تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

عتاب حريب: بضربة واحدة تنثر أسرارها المائيّة

مصدر الصورة
sns-صحيفة الاخبار اللبنانية

     

5 تواريخ

1954
الولادة في مدينة دير الزور ـــــ الميادين (سوريا)

1978
تخرجت من «كلية الفنون الجميلة ـــــ قسم الحفر» في «جامعة دمشق»

1993
أول معارضها الفردية خارج سوريا، في الصين، وسام وزارة الثقافة الصينية الذهبي

2009
كرمت كأفضل فنانة عربية متميزة في المعرض السنوي في الجزائر

2010
شاركت في معرض برليني بعنوان «إضاءة على المشهد الفني التشكيلي السوري»

 

تلميذة في المرحلة الابتدائية رسمت شجرة. أخذت المعلمة الرسمة، وعرضتها على التلاميذ في الصفوف الأخرى، وهي تردِّد: «ارسموا مثل عتاب». يومها، راود تلك الطفلة حلمٌ لم يفارقها: «أنا مشهورة... وهناك من يجري معي حديثاً صحافياً». كبرت الفتاة، افتتحت معارض فردية وجماعية عدّة في دول عربية وأجنبية... وبالطبع تحقق حلمها، وأصبحت مشهورة، وأعطت مقابلات صحافيّة كثيرة.
في منزلها الذي لا يشبه أي منزل آخر، كانت عتاب حريب في انتظارنا. في الداخل، تكاد تضيع وسط بيت غارق في التفاصيل والمقتنيات. قد تحتاج إلى أشهر لمعرفة محتويات المكان. هي تسمي كل هذا «الفوضى الخلاقة». المرسم في الطابق العلوي. هنا لوحات منجزة وأخرى قيد الإنجاز... لكلّ لوحة حكاية، تعرفها عتاب بالتفصيل، تعرف عمرها، والمعرض الذي شاركت فيه. «بيتي يحتفي بالتفاصيل الصغيرة التي صنعت حياتي. إنه ذاكرتي الحيّة، صور من أحبهم، هدايا الأصدقاء، ما اقتنيته خلال أسفاري، وما رسمته في لحظات حزني وفرحي... كل هذا أبقيه حولي في متناول يداي ونظري»، تقول.
تفتح نوافذ الذاكرة، على أزمنة من صور ومشاهد حيّة، التقطتها لتعيد صياغتها بلوحات مائية شفافة ذات بعد ضبابي سحري. الألوان المائية سر من أسرار هذه الفنانة ذات الحضور الجميل... فهي «لا تحتمل الكذب والتجريب، ولا ترضى بالتردُّد والتواري»، تقول حريب مسترسلةً في وصف الألوان المائية. «إنّه لون الضربة الواحدة، الجلسة الواحدة، والمساحات الكبيرة. يلبّي انفعالاتي مع المشهد الحي الذي أرسمه، ويستجيب لحرارة الذكريات. كرغيف التنور ينضج بسرعة... إنه السهل الممتنع».
مرةً، باعت عتاب سيارتها كي تسافر إلى الصين للاطلاع على تجارب الفنانين الصينيين مع الألوان المائية. كان ذلك عام 1993، فمنحتها وزارة الثقافة الصينيّة وسامها الذهبي. «ذهبت إلى هناك لأحدّد موقعي. كنت أعتقد أنني أرسم المائي على الطريقة الصينية أو اليابانية، لكنّني اكتشفت أنني سورية حتى النخاع، وأنّ أعمالي مشبعة بالروح والبيئة السورية».
تبدو التشكيليّة السوريّة في معظم ما ترسمه مطاردةً بذكرياتها الأولى، واكتشافاتها الأولى. عملُ والدها جعلها تقع في غرام الطبيعة السورية بمختلف تنوعاتها. إنها «منجم لا ينضب»، تقول. «تطلّب عمل والدي الموظف في وزارة الداخلية التنقل بين مختلف المدن والقرى السورية. صارت حياتنا أشبه برحلة. اكتشفت البحر، والنهر، والجبل، والسهل، والصحراء، وأخيراً دمشق الأزقة والشوارع المظلَّلة بالياسمين وأشجار النارنج. الطبيعة هي ملهمتي الأولى».
انتقل والدها من وزارة الداخلية إلى وزارة الثقافة، المكان الأقرب إلى شخصيته، وهو المهتم بالسينما، والفن التشكيلي، والسياسة. كان والدها ابن رجل درس الحقوق في إسطنبول حينها، وصار عضواً في أول برلمان سوري عام 1948... «لطالما كان بيتنا محتشداً بالضيوف والأصدقاء»، تخبرنا حريب. تشبُّع والدها بالثقافة الفرنسية جعله يأخذ خطوة جريئة، في منتصف الأربعينيات، ويتزوّج سيدة مسيحية زواجاً مدنياً. «دفن والدي في الميادين وأمي دفنت في مدفن الأرمن الكاثوليك. بقيت والدتي مسيحية ولم يجبرها والدي على تغيير دينها»، تقول.
في كنف هذه الأسرة المنفتحة، نشأت الفنانة وكبرت بين أربع بنات هي أصغرهن وشابين. «الوضع المادي المتوسط لم يمنع أهلي من ملء البيت بالألعاب والكتب ودفاتر الرسم والألوان. كان الموظف في تلك الأيام قادراً على العيش بكرامة، ولم تكن هناك فوارق هائلة بين الطبقات». شجعها الأهل على ممارسة الرسم هوايةً، وكانت أول لوحة زيتية رسمتها «عباد الشمس» لفان غوغ. «أراد أهلي أن أدرس الهندسة المعمارية لأنها مهنة تضمن المستقبل... لكنّني كنت مقتنعة بأنّ الرسم مهنتي. لذلك، انتسبت إلى «كلية الفنون الجميلة»». حين قبلت، لم تصدّق الفكرة... وأثناء عودتها إلى البيت في الباص، كانت طبول حرب 1973 تقرع. «كنت أرسم بطاقات لتمضية الوقت ونحن في الملاجئ»، تسرّ إلينا.
آمنت بالأفكار الاشتراكية، لكنها لم تصدق من كانوا يحاولون تطبيقها. تذكر أنها في المرحلة الثانوية، كانت صديقة لابنة رجل من حملة هذه الأفكار. «كنت أذهب مع صديقاتي إلى منزلها لنناقش كتاباً ما. عشنا مناخاً سياسياً بامتياز، لكنني كنت أحب التحليق خارج السرب في تحليلاتي الخاصة بالأدب، والشعر، والفن، والسياسة».
عملت عتاب في التدريس منذ تخرجها من «كلية الفنون الجميلة». سافرت إلى السعودية ودرّست في «معهد المعلمين» مادة الرسم لكنّها عادت بعد سنتين، لأنّ «معاهدة «كامب دايفيد» (1979) أرخت بظلالها على علاقة السوريين بالمصريين هناك». بعد عودتها إلى بلادها، حصلت على دبلوم التأهيل التربوي من «جامعة دمشق» عام 1983، ومارست تدريس مادة الرسم للأطفال في «مركز أدهم إسماعيل» وما زالت حتى الآن. صممت ملصقات مسرحيّة وتلفزيونية وسينمائية عديدة، وكانت لها تجارب في تصميم الأزياء والديكور للعديد من المسلسلات والأفلام. «يجب أن أعمل حتى أصرف على نفسي وأولادي وسفري ومتطلبات الرسم»...تحوّلت الهواية إلى مهنة، وصار البعدان ـــــ الشغف والعمل ـــــ يتمازجان. «أرسم بعاطفتي، أكون في حالة من الحب عندما أرسم... كأنّها المرة الأولى». ترسم واحات من شقائق النعمان، وبيوت غافية على كتف نهر وهي تلتحم مع قوارب النجاة. بيوت متراصة متعانقة، محتشدة، تشبه وجوه الناس. تسمع همس النوافذ وتنهدات القابعين خلفها. ترسم فلاحة فراتية، تزهو بألوان ثوبها المزركش بخيوط القصب. تخبرنا عن أثر البيئة الفراتية، مسقط رأسها، في معظم ما ترسمه: «أول ضوء لمع في عيني كان ضوء الشمس في وادي الفرات، وأول صوت كان هدير النهر الكبير. هذا الموروث الثقافي والبيئي كوّن مخزوني البصري والمعرفي الأوّل».
تعتز هذه التشكيلية العصامية بمنجزاتها: «لم تمد لي يد العون من أحد، لا من دولة ولا من أفراد». لكنها غير راضية بالكامل عن أحوال الوسط التشكيلي «بسبب المال غير المثقف الذي يتحكم بمسألة التسويق».

                                                                                                                            إيمان الجابر

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.