تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الولايات المتحدة وإعادة التموضع الدولية!!

(الرئيس بشار الأسد، لوفد الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية: "الدور الذي تقوم به روسيا على الساحة الدولية يسهم في رسم خريطة جديدة لعالم متعدد الأقطاب يحقق العدالة الدولية"، الأربعاء2/4/2014).

في بداية تسعينات القران الماضي دشّن الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الأب وبعد الحرب الأولى على العراق، ما أسماه النظام العالمي الجديد( New World order)، وكانت تلك بداية الهيمنة الأمريكية على السياسة الدولة والعلاقات الدولية، أو ما عُرف بالأحادية القطبية (Unipolarity). وقد استمرت هذه الاحادية قرابة عقد ونصف من الزمن بدأت بعدها تتكشف حدود القدرة الأمريكية على إدارة السياسة الدولية أو بالتراجع عمّا عُرف "بشرطي العالم"، لاسيما بعد حربين مضنيتين في كل من أفغانستان والعراق. العجز الأمريكي ظهر جلياً في الداخل الأمريكي في حدود القدرات العسكرية والاقتصادية ورفض الشعب الأمريكي لمزيد من الحروب والقتلى. أما خارجياً، فتمثل في عجز الحلفاء الغربيين عن تقديم الدعم الفعلي والقوي لمساندة واشنطن في تثبيت إمبراطوريتها التي لا يرغبون بها كثيراً، من جهة، وتقدّم دول كبرى على المسرح الدولي للعب أدوارٍ جديدة خاصة بها ومنافسة للدور الأمريكي، من جهة ثانية.

"هل تريد الدول الأخرى تحطيم الولايات المتحدة أم تغيير نهجها؟"

لقد بدأت حدود العجز الأمريكي تظهر خلال ولاية الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن الثانية بسبب السياسات الخارجية التي اتبعها، والمكلفة اقتصادياً وعسكرياً ودبلوماسياً... وحتى أخلاقياً. ومع وصول الرئيس باراك أوباما للحكم، كان على الولايات المتحدة أنّ تقرر "بهدوء" كيفية تجنب مصير الاتحاد السوفياتي في نهاية ثمانينات القرن الماضي. ومن هنا عمل أوباما على تنظيم تراجع الولايات المتحدة بدل انكسارها واندحارها. انتقل الرئيس أوباما للإدارة من الخلف بدل الظهور المباشر، كما حدث خلال غزو ليبيا للإطاحة بالرئيس الليبي الراحل معمر القذافي. كذلك لجأ أوباما لمفاوضة إيران بشأن برنامجها النووي، بدل شنّ الحرب التي لا يعلم إلا الله كيفية نهايتها. وكان خلال تلك المفاوضات قد توصّل بالتنسيق مع روسيا، ومن خلال المفاوضات أيضاً،  إلى الاتفاق مع سورية على التخلص من الأسلحة الكيماوية السورية. وهنا بدأت تظهر المواقف الدولية المشجعة أو الرافضة أو المتحدية للدور الأمريكي؛

كانت روسيا خلال العقدين الأخيرين، وتحت رعاية وإشراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعادت بناء نفسها وأغلقت كلّ أو معظم نقاط الضعف التي كانت موجودة في جسد الاتحاد السوفياتي السابق وتعلمت من دروس الماضي وأخطائه. بالطبع لن تسمح الولايات المتحدة ـ عن طيب خاطر ـ ولن ترحب بتقدم روسيا للعب دور "القوة الكبرى"(Supper Power) كما كان الاتحاد السوفياتي السابق على الساحة الدولية. لكن الأزمتين السورية والأوكرانية كانتا مفصليتين في تثبيت الموقف الروسي الجديد أمام الولايات المتحدة بشكل خاص، والغرب بشكل عام. روسيا قوة كبرى ولكنها لا تريد التفرد في قيادة العالم. إنها تبحث عن تكتل عالمي جديد تعمل معه ومن خلاله في إدارة الشؤون الدولية بشكل يخدم المصالح الجماعية للدول. فقد تعلمت موسكو من أخطاء واشنطن، وهي ليست مستعدة لتكرار نفس الأخطاء. أبعد من ذلك، فروسيا لا تريد أيضاً انهيار الولايات المتحدة لما لذلك من انعكاسات على الوضع الدولي والاقتصاد الدولي والعالم برمته. وربما في هذا السياق، جاء حديث الرئيس الأسد الواقعي والعملي(Realistic & Pragmatic) عن دور روسيا في خلق عالم متعدد الأقطاب يحقق العدالة الدولية؛ فالمطلوب ليس انهيار الولايات المتحدة وإنما تغيير نهجها العدواني التسلطي الذي كرّسه المحافظون الجدد، وتخلي واشنطن بالتالي عن سياساتها التدخلية في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

وفي هذا السياق، فإن العديد من الدول لم تعي بعد ـ أو لم تتأقلم مع ـ حقيقة الموقف الأمريكي والتوجهات الأمريكية التراجعية الجديدة. ولعل موقف المملكة السعودية في الفترة الماضية، يأتي معبراً عن هذه المجموعة من الدول. فالسعودية التي اعتادت ولعدّة عقود، تقديم نفطها لواشنطن مقابل الحماية الأمريكية للمملكة، تريد أن تستخدم القوة الأمريكية لتنفيذ مصالحها الوطنية، وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة ولا تستطيعه إن أرادت. ولذلك وجدت السعودية نفسها وحيدة، وفي مأزق، ودون مظلة دولية لحمايتها. وهذا ما عبّر عنه العديد من الكتّاب السعوديون في الفترة الماضية، في إطار البحث عن بديل أو بدائل أخرى. وقد وصل الأمر ببعض هؤلاء إلى حدِّ اتهام الرئيس الأمريكي بالجبن أو التردد أو ضعف الإرادة وعدم القدرة على اتخاذ القرار، ولكنّ حقيقة الأمر ليست كذلك.

وهناك نموذج آخر من الدول التي وجدت في التراجع الأمريكي متنفساً لتغيير أو تعديل سياساتها الوطنية الخارجية، مثل تركيا أو مصر. فبعد قرابة أربعين عاماً من السياسة المصرية التي تدور في فلك الولايات المتحدة، وجدت مصر أخيراً الفرصة متاحة للتوجه شرقاً والعودة إلى موسكو في توجه يهدف إلى إقامة نوع من التوازن في علاقات القاهرة الخارجية، وبالتالي إيجاد نوع من الاستقلالية في القرار الخارجي. ورغم امتعاض الولايات المتحدة من التوجه المصري الجديد، إلا أنّ ذلك لم يصل حدّ الاعتراض الكامل أو وضع مصر أمام المفاضلة والاختيار بينها وبين روسيا، كما لم يمنع مصر أيضاً من مواصلة توجهاتها الجديدة.

ولعل من الملاحظ أنّ الإرباك والتغيّر في سياسات الدول، حدث في جانب أصدقاء أو حلفاء الولايات المتحدة، وليس في جانب خصومها(Adversaries). والسبب هو عدم الاستعداد لمثل هذا الوضع المفاجئ والقيام بتعديل السياسات القائمة، وربما أيضاً بسبب عدم وجود البدائل الحقيقية التي تمكّن حلفاء واشنطن من الاستدارة، كما تفرض المرحلة الجديدة. وهذا ينطبق كثيراً على معظم دول أوروبا التي لم تتخطى أزمتها المالية بعد، ناهيك عن إمكانية الحديث عن الهيبة العسكرية الأوروبية المفقودة.

إن المشاكل والتحديات(Challenges) التي يواجهها العالم كبيرة ومتنوعة ومعقدة لدرجة يصعب على أي دولة منفردة، مهما بلغت من القوة، التعامل معها ومواجهتها والتصدي لها وحلّها. ومن هنا كان الحديث عن عالم متعدد الأقطاب يحقق العدالة الدولية. وهذا العالم يقتضي أو يتطلب أن تكون الولايات المتحدة ـ وبالتبعية حلفاءها ـ جزءاً منه وليس ضده أو خارجه، ولكن شرط قبول قواعده الجديدة وأسسه المختلفة عن الأسس التي وضعتها ومارستها في العقدين الأخيرين كقوة استعمارية أو إمبراطورية.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.