تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تـركيـا واستراتيجية صفر مشاكل مع الجيران..!!


29/9/2014


طرح وزير الخارجية التركية السابق ـ رئيس الوزراء الحالي أحمد داود أوغلو، قبل عدة سنوات، إستراتيجية تركيا للسنوات التي سيمارس فيها حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا، وذلك قبل اكثر من نصف عقد من الآن. هذه الإستراتيجية يمكن تلخيصها بشعار "صفر مشاكل مع الجيران".

والحقيقة أنه وبعد سنوات من رفع هذا الشعار وصلت علاقات تركيا مع كل جيرانها إلى الدرك الأسفل وإلى أسوأ حالاتها، بل يمكن القول إن شعار "صفر مشاكل" تحوّل إلى "صفر علاقات مع الجيران". فالعلاقات التركية سيئة مع المحيط القريب بدءاً من العراق وسورية ولبنان ومصر والسعودية وكل دول الخليج باستثناء إمارة قطر النفطية.. وتالياً مع أرمينيا واليونان وصولاً إلى انعدام الثقة مع أوروبا وحتى الولايات المتحدة، وجميع هذه الدول والبلدان تعتبر سراً أو علانية أن تركيا تلعب دوراً قذراً في الإقليم والعالم ولاسيما في تشجيع الإرهاب ودعم المتطرفين وصولاً إلى تسهيل حركتهم ومدّهم بالمال والسلاح ـ كما في العلاقة مع تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ـ"داعش". فهل تـركيا بهذا الغباء أم أنّ شعار "صفر مشاكل مع الجيران" كان غطاء لسياسة تركية أخرى يتم تنفيذها تحت هذا الشعار البراق؟!

قبل الإجابة عن هذا السؤال، من المفيد التذكر أنّه في كل تجارب الاحتلال والاعتداء من قبل دولة/دول معينة على دولة/ دول أخرى، لم يكن الشعار الذي يتم تحته خوض هذه الحرب عن احتلال استعماري أو تأديب أو إسقاط حكومة أو التوسع أو تدمير دولة عدو... الخ، بمعنى أنه لم تكن أسباب الحروب المباشرة يوماً تُطرح علانية، بل كان يجري تغليفها بشعارات براقة جذابة؛ نشر الديمقراطية وحرية الرأي، إسقاط الطاغية وتحرير الشعب منه؛ محاربة الإرهابيين والتطرف... لكنّ أبرز هذه الشعارات كان شعار إستراتيجية الولايات المتحدة التي طرحت في عهد الإدارة الأمريكية السابقة؛ الفوضى الخلاقة. فكيف يمكن للفوضى أن تكون خلاقة؟! نعم يمكن ذلك؛ الفوضى في الإقليم العربي التي تؤدي إلى تدميره، وبنفس الوقت تحقيق مصالح الولايات المتحدة؛ أي "الفوضى" لنا ولمجتمعاتنا و"الخلاقة" لحماية مصالحهم وتسهيل عودتهم وتدخلهم في المنطقة وشؤوننا.. وإن كانت الولايات المتحدة تفصح في الكثير من الأحيان عن خططها وبرامجها ولكن الاخرين لا يفهمون ولا يهتمون، كما برّر الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما الحرب على "داعش" بأن التنظيم الإرهابي يهدد "مصالح الولايات المتحدة" وليس لأنه يهدد مصالح أوروبا أو روسيا أو سورية أو السعودية؟!

وبالعودة إلى سياسة "صفر مشاكل مع الجيران" التركية، فإنه كان من الصعب على الحكومة التركية الإخوانية القول صراحة إنها تسعى إلى "أخونة" المنطقة وتوسيع النفوذ التركي في الإقليم واستعادة وهج السلطنة العثمانية السلجوقية التي يراود حلم تحقيقها الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان من خلال احتلال سورية أو تقسيمها أو تقسيم العراق أو احتلال قبرص وأرمينيا...الخ. لذلك كان لا بد للمشروع التركي من شعار براق يخطف القلوب قبل الأنظار لجذب الناس إليه وتأييده؛ وعليه، وقّع أردوغان أكثر من /50/ اتفاقية مع سورية ولكنه لم ينفذ أياً منها؛ رفع شعار المواجهة مع العدو الإسرائيلي باسم قضية فلسطين، ولكن التنسيق والمصالح الإسرائيلية لم يكن محققاً يوماً بين تركيا وإسرائيل كما هي في عهد حكومة أردوغان؛ دغدغ أردوغان حلم الأكراد ولكنه لم ينفّذ أياً من تطلعاتهم بعد انتهاء حملته الانتخابية، بل إنه أوقع بين أكراد بلاده وإخوانهم في العراق عندما استقطب رئيس إقليم كردستان العراق مسعود برزاني إليه، وعند لحظة الحقيقة، وأمام توسع تنظيم "داعش" تخلّى عنه ورفض تقديم المساعدة له، بل حاول منع ذلك.

ولعل فشل مشروع أردوغان في مصر وسورية والعراق جعله يفقد أعصابه ويمارس سياسة تدميرية معادية تجاه كل من مصر ـ عبد الفتاح السيسي وسوريةـ بشار الأسد. فشعار "صفر مشاكل مع الجيران" لم يعد قادراً على إخفاء الأهداف الحقيقية للاستعمار التركي المتغطرس والمتجسّد بحكومة أردوغان وسياساتها. وهذا يعني أنه أياً تكن الشعارات التي يتم تبنيها، فإن القراءة الصحيحة والفهم الحقيقي والإدراك الصحيح للأهداف الكامنة وراءها يمكن أن يمنع تحقيق هذه الأهداف أو الحدّ من خطورتها. ومن الخطأ في العلاقات الدولية الركون إلى الشعارات التي تُطرح لأن الحقيقة غالباً ما تكون عكسها أو في مكان آخر..!!

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.