تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

حازم العظمة.. حارس الصحراء المطلّ على المدينة

مصدر الصورة
SNS - بلدنا

 

محطة أخبار سورية

يجلس الشاعر حازم العظمة (1946) في عزلته. قبل أسابيع، صدرت مجموعته الشعرية الثالثة «عربة أولها آخر الليل» عن دار الريس. كان يربّي مجموعة من الكلاب القادمة من الصحراء والمحيطة به في مزرعة بلا سياج على مقربة من مطار دمشق الدولي. أطلق على الكلاب أسماء الشعراء الذين كانوا يترددون إلى منزله في جلسات للشعر والحياة. لكنك في كلّ غياب عن منزله تعود لتعثر على كلاب أخرى، وبعض أحفاد الذئاب تلك رحلت من حيث جاءت أول مرة.

 

لكنّ منزل حازم العظمة دافئ في الداخل، وحميمي جداً. كان يمكن إيجاد حازم العظمة في عيادته السابقة في ساحة المرجة؛ عيادة الصدرية التي كانت مملوءة بالكتب والقصائد ومنفضة السجائر أيضاً، لكنّ أحد أشهر أطباء الصدرية في دمشق سيعتزل مهنته، ويذهب إلى تخوم الصحراء، حيث يسقي أشجاره ويتأمل في المسافات المحيطة به، وبكائنات الليل والنهار من طيور وحيوانات وتضاريس هائمة في الخيال. حسناً.. ليس هناك سرّ في ابتعادي عن المدينة.. لم أبتعد عن المدينة، من هنا تستطيع أن تكون في المدينة أو أن ترى المدينة أحسن»..

 

أسأل حازم العظمة عن طفولته، فيقول: « لا شيء مميزاً في الطفولة، كنت طفلاً لاهياً، ولا أزال، بمعنى ما، لاهياً». هذا اللهو يعني أنّ قارئ حازم العظمة في مواجهة شاعر مشاغب، وأنّ البوصلة بالنسبة إليه واضحة على نحو قاطع، رغم ما قد يعتري المشهد من ضباب؛ فهو شديد الحدة في النقاشات التي ينحاز فيها باستمرار إلى المبادئ وإلى الحضارة العربية التي لم يكن يراها في أيّ وقت حضارة محتضرة، كما ساجل أدونيس وقت إطلاق قنبلته الصوتية؛ تلك التي وصفت الحضارة العربية بالمضمحلة، وكان لهذه الحدة والمبدئيّة جذورها حين خرج حازم العظمة متظاهراً ضدّ حكومة والده من مدرسته «ابن خلدون»، التي وجد نفسه مطروداً منها إلى مدرسة جول جمال على إثر فعلته...

 

يبتعد حازم العظمة باستمرار عن الحديث عن عائلته العريقة؛ فهو ابن «بشير العظمة»، رئيس حكومة سورية في مطلع الستينات، كما ينتسب إلى يوسف العظمة، وزير الحربية السوري، الذي يعتبر أحد أبرز الرموز الوطنية السورية. أمّا عن تفرّغه للشعر، فيصحّح المسألة: «لا أتفرغ للشعر، لا أجد أنّ الشعر يعيش في «التفرغ».. الشعر يبدو لي «طارئاً»، بمعنى أنك لا تجده حين تبحث عنه.. وكلّما أطلت البحث ابتعد .. هو هكذا طارئ، ولا أحد يتوقعه.. الناس يرتطمون بالشعر كما في حادث.. أو في مصادفة ما.. حدث جميل بالتأكيد، أو حدث فاتن، بالنسبة إلي على الأقل.. الفتنة اسم آخر للشعر»..

 

تأخر حازم العظمة في نشر قصائده، لكنه قدم في مقترحه الشعري الأول «قصائد أندروميدا» (2004) نصاً شعرياً مغايراً في كثافته ونفوره واختلافه في المشهد الشعري: «الكتابة تتراكم في مكان ما من رأسك، والمشاهد كذلك، وارتكاسك للمشاهد.. كلّ ما هنالك أنك كنت تقول ذلك شفاهياً، بعد ذلك تكتبه، هكذا لأنّك أحببت أن تكتبه، الكتابة استمرار للحديث.. أو استمرار لحديث لم تقله.. وحين تكتب تستطيع أن تقول أحسن.. أو وجدت أنّه يقال شعر أحسن، أو أنه لا يقال إلا شعر».. وقد وصف أحد النقاد باكورة أعمال حازم العظمة بقوله: «إنّها تقدّم للقارئ براهين أكيدة على شاعر خبير، متمرّس في بلوغ صياغات شعرية ذات خواصّ مميّزة، عالي السيطرة على أدواته الكتابية، بارع في تسخير وظائف اللغة وألعاب التصوير وتشكيلات الإيقاع وكيمياء النصّ، فضلاً عن صعوده أكثر من مركب وعر في غمرة هذه المزايا كلّها.

 

بعد ذلك، توّج حازم العظمة مسيرته الشعرية بديوان ثانٍ أسماه «طريق قصيرة إلى عراس»، وتؤكد قصائد هذا الديوان أنه شاعر حقيقي تنمو قصيدته في المناطق المعتمة، ثم تنفجر دفعة واحدة مثل القنبلة الموقوتة، ورغم أنّ حازم العظمة يكره مفردات كهذه إلا أنّ قصيدته تنفجر فعلاً مخلفة عدداً كبيراً من المأخوذين والمتفاجئين والمدهوشين بقدرته على التجدد والخلق إن كان الشعر عملية خلق في الأصل. وإن لم يكن الشعر خلقاً فإن حازم العظمة صانع ماهر في معمعان اللغة. يفكّ ويركب، يجمع ويفرق، بلا حسابات مسبقة، وقصيدته تقوم على التكثيف والحذف على نحو شديد البراعة، فـ «العالم يشبه الشعر.. هناك فجوات في العالم أيضاً..هنالك فجوات في السياق» .. لا يبدو لي أي شيء متصلاً ومنسجماً وبليغاً وفصيحاً ومسترسلاً.. إلا للحظات، يتوقف بعدها هذا «الاسترسال»، ثم يعود بطريقة ما، بطريقة قد تستبعد ما له علاقة باللحظة التي قبلها، أو لا تستبعدها.. ثمّة فوضى ترتطم ببعضها، ثمّ ترتطم بكلّ شيء أمامها».. اليوم يمضي حازم العظمة وقتاً طويلاً في سجالات يديرها على صفحته الشخصية على فيسبوك.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.