تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

فاز أردوغان.. وخسرت تركيا!!

                                                                                                                                  31/3/2014

مما لا شك فيه أنّ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان حقق نتيجة طيبة له شخصياً ولحزبه العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية التي جرت أمس الأحد. ومما لا شك فيه أن هذه النتائج ستخفف الحرب التي كانت قد بدأت ضده منذ أن اختلف مع شركائه السابقين في الحكم، ولاسيما جماعية الداعية الإسلامي فتح الله غولن.. ولكن السؤال الجوهري كيف سيصرف أردوغان نتائج هذا الفوز، وماذا ستكون انعكاساته على تركيا نفسها؟

بالطبع لم يتأخر أردوغان بالتعبير عن رغبته بالانتقام من خصومه جميعاً، داخلياً وخارجياً، لاسيما بعد حديثه عن "الصفعة العثمانية" لهم. وعليه فإن سمة "العفو عند المقدرة" ليست من شيم أردوغان، بل هو سيعتبر نتيجة الانتخابات تفويضاً شعبياً له ودعماً لسياساته الداخلية والخارجية. ومن هنا سيكون الخطر الأكبر على تركيا وغيرها:

داخلياً، سيجد أردوغان الفوز بالانتخابات البلدية وبهذه النتيجة، دافعاً للتخلص من أعدائه ـ نعم أعدائه في المعارضة الحزبية وجماعة غولن ـ ليتمكّن من مواصلة طريقه نحو الرئاسة التركية التي  سيتم الانتخاب فيها في آب المقبل من الشعب مباشرة. وهذا يعني أن تركيا ستستمر في حالة من الحرب الداخلية ـ إن صحّ التعبيرـ مما سينعكس على الأتراك من كافة الجوانب. وقد لاحظنا ورأينا في العام الماضي، وأيضاً قبيل الانتخابات الأخيرة، عينات كثيرة من تعسف أردوغان وجبروته وسطوته وديكتاتوريته؛ فقيام رئيس الوزراء التركي مثلاً بحجب مواقع التواصل الاجتماعي "تويتر، و"يوتوب" لم يُقدم عليه من يوصف بأشدّ العبارات قمعية من زعماء العالم، هذا من جهة.

من جهة أخرى، فإن نتائج الانتخابات البلدية التركية أعطت "صورة مختلفة" عن قيم الشعب التركي وأولوياته الحقيقية؛ إنها المصالح الاقتصادية. فلا القيم الفكرية ولا القيم الأخلاقية ولا القيم الدينية ولا الحريات ولا الديمقراطية هي الاهتمام الأول للشعب التركي. مَن صوّت لأردوغان، صوّت للمزايا الاقتصادية التي حققها في عهد أردوغان وحكومته خلال العقد الماضي، وليس لأي اعتبار آخر. لأن أي اعتبار أخلاقي أو "قيمي" آخر، يفترض ويحتّم ألا يتم التصويت لأردوغان. والسؤال، مثلاً، ماذا تقول أوروبا عن ذلك، وكيف تراه، وكيف ترى تطبيق المعايير الأوروبية التي رفسها أردوغان ومشى على جثتها في تركيا؟!

خارجياً، سيدفع الشعب التركي ثمن سياسات أردوغان التي أدت إلى شبه قطيعة لعلاقات تركيا مع الجيران وفي الإقليم. فإذا ما واصل أردوغان سياساته السابقة التي خطّها ثعلب وزارة الخارجية أحمد داؤود أوغلو، فإن من المؤكد والمحقق أنه سيقود البلاد إلى الكارثة، وسيدمّر كل ما أنجزه. أما إذا اراد أردوغان تبديل وجهه، فإنه سيحتاج الكثيرَ من الوقت ليُقنع الآخرين بصدق نواياه وتوجهاته الجديدة. فالرجل فقدَ سمعته ومصداقيته أمام الجميع؛ خان سورية وغدر بها وبكل الاتفاقيات التي تم توقيعها؛ لعب على تغذية الخلافات الداخلية في العراق وساعد في زيادتها وسعى وما زال، إلى تقسيم هذا البلد؛ تآمر على مصر ولعب على تخريبها وتدخّل في شؤونها الداخلية أيضاً؛ شارك في ضرب ليبيا والمؤامرة عليها؛ وقفَ في صفٍّ معاكس للسعودية والبحرين والإمارات؛ ساند المواقف الأطلسية ضد روسيا ومصالحها في أوكرانيا والمنطقة؛ خدع الفلسطينيين ولعب من تحت الطاولة مع الإسرائيليين ضدهم؛ ناهيك عن الكره له في أوروبا والولايات المتحدة... الخ. والسؤال بعد كلّ ذلك، مَن يصدّق أردوغان أو يمكن أن يثق به؟!

بالنتيجة، لعب رئيس الوزراء التركي لعبة علاقات عامة ناجحة معتمداً على شخصيته وعلى إعلامه القوي، وتمكّن من البقاء في رئاسة الحكومة التركية، وقد يصبح رئيس تركيا القادم، ولكنَّ ثّمن انتصاره ستدفعه تركيا وسيدفعه الشعب التركي بسبب خياراته الضيقة الأفق.. أما أردوغان فلم يعد لديه ما يخسره بعد الدِّرك الذي انحدر إليه!!

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.