تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

شيخ المخرجين السوريين "مانويل جيجي" بائع فرجة أليفة في حياته التي صارت مسرحاً وبقعة حلم

مصدر الصورة
بلدنا

  بين السينما والمسرح، وقفت المصادفة لتنتقي شيخ المخرجين السوريين "مانويل جيجي"، كواحد من أهم بائعي الفرجة المسرحية في سورية، بعد أن أغوته شاشة السينما بدلالها في مراهقته لتسرقه خشبة المسرح وكواليسها العتيقة، منذ أن ذهب إلى أرمينيا بمنحة دراسية لدراسة السينما، وعندما لم يجدها أمسكته العلبة الإيطالية من قبة حلمه العالية حتى اللحظة. فرجة بدروب متعرجة الشكل والمزاج العام لصناعتها حسب الإمكانات المتوافرة في سورية، والتي يراها صاحب "أنشودة أنغولا" (أول عرض مسرحي أخرجه جيجي بعد إنهائه دراسة المسرح في أرمينيا لمصلحة المسرح الجامعي)، لم تتغير كثيراً حتى اللحظة عدا بعض التقنيات البسيطة التي لا تقدّم في العملية الإبداعية ولا تؤخر إن لم تتموضع في بنية العرض لتكون جزءاً حقيقياً منه لا ترفاً بصرياً زائداً على الحاجة، الأمر الذي جعله ينتقي فنّ خيال الظلّ كأحد خياراته الشرطية الفنية لإعطاء عمله المسرحي أبعاداً تجريبية أكثر التصاقاً برؤيته الإخراجية، وأشد وقعاً على المتفرج؛ الهمّ الأساس لصاحب "يوميات مجنون"، والحقيقة المجردة الوحيدة والأكيدة التي يرنو إليها من موقع الإنسان لإنسانيته المتجلية بالآخر وهواجسه في الحياة ومنطقه بصيرورتها.

 

يعتبر مانويل جيجي واحداً من أهم الأسماء المسرحية السورية، وإنساناً تسكنه ألفة الخشبة وسكينة الرؤى القابعة في العتمة منتظرة ما هو الموضوع الذي سيقدّمه صاحب "الآلية" هذه المرة، رغم أنّ جمهوره، بعد أكثر من خمسين عملاً مسرحياً، صار على دراية بالمواضيع التي تشدّ صاحب "الدب" من أطراف نواجذه، باعتباره، منذ بداية عمله المسرحي، دأب على اختيار المواضيع التي تضيء الوجع الإنساني باختلاف ألوانه من الظلم إلى الديكتاتورية والقهر واضطهاد المرأة (الحالة الأكثر إيلاماً لصاحب غني وثلاثة فقراء)، التي عمل على تقديمها وتسليط ضوء قوي على خباياها في شرقنا السعيد في أكثر من عمل، لعل أهمها عرضه المسرحي "صوت ماريا"، الذي جاء بمثابة صرخة مدوية صادرة عن أعماق سحيقة ومسحوقة لنساء عاريات في ثلج مجتمع ذكوري لا يرحم.

 

يؤمن جيجي بأنّ كلّ عرض مسرحيّ يجب أن يخلق أبجديته الخاصة النابعة من الفهم الشخصي والخاص الذي سينسحب بشكلٍ أو بآخر على المناخ العام للنصّ المراد تقديمه، وإن كان يؤخذ عليه، في الأوساط النقدية، ميله إلى النصّ الأجنبي، القديم منه خصوصاً، وتقديمه بمفرداته ومضامينه ذاتها، دون العمل على تكييف النص مع الراهن والحار، إلا أنّه يرى أنّ كلّ نص يحمل قيمته الفنية العالية التي ينتقيها بعناية ليعبر عن موضوعها بطريقته الخاصة ورؤيته الإدراكية لأبعاده الحقيقية. يقول عميد المخرجين في حديث خاص لـ "بلدنا": المسرح يجب أن يكون ملتزماً بالأخلاق الإنسانية، وساعياً بجهد نحو توعية الناس وتثقيفهم بأهميّتها في سلوك دروب الحياة، وهذا ما سعيت إليه طيلة مدة عملي في المسرح، إن كان الجامعي أم المسرح العسكري أو القومي؛ أن اقدم ما يلامس الناس، ما يعنيهم ويرفع من ذائقتهم الفنية، ويوسع مداركهم الحسية. وعن رأيه في المسرح اليوم، قال صاحب "موت معلن": اليوم لا يوجد مسرح. "صمت قليلاً"، وأردف بحسرة: قد تكون الظروف الحالية هي السبب، لكن المسرح حالة وعيٍ تراكمي جمعي، ويجب أن يبقى مستمراً ومتواصلاً، لنقول إن لدينا مسرحاً، وهذا ـ من أسف  ـ غير موجود في سورية، وأكد مانويل جيجي لـ "بلدنا": أننا بحاجة إلى نشر الوعي المسرحي في مرحلة الطفولة.. علينا أن نكرس المسرح ومفهومه ومعانيه العالية الحساسية في دواخل أبنائنا منذ الصغر، وإلا فإنهم عندما يكبرون سيجدونه حالة غريبة لا تعنيهم، خصوصاً في زمن الغزو العنكبوتي لشبكات التواصل الاجتماعي ووعيها المضلل.

 مانويل جيجي عمود مرمريّ من أعمدة المسرح السوري. خرّج أجيالاً من الفنانين السوريين أثناء تدريسه في المعهد العالي للفنون المسرحية في سورية والكويت، والتاريخ سيذكر أنّه المخرج السوري الوحيد الذي بقي منذوراً للخشبة، كما لو أنها صليبه الثقيل فوق ظهره في صعوده السيزيفي لدروب الأعمال المسرحية الشاقة

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.