تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

خالد تاجا: "مسيرتي حلم من جنون"

مصدر الصورة
بلدنا السورية

 

هل أنت متأكد أنك تريد حفظ هذا الخبر؟

نعم لا

 

loading

  •  

عام ونصف مضت على رحيل الفنان الكبير خالد تاجا، عن عمر ناهز الثالثة والسبعين، بعد صراع مع المرض، غير أنّ الرجل كان قد حضر نفسه منذ زمن بعيد، حضّر القبر بنفسه والشاهد، الذي حمل كلمات تقول "مسيرتي حلم من الجنون، كومضة شهاب زرع النور بقلب من رآها لحظة ثمّ مضت".
ثمّ يشير الشاهد على قبره إلى منزل الفنان محمد خالد بن عمر تاجا من مواليد 1939، وترك الرجل تاريخ وفاته عام 2012.
بدأ تاجا الشامي (وهذا لقبه الأحبّ إلى قلبه رغم ذلك اللقب انطوني كوين العرب الذي قال إنّ الشاعر محمود درويش قد أطلقه عليه)، حياته الفنية صغيراً في المسرح، حيث عرف مسارح دمشق، وعمل فيها، كما عرف رجال المسرح الكبار آنذاك، وعمل مع بعضهم، كعبد اللطيف فتحي وأنور البابا، وحكمت محسن، وسواهم.
ومن المسرح، دلف تاجا إلى السينما، حيث التقى في المسرح المخرج العسكري اليوغسلافي يوشكو فوتونوفيتش، فأسند إليه دور البطولة في أول فيلم سينمائيّ تنتجه المؤسسة العامة للسينما هو "سائق الشاحنة" 1966، ثمّ تتالت الأعمال السينمائية في القطاعين العام والخاص، وكان أبرزها "الفهد"، و"رجال تحت الشمس".
ويكتب الفنان الراحل بنفسه، في سيرة ذاتية مقتضبة، أنّه ابتعد عن العمل مدة 12 عاماً بسبب ما أسماه ظروفاً صحيّة خاصة، وعند عودته قدّم أكثر من مئة مسلسل تلفزيونيّ.

في التلفزيون، كانت مسلسلاته المئة كفيلةً بأن تضع بين يديه عدداً هائلاً من الأدوار في بيئات وأنماط فنية مختلفة، فمن أعمال البيئة الشامية في"أسعد الوراق"، و"الحصرم الشامي"، و"أبو خليل القباني"، و"التغريبة الفلسطينية"، إلى التاريخية في "خالد بن الوليد"، و"ملوك الطوائف"، و"ربيع قرطبة"، و"صلاح الدين الأيوبي"، والكوميدية في "بقعة ضوء"، و"الفصول الأربعة"، و"يوميات مدير عام"، و"وأيام الولدنة".. إلى ما هنالك من أعمال اجتماعية معاصرة كان الراحل يبدو وكأن المكياج لم يبدل في عمره وهيئته شيئاً يبدو منذ أكثر من عشرين عاماً في السن ذاته، غير أنه لعب دور الأب والمسؤول الفاسد، بل حتى العاشق، والدونكيشوت، أو لنقل ما يشبه الدونكيشوت في العمل الكوميدي "أيام الولدنة"، الذي راح يلقي في أناس هذه الأيام خطباً تقرّع الفساد والفاسدين، وتراوغ قبضة أجهزة الأمن، ولعلّ تلك الخطب بالذات هي ما أشعل جبهة الرقابة ضدّ ذلك المسلسل. لقد ظهر الفنان تاجا في أحد أدواره، وهو يخطب في الناس في ساحة المرجة، مقرعاً صمتهم وتخاذلهم، وسرعان ما انفضّ الناس من حوله هاربين، قال تاجا حينذاك ما معناه: "إنكم لا تستعملون أرجلكم إلا للهريبة. كنا فقط نجرب صوتنا ماذا لو بقّينا البحصة؟"
حكاية تاجا مع المرض قديمة مرّ عليها ما يقارب نصف قرن، عندما اكتشف أنّه مصاب بسرطان الرئة، لكنّه تغلّب على الورم الخبيث في حينه، وواصل حياته بشكل طبيعي، ولو برئة واحدة، ذات مرة خضع لعملية خطرة، فرفض التخدير الكامل، وظلّ يراقب مباضع الجراحين تعمل حفراً في جسده من خلال شاشة مثبتة في جسده، لم يراع بطل "الحصرم الشامي" وضعه الصحي، فظلّ طوال حياته يشرب العرق، ويدخن بنهم، إلى جانب هوسه بالتحف والشرقيات التي ملأ بيته بها، وجمعها بشغف شديد، وبقي يرفض إجراء أيّ لقاء تلفزيوني في منزله، خوفاً على تلك التحف التي كان يرتبها بيده، لم يكن يوفر فرصة للنزول إلى سوق الأثريات في حيّ مدحث باشا في الشام القديمة للبحث عن كنوزه الأثيرة.
رحل خالد تاجا، الشامي الكبير، إلى منزله الأخير، غير أنّ عزاء محبّيه يظلّ في مئات الآثار التي تركها حولنا، والتي لن تمحى بالتأكيد.

                                                                                  ربى شدود

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.