تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

السعودية مصدرالفكر التكفيري.. من فمك أُدينك؟؟!!

مصدر الصورة
SNS


27/9/2014


لعلّ عنوان المرحلة سعودياً هو "التخبط"! نعم التخبط بكل أنواعه وأشكاله؛ في التربية والمجتمع والسياسة والدين والثقافة، والانفصال أو الهوة الشاسعة بين الواقع المتخلف الذي يُعاش وكأنه قبل عدة قرون، والمعايير أو الشروط أو "الأوامر" المطلوبة لمواكبة العصر والدخول في القرن الحادي والعشرين. المشكلة الداخلية الحقيقية في السعودية الآن أنه مطلوب من منظّري ودعاة التكفير والقتل والتطرف، الدعوة إلى التحرر الانفتاح وتغيير الدفة بمقدار 180 درجة، ولذلك يحصل التخبط والارتجاج واتهام الآخرين.

وحتى لا نبقى في العموميات نذكّر بأن وسائل الإعلام السعودية وافتتاحيات ومقالات وتعليقات الصحف المدروسة والموجّهة جيداً لا تكف، مثلاً، عن اتهام "النظام السوري" برعاية الإرهاب ومن ضمن ذلك تنظيم "داعش"، وقبله جبهة النصرة. وإذا تابع أي مواطن عادي في الوطن العربي ودون كثير معرفة بالسياسة، الأخبار والوقائع لوجد أنّ أول المتضررين وأكثرهم من الإرهاب وتنظيم "داعش" وجبهة النصرة هو الدولة السورية أو ما يسميه الإعلام السعودي "النظام السوري".

والحقيقة إن عودة بسيطة لما يبثه أو ينشره إعلام "النظام السعودي"، تُظهر الخلل في المناهج والتربية السعودية؛ في الثقافة السعودية، في الفكر والممارسة الدينية والحياة السعودية... الخ.

الكاتب السعودي خالد الدخيل رأى في مقاله في صحيفة الحياة (٢١ أيلول ٢٠١٤): مراجعات لـ«الوهابية» تأخرت كثيراً، أنّ من "أهم ما تمخض عنه ظهور «داعش» على المستوى المحلي، هو ما يبدو أنه بداية مراجعة فكرية لأدبيات الحركة الوهابية، وهي مراجعة تأخرت كثيراً، وبما أن هذه المراجعة بدأت، فإنه يجب أن تستمر، وأن تتعمق".

هذا الخلل في الفكر الوهابي السعودي تثبته افتتاحية صحيفة "الرياض" (26/9/2014): من يحاكم فقهاء الإرهاب الطلقاء؟! حيث يعترف يوسف الكويليت أنّ المشكلة سعودية وأنّ حلها سعودي. وبالتالي فإن تصديرها للآخرين أو تحميلهم مسؤوليتها هو نوع من النفاق أو الهروب إلى الأمام أو مجانبة الحقيقة. يقول الكاتب السعودي: "لدينا، وبشكل علني، دعاة يعلنون مواقفهم ودعمهم للإرهاب بالوسائط التقنية المتاحة... وبيّن بعض العائدين، حديثاً، والناجين من داعش، انهم وقعوا ضحية المعلومات التي يبثها هؤلاء الدعاة". وبالتأكيد لم يتربَّ هؤلاء الدعاة أو اتباعهم على الفكر الإسلامي في سورية ولا على الفكر العلماني "للنظام السوري"؛ هم تربوا في مملكة "النظام السعودي"، وتحت راياته وفي حضنه ومن خلال احتضانه للتطرف والتزمت والإنغلاق المستمر منذ عدة عقود.

والحقيقة أنّ وجود التطرف في المجتمع السوري دخيل عليه  وقد يكون سببه الجوهري، ربما الاتصال بالسعوديين والمجتمعات الخليجية الأخرى والتقاط بعض أفكارهم سواء من خلال الحج، أو من خلال العمل هناك، أو من خلال برامج التضليل التي عملت عليها المخابرات السعودية والخليجية أو رجال الدين لديها، أي الدعاة الذين يتحدث عنهم الكويليت وفضائياتهم أو الوسائل الأخرى الكثيرة المتاحة أمامهم.

فسورية لا تملك المال لتوزعه وتُغري الآخرين، والإعلام السوري لا يروّج للتطرف ولا توجد وسيلة إعلامية سورية واحدة تروّج للتطرف أو الإرهاب، اللهم إلا إذا كانت تتبع للأشخاص الذين تمولهم السعودية أو تأثرت بالسعوديين. والحق أنه وبعد مائة عام من الآن، لن يصل التقدم السعودي إلى مستوى يداني حتى ما يعتبر تخلفاً سورياً، فكيف أبعد من ذلك. والسبب بسيط ومفهوم، وهو أن الفكر السوري منفتح ومختلط وتعوّد على الآخر وتلاقح معه واعتاد قبوله؛ الفكر السوري عصارة حضارة تعود لأربع أو خمس حضارات أخرى متعاقبة، تمتد من الصين والهند شرقاً عبر طريق الحرير وتنتشر إلى أوروبا والأندلس وأمريكا والبرازيل والأرجنتين غرباً وجنوباً، وبالتالي الفكر السوري فسيفساء خلاّق ومؤسِّس وعالمي وقِيمي، أخذ  وأعطى، وليس محدوداً في بقعة ومنطقة صحراوية لا ولم يخرج منها. وربما هذا ما يعجز النظام السعودي عن فهمه أو استيعابه أو اللحاق به، وربما هذا ما يستفزه ويحاصره!!

عملية تغيير الفكر لا تتم بقرار أميري ولا تُنجز بمرسوم ملكي ولا يٌحارب التخلف باتهام الآخرين به. الفكرُ هو تراكمٌ ومنهجٌ وسلسلة متصلة من المعرفة والخبرة تترسخ على مدى قرون. "النظام السوري" هو ابن المجتمع السوري الطيب والمتسامح والنشيط والمتكافل والمنفتح والمحب للآخرين، ولذلك لا يستطيع هذا النظام إلا أن يكون على شاكلة صورة المجتمع الذي يمثله. ومن يريد أن يتأكد من طبيعة المجتمع السوري والنظام السوري، عليه التوجه إلى محافظتي اللاذقية وطرطوس على الساحل السوري حيث يقيم هناك من المهجّرين والنازحين من حلب وحماه وحمص وغيرها، أكثر من عدد سكان المدينتين الأصليين، ولم يُسأل هؤلاء ـ كما يدعي الإعلام السعودي ـ عن أي انتماء أو فكر أو عقيدة؛ لأنهم سوريون. وعندما شُنت الحرب على العراق أو على لبنان، فتح السوريون أبوابهم لملايين اللاجئين من البلدين، ولم ينصبوا خيماً لهم ولم يشحذوا عليهم ولم يعبسوا بوجههم، ولم يسبوا نساءهم ويجربوا فحولتهم بهنّ، ولم يسألوهم عن طائفتهم أو دينهم أو انتمائهم السياسي، لأنهم عرب اشقاء ولأنهم محتاجون، وقبل كل شيء لأن السوريين هكذا يفكرون وهكذا يعيشون وما زالوا..!!

ونحن إذ نقول كلّ ذلك لا نقف ضد الدعوات السعودية للثورة على التخلف والإرهاب والتطرف الذي يعشعش في الواقع السعودي برعاية المؤسسات الرسمية السعودي الدينية أو غيرها، ويحجب المجتمع السعودي عن التطور والحياة والانفتاح والاندماج مع الآخرين؛ (يقول الكويليت: مع أحداث اليمن الأخيرة... برز بالصورة والاسم الصحيح دعاة النفير للالتحاق بالعناصر المناوئة للحوثيين.. ما يؤكد أن فقهاء الإرهاب لن يكونوا جزءاً من أمن الوطن، بل خطر عليه). المشكلة مع "النظام السعودي" هي بإلقاء التهم على الآخرين ومحاولة طمس الحقيقة أو إخفاء وجهه لعدم رؤيتها. والمشكلة أيضاً، هي بمحاولة تصدير الواقع السعودي للآخرين وتحمليهم مسؤولية نشوء هذا الواقع السيء، بل والعمل على تغير واقعهم ليشبه الواقع السعودي المريض.

على "النظام السعودي" الكفّ عن النفاق والتضليل واتهام الآخرين، وعليه مواجهة الحقيقة كاملة لأن حلّ أي مشكلة يبدأ بالاعتراف بوجودها.. والأهم، على النظام السعودي عدم خداع نفسه، والاستفادة من التجربة السورية والحضارة السورية والفكر السوري والثقافة السورية في الانفتاح والتحرر والتقدم بدلاً من العمل على تدمير ذلك، كما كان وما زال يحاول حتى الآن.

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.