تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الفوضى الخلاقة على أبواب روسيا؟!

مصدر الصورة
SNS

12/3/2014     


كتبت كوندوليزا رايس وزيرة خارجية الولايات المتحدة بين عامي 2005 و2009، مقالاً في صحيفة الواشنطن بوست، نشرته الشرق الأوسط (يوم11/3/2014)، حاولت فيه تقديم وجهة نظرٍ أمريكية حول كيفية مواجهة ومنع تحقيق العودة الروسية للساحة الدولية كقوة موازية أو منافسة للولايات المتحدة، وهو ما يعمل على تحقيقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. الوزيرة الأمريكية بنت فكرتها على عنصرين أساسيين تتفرع منهما عناصر أخرى تفصيلية؛ العنصر الأول، كيفية إضعاف روسيا ومحاصرتها بكل الوسائل والسبل ـ ولاسيما الاقتصادية منهاـ ومن ثم تفكيكها، والثاني، تحقيق التفوق الأمريكي وكيفية المحافظة عليه.

وإذا كان متوقعاً ممن ينتمون لمجموعة المحافظين الجدد، أن تطرح رايس اللجوء إلى الضغوط الاقتصادية أو الدبلوماسية أو السياسية، أو حتى الحرب العسكرية، فإن الوزيرة الأمريكية طرحت نقاطاً خطيرة تظهر من خلالها وكأنها تريد أن تمنع الهواء عن موسكو؛

أولاً، اعتبرت أن مهمة الولايات المتحدة "على المدى الطويل هي التصدي للنظرة التي يتبناها بوتين بشأن مستقبل أوروبا ما بعد الحرب الباردة". وعنت رايس محاصرة روسيا داخل حدودها ومنعها من تحقيق أي توسع خارجي في علاقاتها بدءاً من أوكرانيا، ثم بقية أوروبا والعالم. أو بكلام آخر، الإبقاء على روسيا قوة عادية ـ على الأقل حالياًـ والتعامل معها بالطريقة المناسبة لإضعافها وبالتالي إنهائها. وتحدد الوزيرة الأمريكية الطريقة المناسبة وهي "التحلي بالصبر الاستراتيجي إذا أردنا وقف" بوتين. والمقصود بـ"الصبر الاستراتيجي" هو ممارسة كل أنواع الضغوط التي تترك آثارها المتراكمة على المدى البعيد لإنهاك روسيا داخلياً وخارجياً؛ من هذه الضغوط ضرب الاستثمارات، فرض العقوبات، تخريب قطاعي النفط والغاز الروسيين.

ثانياً، لكن الجديد ـ القديم الذي طرحته الوزيرة الأمريكية، هو استخدام نظرية "الفوضى الخلاقة" ضد روسيا، كما تم استخدامها بنجاح في الشرق الأوسط. والفوضى الخلاقة نظرية تحدثت عنها رايس عندما كانت وزيرة للخارجية الأمريكية. والآن، وبعد سنوات من ترك رايس منصبها في الخارجية الأمريكية، ما تزال نظرية الفوضى الخلاقة صالحة للاستعمال في أماكن أخرى بعيدة عن الشرق الأوسط. فقد تحدثت رايس عن ضرورة استخدام "الشباب الروسي المتعلم" الذين "ليسوا على وفاق مع الكرملين"، والذين اعتبرت انهم يعرفون أن بلدهم "يحتاج إلى مزيد من الحريات السياسية والاقتصادية والقدرة على الابتكار". لقد أكدت رايس بوضوح على ضرورة تواصل الولايات المتحدة مع الشباب الروسي، خاصة الطلبة والمهنيين الذين يدرسون في الجامعات الأميركية، معتبرة أن "القوى الديمقراطية داخل روسيا تحتاج إلى سماع الدعم الأميركي لطموحاتها". أليس هذا ما قالته واشنطن بشأن القوى الديمقراطية في تونس ومصر وليبيا وسورية؟! أليس هذا هو الشعار البراق لتمرير تحقيق المصالح الأمريكية؟! فهذا التواصل الأمريكي مع الشباب الروسي يهدف للتأثير عليه وتحويله أداة أو جسراً للعبور الأمريكي إلى الداخل الروسي و"خربطته"، كما جرى في دول الربيع العربي؛ هو جزء من إستراتيجية "الصبر الاستراتيجي" أو ـ التخريب على المدى الطويل أو التخريب البطيء والمستمر ـ التي تتحدث عنها رايس.

ثالثاً، مقابل اقتراح تفكيك روسيا، تقترح الوزيرة السوداء، وبنظرة فوقية متعالية، "ضرورة استعادة الولايات المتحدة مكانتها ضمن المجتمع الدولي" بعد أن تقوضت هذه المكانة بسبب "المبالغة" في مدّ يد الصداقة إلى خصوم واشنطن. إذن ترى رايس أنّ على بلادها الاستمرار في السياسة العدائية تجاه الآخرين وعدم الانفتاح على الخصوم للحفاظ على الهيبة الأمريكية. والحفاظ على الهيبة الأمريكية والقوة الأمريكية، يتضمن بالطبع عدم خفض موازنة الدفاع الأميركية لأن ذلك لا يوحي بالقوة، كما تعتقد رايس، التي رأت أنّ الكثير من التصرفات والسياسات والتطورات الدولية التي تجري في العالم لم تحدث كرد فعل على "السياسة الخارجية الأميركية القائمة على القوة"، بل لأن "الرسائل التي تبعث بها الولايات المتحدة تنم عن الإرهاق وعدم الاهتمام".

وبناء على "نظرية القوة" التي تطرحها رايس للحفاظ على التفوق الأمريكي، فإنها تعتبر انّ التقدم أو الثبات الروسي في التعامل مع الأحداث في أوكرانيا، بمثابة تحذير لصانعي القرار الأمريكي "بخطورة" تخلي أميركا عن مسؤوليتها الدولية في القيادة، لأن هذا التخلي، حسب رايس،  سيؤدي إلى تقوية "المتطرفين والمستبدين حول العالم"؛ أي احتمال عودة روسيا قوة عظمى منافسة. وهذا سيجعل الولايات المتحدة تدفع، حسب رايس، ثمناً باهظاً من "مصالحها وقيمها" التي ستداس من قبل هؤلاء. المهم بالنسبة لرايس ومَن مِثلها، هو الحفاظ على الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة على المسرح العالمي، ومن ثم حماية "مصالحها" التي تسعى لتحقيقها وتغطي ذلك بقشرة "القيم" الأمريكية التي أصبحت مكشوفة. السؤال: ماذا لو استخدم أعداء الولايات المتحدة نفس الأسس التي تتحدث عنها رايس، ولكن من وجهة نظرٍ تهدف لتحقيق مصالحهم والحفاظ على قيمهم؟!!

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.