تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

دلالات انتقال واشنطن من القوة العسكرية إلى الدبلوماسية؟!


3/2/2014                            


في مؤتمر ميونيخ للأمن قبل يومين، أعلن وزير الدفاع الأميركي، تشاك هيغل، أن إدارة رئيسه باراك أوباما "تعتزم التحول في سياساتها الخارجية؛ من التركيز على القوة العسكرية إلى الدبلوماسية".  مرّ الخبر مرور الكرام في وسائل الإعلام العربية التي لم تعلّق عليه أو تعطه كثير اهتمام رغم أهميته الفائقة، ورغم صدوره عن وزير حرب القوة العظمى في العالم.. والحقيقة أن هذا التحوّل في الأدوات المستخدمة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية يعكس حقائق عدّة:

أولاً، أن الولايات المتحدة تقرّ للمرة الأولى بأنها لم تعد القوة العظمى الوحيدة في العالم، وبالتالي تراجعت علناً ـ نظرياً وعملياًـ عن ممارسة دور الشرطي العالمي. وهذا يعني الإفساح للقوى الأخرى بأن تأخذ مكانها ودورها في العلاقات الدولية الجديدة. وبما أنه لا توجد قوة عظمى أخرى تستطيع أن تغطي هذا الفراغ أو بالأصح، ترغب في أن تملأ هذا الفراغ، فهذا يعني أن النظام العالمي الجديد بدأ يسير نحو عالم متعدد الأقطاب. وبالتالي ستحاول قوى إقليمية في قارات العالم كلها أن تلعب الدور الذي تستطيع.

ثانياً، إن إعلان وزير الدفاع الأمريكي العزوف عن الاعتماد على القوة العسكرية في متابعة تحقيق الأهداف والمصالح الأمريكية، ليس مفاجئاً، لأن القوة العسكرية الأمريكية أخذت بالتراجع منذ زمن , بعد عدد من الحروب الفاشلة التي خاضها الجيش الأمريكي مثل الحرب على أفغانستان والعراق أو غيرها. وهذا لا يعني أن الحرب انتهت كلياً من أجندة واشنطن، بل يعني أن الحرب العسكرية المباشرة أصبحت خياراً بعيداً للولايات المتحدة، من جهة، وأن واشنطن ستعتمد على أصدقائها ووكلائها وأدواتها في شنّ الحروب بالنيابة عنها؛ تقوم هي بتأمين الغطاء السياسي والدبلوماسي وتقدّم الدعم العسكري ـ التقني والفني والاستخباري ـ وتقوم جهات أخرى بالمهمة القذرة، كما تفعل عصابات آل سعود الإرهابية المسلحة في سورية حيث تؤمن لها واشنطن السلاح والدعم المعنوي والاستخباري. وهذا النوع من العمل العسكري يسمى القيادة من الخلف وهو أقل كلفة بشرياً ومادياً ومعنوياً.

ثالثاً، شدد الوزير هيغل على أنه وزميله وزير الخارجية جون كيري «عملا معاً على إعادة التوازن إلى العلاقة بين الدفاع والدبلوماسية الأميركية». تصريحات الوزير الأمريكي لم تكن مرتجلة، بل كانت معدة سلفاً. والحقيقة أن مصطلح "الدبلوماسية" مصطلح واسع ومطاط ويشمل حسب "طقوس" الإدارات الأمريكية ودون ترتيب؛ الضغوط الدبلوماسية، الضغوط الاقتصادية، المقاطعة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية، العقوبات المختلفة ولاسيما الاقتصادية، التهديد بقطع العلاقات وسحب السفراء... الخ، أو قد تأخذ الدبلوماسية الأمريكية أشكالاً أخرى مثل التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى أو تشجيع حركات التمرد وإثارة القلاقل (كما في سورية وأوكرانيا حالياً) أو محاولة فرض الرؤية الأمريكية على هذه الدول أيضاً وتحت ذرائع مختلفة وعديدة، مثل نشر الديمقراطية أو الحريات أو دعم الشعوب أو تغيير الأنظمة الديكتاتورية... الخ من الشعارات البراقة.

إن تصريحات هيغل لا تعني مطلقاً أن السياسة الخارجية الأمريكية ستصبح أفضل مما هي عليه تجاه الدول الأخرى، ولا سيما في الشرق الأوسط، وتقديم دور وزارة الخارجية على  وزارة الدفاع، هو تغيير في الأسلوب وليس في الجوهر. ولكن المهم هو أنّ الولايات المتحدة بدأت تشعر بحدود وعجز القوة الأمريكية العسكرية والاقتصادية والثقافية بسبب الأزمات المتكررة للميزانية الأميركية وغيرها من المشاكل التي تواجه إمبراطورية الأمس. والسؤال هو حول قدرة ودور الدول الأخرى في التمسك بسياسات مستقلة تعبّر عن مصالحها الوطنية بعيداً عن الخضوع للسياسات الأمريكية والأوروبية.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.