عشرون لوحة من القياس المتوسط والكبير قدمتها اسماء فيومي في المعرض الذي تستضيفه في صالة أيام لكنها تعزف على أوتار المرأة المتعددة في شكل يشبه الاحتفاء أو إعادة التركيز تجاه المرأة التي تبدو صانعة العالم في هذه الأعمال.. حتى عندما تبدو حزينة أو تائهة، فإن غابات اللون التي تستخدمها الفنانة كفيلة بتوجيه العين نحو المرأة التي هي الكائن الوحيد في اللوحات غالباً، فالمعرض يشكل احتفاء حتى بالجانب المظلم من حياة المرأة، وهذا يمكن أن يفسره ظهور وجوه النساء بشكل كبير على حساب الأذرع والأجساد التي تبقى بمثابة التابع للعيون المحدقة والمفتوحة كأنها ترسم المسار الأخير للعمل والمراد منه على صعيد الفكرة والذائقة اللونية المشغولة بمهارة كما أسلفنا..
في أعمالها المشغولة بالأكريليك، تقدم فيومي اللون الذي يبدو للوهلة الأولى نافراً كأنه وشاح من الأحمر، كجزء من النسيج العام للون رغم احتوائه على درجة كبيرة من السطوع نسبة إلى الجوار الترابيّ أو القاتم والبني في اللوحات المختلفة، تلك الإضاءات اللونية المختلفة عن السياق العام للوحة، شكلت بعداً مدهشاً في المهارة اللونية مثلما أدت دورها أيضاً على صعيد الفكرة التي تريد فيومي إيصالها، فكانت تلك الإضاءات تتناوب بين الأصفر والأحمر أو الأبيض.. ومرات أخرى تبدو مثل مسار يشبه العبور أو الطريق في اللوحة، وهذا أمر يشي بالكثير من تأملات الفنانة ومحاكاتها للأسطورة أو مناقشتها لموضوع المرأة من خلال مجموعة هائلة من الأفكار والتصورات والخيال!.
تعمل فيومي في معرضها على أكثر من بعد لوني متناقض ومختلف وجريء، فهي ترسم باللون جميع التفاصيل أو تترك اللون يرسم من تلقاء نفسه بشكل نكتشف ذلك الانسجام الكبير على صعيد البنية الكلية ضمن الإطار الواحد إلى جانب النفور والاختلاف بين المكونات التفصيلية للعمل، هكذا تظهر اللوحات كأنها مقسومة إلى جزأين أو أكثر من جهة البعد اللوني، كأن هناك شرخاً على صعيد الفكرة الواحدة أو عدة أفكار متجاورة ومتقاربة وثرية في الوقت نفسه.. وإذا ما دققنا النظر في منتصف اللوحة تماماً حيث وجه المرأة يتكرر بأشكال مختلفة في اللوحات، فإننا سنشاهد ذلك الخط اللوني الفاصل أو العابر بين ضفتين تقريباً، ضفة تبدو بمثابة تأسيس للأخرى وضفة تبدو مثل الخلاصات النهائية التي تتربع في ذروة العمل، وهنا نستطيع أن نكتشف ذلك التناقض والانسجام بين المستويات اللونية خصوصاً عندما نشاهد اللوحة مرة بمنظارها العام ككل، ثم ندخل إلي جوانيتها لاحقاً كي نفكك أجزاءها على صعيد الإغراق بالتفاصيل!.
موضوعة المرأة المستخدمة كثيراً في التشكيل، تحاول فيومي أن تتطبعها بطابعها الخاص والمختلف، فتعود إلى المهارة اللونية التي هي ملكة الأعمال دون منازع، فالأفكار المرسومة في لوحات الفنانة تبدو مراهنة كثيراً على الجرأة والاختلاف باللون، وهي ميزة اشتهرت بها فيومي خلال تجربتها الطويلة وهي تسميه نوعاً من التجريد التعبيري المؤسَّس على خصوصية الفنانة وخبرتها ونظرتها إلى المرأة والحياة.. فالإشكالية هنا تتعلق بقدرة المهارة المبنية بعامل الخبرة والتراكم، على تحمّل كل هذا العبء من الأفكار التي تتعلق بمعاناة المرأة الفلسطينية مثلاً.. ففيومي رغم بساطتها اللونية إلا أنها تمكنت من ترك بصمات خاصة طبعت أعمالها، وربما تكون تلك الدروب أو الجزر اللونية النافرة أو الساطعة هي أهم ما يمكن أن يقال في هذا المجال!.
تعمل فيومي مخيلتها كثيراً وهي تنتقي الألوان الصارخة المتجاورة مع الترابي والألوان الغامقة، فمرة تفضل الأحمر وأحياناً تميل إلى الأصفر أو الأبيض تبعاً للتصاعدية اللونية التي تحكم تفكير اللوحة وشكلها، لكنها في جميع حالاتها تلك تمكنت من ترك آثار من الدهشة فوق كل لوحة على حدة، حتى عندما استندت إلى غلبة اللون الواحد في العمل، اشتغلت على تدرجاته وأدخلته مع القواتم كي يبدو شهياً وجديداً هو الآخر، وهذا إن دل على شيء فهو يشير إلى المهارة اللونية التي تميز أعمال فيومي على مدار تجربتها الفنية.. فالفنانة استطاعت استحضار وجه المرأة بكل حالاته فكانت العيون المحدقة ميزة عامة في معظم اللوحات، رغم أنها تناولتهم بشكل مختلف في البعض الآخر، إلا أن الشكل ظل بمثابة التفصيل الذي عليه مرافقة اللون لأن الاجتهاد حدث على صعيد الألوان قبل كل شيء!.
أعمال أسماء فيومي اقتراحات لونية شهية مشغولة بخصوصية التجربة والخبرة الشخصية، وربما لو نظرنا إلى المعرض من زاوية المعارض السابقة وتصاعدية الأعمال المقدمة في المراحل المختلفة من عمر تجربتها الطويلة، لاكتشفنا الكثير مما يمكن الحديث عنه هنا فيما يخص اللون.. لأنه المحور الأهم في أعمالها أو هو ملك اللوحات ومحركها بكل تأكيد!.
