوير, وشركات عانت ولا تزال من ويل الخسائر الفادحة, ومشروعات بقيت رهن التأجيل والتعثر, فساد التهم الكثير من مواردنا وميزانيات ضخمة بملايين الليرات تم هدرها...!
الحكومة أكدت غير مرة, أنها ستكافح وتضرب الفساد والمفسدين أينما كان, وستوقع العقوبات القاسية بمن سيثبت تجاوزه وارتكابه الأخطاء والسرقات.. ومن هنا جاءت بلورة الهيئة لتلك التوجهات الجديدة, وصولاً لأطر تكون أكثر نجاعة حماية للمال العام.
لا يخفى.. أن عمليات التنمية والنمو في ظل مناخ يحكمه الفساد تكون مثل بناء جبال من الرمال في جو عاصف, ننفق المزيد من الأموال والوقت والجهد لنحقق المزيد من الخسائر ونجني مزيدا من العلقم.. !! هل نتحدث بشفافية عن خدماتنا, التي لا تحتاج إلى تدخل الوسطاء لدفع عمولة.. ؟! هل نتحدث عن خمسة آلاف مخالفة سكنية بمحافظتين وخلال سنة, في ظل سكوت بلدياتنا..؟! هل نتحدث عن موازنات مؤسساتنا تلك التي يتم رصدها سنوياً تحت بنود الاستبدال والتجديد وتوطين التكنولوجيا..؟! وهل نتحدث عن رشاوى العمولات في عقود المزايدات..؟! أم عن المشروعات التي كلفت الدولة المليارات ولم تنجز بعد...؟! أم نتحدث عن تجاوزات الأسعار وإدخال المواد المخالفة للمواصفات..؟! أم عن فصول سرقات الدعم ومخصصات الإغاثة وعدم إيصالها للمستحقين..؟!
لم ينل مرتكبو الأخطاء العقوبة الرادعة, بما فيه من الكفاية.. لقد تحول الفاسد الصغير من موظف مطحون كان لا يعرف كيف يسد رمق من يعولهم, إلى موظف ثري, كنس من طريقه مظاهر الأمانة والتفاني بالمسؤوليات..!
المطلوب اليوم حماية حقيقية للمال العام, ومحاسبة كل فاسد ومرتش, والأهم هو وضع أطر ليست عقابية, بل أطر لحماية الموظف وغيره ممن تسول له نفسه السرقة من الوقوع في براثن الفساد..! هذه الغرغرينا, يجب بترها كلياً..!!
هني الحمدان
