تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الكل يتجه شرقاً.. هل يحتمل الشرق؟!!

                                                                                                                         22 /3 /2014                          

في بداية الأزمة السورية، رفع الأوروبيون والأمريكان عقيرتهم على سورية، فردّ وزير الخارجية السوري وليد المعلم ـ عافاه الله وحَمَاه ـ بأنه يمكن لنا أن نتجاهل أوروبا أو ننسى وجودها على الخارطة ونتجه شرقاً. كثيرون استغربوا كلام المعلم. ولكنْ عندما يكرر آخرون كلام المعلم، فإن الاستغراب يصبح من استغراب المستغربين لحديث المعلم.

فقبل فترة أكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما في حديثه عن حال الأمة، أنّ الولايات المتحدة ستنقل اهتمامها بعيداً عن الشرق الأوسط ليستقر في شرق آسيا والمحيط الهادي، وليركّز على المصالح الأمريكية في المنطقة هناك. وبالطبع، فُتحِت الخرائط من قبل المحللين والخبراء الاستراتيجيين وتم التدقيق بالأماكن التي ستبتلى بالاهتمام الأمريكي الجديد. أما التبريرات فقد بحث الكثيرون عنها وسعوا لإيجادها وتفكيك وتركيب الأسباب والآثار والنتائج لهذا السلوك الأمريكي الجديد.

وبعد تصاعد الأزمة في أوكرانيا وانفصال القرم عنها، رفع الأوروبيون والأمريكيون عقيرتهم من جديد ضد روسيا وتشدقوا وهددوا بالنفط والغاز والاقتصاد، فكان حديث روسي عن المعاملة بالمثل و"زبلهم"، والتوجه للشرق أيضاً...؟!! هل كان المعلم سبّاقاً؟! ربما، ولكنه ينتمي لدولة من دول العالم الثالث فلا يستحق اختراعه براءة التقدير. ليس هذا هو المهم الآن، المهم هو لماذا يتجه الجميع شرقاً؟!

أولاً، لأن الغرب أصبح عاقراً، وأوروبا كلّها ـ وليست فرنسا (الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك قال: لن تصبح فرنسا امرأة أوروبا العاقر) ـ  أصبحت امرأة عاقراً، لا فائدة في التعاطي معها. وكل ما تستطيع القيام به أوروبا منذ الآن، هو ممارسة السياسات السلبية؛ أي سياسات ردّ الفعل، والتعطيل والتخريب والتأخير ولكن ليس المبادرة والفعل. وفي هذا السياق، كان العالم ينتظر قائداً ملهماً جريئاً محنكاً وذكياً و"قادراً بما يملك من قوة وعزيمة" على تحدي أوروبا، فكان أن تقدّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكسر الاحتكار الاوروبي الأمريكي الأطلسي لقيادة العالم مدعوماً باقتصاد قوي وجيش أقوى ودعم إقليمي وعالمي لا يقل قوة ورغبة. ولذلك، فإن الاتجاه شرقاً يعني إدارة الظهر لأوروبا العجوز المستهلكة، بعدما انتهى الاحتكار الأوروبي للعلوم والتكنولوجيا والثقافة والسياسة. لم تغرب كلياً شمس أوروبا، ولكن لم يعد أحد مهتماً إن غربت أم لا.

ثانياً، إن الاتجاه شرقاً يعني أنّ الشرق "الجديد العذري" يحرك آمال وطموحات الآخرين بمكنوناته الكامنة التي يرغب الجميع في الاستثمار فيها والحصول على قسم منها. ولا شك بأن للشرق خزائنه وثرواته وطاقاته الطبيعية والبشرية وبنيته وفرصه الهائلة التي يسيل لها لعاب الدول الباحثة عن مصالحها. ولكن اسئلة كثيرة ترد في البال، منها؛ هل يتحمل الشرق كل هذا التوجه العالمي؟ هل يتسع المكان والفرص لكل الطامحين؟ هل يرغب الشرق نفسه بقدوم كل هؤلاء المستعمرين والمحتلين والمستثمرين والمحتاجين؟ هل يملك الشرق القدرة على الاصطفاء بين هؤلاء؟!!

لاشك في أنّ تكثيف الاهتمام بالشرق والتركيز عليه، سيخلق واقعاً جديداً في العلاقات والمصالح الدولية، وانتقالاً لمراكز الاهتمام والقرار، وبالتالي تغيير التوازنات التي حكمت العالم، وأهمية القوى التي أوجدت هذه التوازنات، وربما اشتعال حروب جديدة وضمور أخرى في البحث عن تعزيز المصالح وتثبيت السيطرة وتجميع عناصر القوة العالمية.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.