تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

سيكولوجية الشيوخ والمُفتين السعوديين!!


                                                                                                                                                                                          22/3/2014  


يلاحظ من يتابع الفتاوى التي تصدر عن المُفتين والشيوخ المتشددين بشكل عام، والسعوديين بشكل خاص أنها تدور بشكل رئيسي حول أمرين؛ موضوع المرأة وموضوع الجهاد. ففي الموضوع الأول يطرح الشيوخ والمفتون السعوديون أشكالاً وصوراً وفتاوى لا حصر لها حول كيفية التعامل مع المرأة والنظر إليها، وقيمتها، وهل هي عورة أم لا؟  وما هي حقوقها وواجباتها؟ والفرق بين المرأة المسلمة وغير المسلمة، وحتى كيفية التعامل بين الزوجين وما يمكن للزوج ـ أو بالأصح يحق له ـ أن ينظر إليه من زوجته، أو ما يجوز أن تظهره المرأة من جسدها أمام زوجها، أو طرق النكاح... إلى آخر هذه التفاصيل الغريبة العجيبة.

وفي الموضوع الثاني يتصدّر الجهاد المرتبة الثانية في فتاوى شيوخ السعودية؛ الجهاد باسم الدين، والجهاد إلى أين، والجهاد ضد مَن، أسباب الجهاد وغاياته... الخ. وعليه، فقد بررت الفتاوى كلّ ما يقوم به الشباب الذي اعتنق وتبع هذه الفتاوى وغرق في ظلمتها وتعاليمها. وإذا كان السؤال عن منطقية هذه الفتاوى أو مواءمتها مع النصوص والتعاليم الإسلامية والقرآنية والسنة النبوية الشريفة، تبدو غير منطقية وبعيدة كل البعد  عن الواقع، إذ أن الترجمة العملية لهذه الفتاوى بالقتل والذبح والنحر والشطر، وجهاد النكاح... تؤكد تعارضها الحتمي والعملي والفعلي مع جوهر الدين الإسلامي وروحه السمحة التي حرّمت قتل النفس البشرية. وما قامت به سلطات مملكة آل سعود مؤخراً والقوانين التي أصدرتها والقيود التي فرضتها على مشايخها وعلى فتاويهم واجتهاداتهم، يؤكد ما نذهب إليه في هذا الوصف.

والسؤال الذي يبدو منطقياً ومهماً هو؛ ما الذي دفع هؤلاء المُفتين والشيوخ إلى هذا النمط من الفتاوى والتوجهات المغالية والمتضيقة والسوداوية بشأن قضيتي المرأة والجهاد، مع أن الإسلام تعاطى مع الموضوعين بمنتهى الرحابة والسعة ولم يقفل الأبواب ويغلقها كما يفعل شيوخ آل سعود؟ لعل الجواب يكمن في نقطة بسيطة تعكس سيكولوجية الشيوخ والمفتين وتناغمُ فتاويهم وحقيقتها: الكبت والحرمان والقهر. فقد حوّلت بعض العقول السعودية المرأة إلى صندوق أسود، سرّه بداخله، لا يستطيع أحد معرفته، ولا يجوز لأحد معرفته ومع ذلك عليه البحث عنه. ومن هنا بدأت الاجتهادات والمحاولات للبحث عن طريقة للتنفيس عن هذا الكبت القائم. فكانت شتى أنواع الفتاوى وأغربها ـ لتقريب المرأة من طالبيها ـ مما يعكس سيطرة حب المرأة والشهوة إليها والرغبة بملاقاتها على عقل هؤلاء. وما التركيز على الحوريات والحسناوات المنتظرات في الجنة إلا تنفيساً عن الاحتقان الذي يعتمل في النفوس المقيّدة التي تحرمها الأنظمة السعودية القمعية الجلفة الخشنة الفظة من ممارسة الحياة الطبيعية، وهروباً إلى الأحلام الجميلة التي ينشدها هؤلاء تخلصاً من سوداوية المشهد والواقع.

وهذا الكلام ينطبق على أسباب الدعوة للجهاد. فالدعوة للجهاد، قائمة دائماً وأبداً والسبب ليس المظلوميات التي يتعرض لها المسلمون، ولكن النفس التي تعتصر الكبت والخوف والجمود تريد أن تطلق جموحها، وتخرج وتواجه الحياة بأي شكل من الأشكال. وما يؤكد هذا الكلام أنّ إسرائيل موجودة منذ أكثر من ستين عاماً ولم نجد مجاهداً سعودياً قام بعملية انتحارية ضد الإسرائيليين أو موّل قتلَ الإسرائيليين أو ما شابه. أليس الفلسطينيون مسلمون ويستحقون المساعدة؟ أليست القدس مقدسة والمسجد الأقصى محتلاً ويجب تحريره؟؟ في الحقيقة، لم تكن الفتاوى السعودية موجهة يوماً ضد الإسرائيليين ولم تكن الجماعات الجهادية السعودية موجهة يوماً ضد إسرائيل. بل أكثر من ذلك، هم يرفعون شعار مقاتلة إسرائيل، فيما قتلاهم وضحاياهم كلهم من العرب والمسلمين، مع أنه إذا تقاتل المسلمان فالاثنان في النار. إذاً، المشكلة ليست في حقيقة تنفيذ الجهاد المقدّس، بقدر ما هي تنفيس للاحتقان الذي يعتمل في صدور الشيوخ والمفتين والشباب الذين يعانون من القمع والضغوط والرعب والكبت الذي تمارسه السلطات السعودية، فكانت فكرة ممارسة الجهاد بغض النظر عن الوجهة التي يجب أن يسلكها أو الغاية التي سيحققها.

ولعلّ السلطات السعودية بقراراتها الأخيرة بشأن مواجهة الإرهاب، ستزيد المشكلة. والسبب أنّ الحلّ الذي تفرضه أو تحاول فرضه ليس هو الحلّ المطلوب. فالمزيد من القيود سيعود بالمزيد من الأضرار والتشدد والانكماش. المطلوب السماح للمجتمع السعودي بالتحرر من القيود والرقابة الصارمة والخروج إلى الحياة والاختلاط مع الآخرين والتعلم منهم، والتأثر بهم، واكتساب المزيد من الانفتاح والخبرات والتأقلم مع التحولات العربية والعالمية. المطلوب التخفيف من القيود على ممارسة العبادات والطقوس وترك الناس تمارس دينها وتظهر حقيقة إيمانها بطريقتها. المطلوب مناهج تعليمية منفتحة متطورة ترى أن في العالم غير السعوديين وبأن هذا "الغير" جدير بالحياة، بل وسبق السعوديين إليها وعليهم التعلم منه. المطلوب حدٌّ أدنى من التعامل الحضاري والتساهل مع قضايا المرأة ومع مشاكل واهتمامات الشباب السعودي، ومن الديمقراطية وحرية الرأي لتنفيس الاحتقان القائم الذي يؤدي إلى هذه التشوهات في الفكر والعبادة. وإذا لم تستطع القيادة السعودية القبول بهذا الحدّ المطلوب وتحقيق انفتاح تدريجي، فقد تنفجر المملكة من داخلها قريباً وبشكل مفاجئ، وهذا ليس مستبعداً بعدما أصبح العالم قرية صغيرة، والسعوديون ليسوا خارجها إلى الأبد.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.