تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

السياسة الأمريكية بلا قيم أو أخلاق!!


19/2/2014  


"عام 1996 وأثناء دراستي في بريطانيا في جامعة كيل، قابلتُ صديقاً لبنانياً من مدينة زحلة اللبنانية، وخلال جلساتنا الكثيرة، أفصح لي أنه كان يدرس في العراق مع عدد من الطلبة اللبنانيين والسوريين والعرب، على حساب الحكومة العراقية (صدام حسين). وقال إن بعض الطلبة كانوا على علاقة بإحدى المومسات في بغداد. وذات يوم ذهب إثنان منهم قاصدين تلك المرأة وعندما قرعا بابها وسألاها الدخول كالعادة، تفجّر الغضب في وجهها وقالت لهما؛ ألا تستحيان؟! اليوم ذكرى عيد ديني، وأغلقت الباب في جههما". نعم رغم شناعة ما تفعله هذه المرأة إلا أنها احترمت عيدا دينيا تؤكد أن هناك حدودا ولو دنيا للأخلاق ..و سأعود  معكم إلى هذه الحادثة التي بقيت في ذاكرتي طوال هذه السنوات.

قبل أيام وأثناء زيارة وزير الدفاع المصري المشير عبد الفتاح السيسي إلى روسيا، قابل الرجل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورشح في الأخبار أن بوتين أبلغه دعم قراره بالترشح للرئاسة المصرية، وأنه يعتبر مثل هذا القرار قراراً مسؤولاً. فما كان من الولايات المتحدة إلا أن هاجت وماجت وانتقدت هذا التدخل الروسي، معتبرة أن الشعب المصري هو من يقرر الرئيس المصري القادم وليس موسكو أو واشنطن. بمجرّد أن سمعتُ الردّ الأمريكي، خطر لي فوراً سؤال بسيط؛ لماذا لا تسمح واشنطن للشعب السوري أن يقرر من هو رئيسه القادم، لماذا تقرر الإدارات الأمريكية والسعودية والتركية عن الشعب السوري؟! كلنا مع أن يقرر الشعب المصري من هو رئيسه وأن يقرر الشعب التونسي من هو رئيسه، والشعب القطري والعراقي...إلخ، ولكن أن يقرر الشعب السعودي أيضاً من هو رئيسه وحاكمه وأن يقرر الشعب السوري كذلك من هو رئيسه، وأن يختار من يريد. المنطق لا يتجزأ والسلوك لا يتجزأ أيضاً، لكن الولايات المتحدة تجمع الصيف والشتاء تحت سقف واحد، على قاعدة المصالح الأمريكية، وتبرر ذلك بنفاق (وعهر) أخلاقي قلّ نظيره.

قبل أيام أيضاً تكرر الحديث الأمريكي عن ضغوط جديدة على سورية، وعن ضرورة إيجاد البدائل لإجبار "النظام السوري" على تغيير شروطه والتفاوض بجدية أكثر في جنيف2، وعن تسليح المعارضة المعتدلة لتغيير موازين وحسابات "النظام السوري". ما هو المطلوب من الدولة السورية في جنيف لتثور الولايات المتحدة على سورية؟ كان المطلوب، وما يزال شيئاً واحداً هو تسليم السلطة والحكم وأمور البلاد إلى عملاء الولايات المتحدة وأدواتها لتخريب سورية وتدميرها أكثر مما فعلت الحرب بها وعليها حتى الآن؛ كان ولا يزال مطلوب تدمير الجيش العربي السوري وكل مؤسسة تحمي هذا الوطن وتبقيه موجوداً! لم تستوعب الولايات المتحدة وأدواتها أنهم خسروا كل رهاناتهم في سورية. ولذلك بدأت معركة إعلامية ودبلوماسية وسياسية وربما عسكرية جديدة لتحقيق الأهداف الأمريكية، حتى بالتعاون مع "جبهة النصرة" في درعا وغيرها من الجماعات الإرهابية المتطرفة. جبهة النصرة على قائمة الإرهاب الأمريكية، ولكن إذا كانت ستقاتل لتخريب سورية (تقول واشنطن: معليش)؛ نتحالف معها.

أمر آخر وهو كذبة المعارضة المعتدلة الموجودة في الجماعات المسلحة. هناك أكثر من ألف فصيل من عصابات آل سعود المجرمة التي تقاتل في سورية وكلهم تكفيريون وإرهابيون وقتلة ولصوص، ولا أدري كيف ستنتقي الولايات المتحدة منهم أي معتدل أو شريف؟ كانت سورية بقمة الجمال والروعة والتسامح وقد خربها هؤلاء الذين يعملون بالأجندة الوهابية السياسية والصهيونية خدمة لمصالح واشنطن وإسرائيل. عن أي اعتدال يتحدثون؛ عن الفرق بين من يمارسون القتل المباشر أو الحرق؛ عن الفرق بين آكل الأكباد أم شيّ الأجساد؛ عن الفرق بين تقطيع الرؤوس أم تقطيع الأجساد؟!! عن أي اعتدال يتحدثون؛ عن تدمير الجوامع أم نبش قبور الصحابة؛ عن تدمير المراكز الثقافية والمدارس، أم عمن حطموا تمثال أبي العلاء المعري وأبي تمام وسرقوا ودمّروا الآثار السورية التي تمثل كنوز تراث الإنسانية وذاكرتها؟!!

كذبة أخرى تسوّقها الولايات المتحدة وهي الحديث عن أسلحة غير قاتلة أو تدريب سرّي للثوار!! لانعرف كيف صمد "ثوار واشنطن" خلال السنوات الثلاث من الحرب على سورية بدون أسلحة قاتلة؛ لا نعرف كيف استشهد آلاف المقاتلين من الجيش العربي السوري وكيف جُرح آلاف آخرون وكيف تم تشويه أجساد آلاف آخرين!! ربما بزهور الياسمين التي يستعملها ثوار واشنطن أو بأسلحتها التي ترش ماء الزهر، "غير القاتل"؟!

هرطقة أمريكية أخرى هي الحديث عن الحاجة إلى ممرات آمنة لإدخال المساعدات الإنسانية! ردّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عليها بكل هدوء؛ استخدموا نفس الطرق التي تستخدمونها لإدخال الأسلحة وادخلوا الى مسلحيكم الحليب والخبز.

حقيقة إذا لم تستحِ فافعل ما شئت، وواشنطن تقول وتفعل ما تشاء. ومن يكذب وينافق يفعل أي شيء بدون أي واعظ أو قيم أخلاقية. في العراق تحدثت الولايات المتحدة عن أسلحة تدمير شامل، فدمرت البلد وقتلت مليون مواطن عراقي ولم يكن هناك أي أسلحةِ تدمير شامل غير التي استخدمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها، لكنها اضطرت للخروج صاغرة من العراق. تلك المرأة العراقية التي ذكرتها أعلاه، رغم شناعة ما كانت تقوم به، لكنها أبقت على حدود أخلاقية لم تتخطاها، ربما للحفاظ على نفسها أولاً، لكن الولايات المتحدة لم تبق أي حدّ أخلاقي لم تكسره وتتخطاه في العراق وسورية وليبيا وفنزويلا وغيرها من بقاع العالم.

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.