تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الكاريكاتير صهر الصحافة

محطة أخبار سورية

يعرف (الكاريكاتير) بأنه فن رمزي تهكمي هجائي، يركز على المبالغة في التفاصيل والملامح، ويعتمد على سرعة الملاحظة والبديهة.

لإبراز موقف، أو عنصر من العناصر الحياتية، وهو فن يتطلب موهبة خاصة في المشتغل عليه، ليس في الرسم والتمكن من ناصيته وتقاناته فحسب، وإنما على صعيد سرعة البديهة، والقدرة على التقاط المفارقات السياسية والاجتماعية، وتحويلها إلى لوحة كاريكاتيرية معبرة. ‏

اشتقت مفردة (كاريكاتير) من الكلمة اللاتينية (كاريكاه) وتعني الصورة المبالغ في معالمها, كما أن للكاريكاتير صلة حميمة بالكلمة الانكليزية karacter وتعني الشخصية، وكأن هذا الفن منوطة به مهمة كشف خبايا الشخصية. ‏

البدايات ‏

سجلت البرديات المصرية القديمة، البدايات الأولى لهذا الفن، ثم ظهرت في أوروبا وبقية بلدان العالم.. أما فن الكاريكاتير العربي الحديث، فقد ولد العام 1877 عندما قام (يعقوب بن صنوع) بإصدار جريدة ساخرة في القاهرة باسم (أبو نظارة زرقاء) وهي الأولى من نوعها في الشرق لناحية مضمونها الهزلي الكاريكاتيري، ثم جاءت مجلة (الكشكول) و (الشمعني) و (ظهرك بالك) و (حط بالخرج) و (النديم) و (المضحك المبكي) و(الدبور) و(الدومري).. وغيرها.. وفن الكاريكاتير لا يمكنه أن يفعل شيئاً من دون الصحافة، فهي الحضن الذي نشأ وترعرع وتطور فيه، ومن خلالها وبوساطتها وصل إلى الناس بقطاعهم العريض، وقام بدوره التحريضي والإصلاحي والتنويري، والنضالي، والترويحي.

 

يعتمد فن الكاريكاتير بتقديم موضوعاته وأفكاره، على الأشكال المباشرة والرموز والإشارات المكثفة، وأحياناً على الكلمات والنصوص، وأفضله ما كان مختصراً ومختزلاً ومفهوماً بلمح البصر. ‏

أحياناً يعتمد رسام الكاريكاتير على الأشكال والرسوم، لتقديم الفكرة، وأحياناً أخرى، يسعف الرسم والأشكال بنصوص أو كلمات قليلة.. في الحالين، على فن الكاريكاتير أن يقدم للمتلقي المعنى الجوهري والمركّز والمفاجئ، وأحياناً كثيرة، غير المعقول، لكن على هذا الفن أن يبقى لصيقاً بالواقع، منه يستعير أشكاله ومفرداته ورموزه وإشاراته، ثم يقوم باختزالها وتحويرها، إنما ضمن قواعد وأصول باتت معروفة. ‏

بين الكلمة والخط ‏

هناك من يرى أن أفضل أنواع رسوم الكاريكاتير، هي تلك التي تعتمد على الرسم فقط، بما قل ودل، على أن تنسجم وتتلاءم هذه اللغة، وبشكل كبير، مع أهدافه وغاياته... وهناك من يرى أن تعاون الرسم و(الكلمة) هو نوع من التعاون بين نوعين من الإشارات المتميزة، وقد كان للرسامين قديماً وحديثاً، صولات وجولات، في عملية إخضاع الخط العربي، أو الكلمة، إلى نوع من التشخيص القادر على أن يعكس معناها، كأن يكتب الخطاط أو الرسام كلمة (عصفور) على هيئة عصفور، أو يرسم بكلمة (سيف) سيفاً.. وهكذا وحتى رسامو الكاريكاتير، كثيراً ما حولوا كلمات في رسومهم، أو بعض حروفها، إلى وجوه وأشكال ضاحكة، ما جعل المقروء يلتقي بالمرئي. ‏

من أهم مقومات فن الكاريكاتير الناجح، قيامه بقلب المعنى العام للحدث وتبديله، ثم عرضه على عدة مراحل، ولتحقيق ذلك، لا بد من توفر عنصرين أساسيين في رسامو الكاريكاتير، الأول: ‏

موهبة الرسم والخبرة والدربة والإمكانية في التعامل معه والثاني: موهبة التقاط الفكرة الذكية، الجديدة، المعبرة، وعكسها عبر الرسم والعناصر الأخرى في رسمة الكاريكاتير، بجلاء ووضوح واختزال، لتصل إلى المتلقي بيسر وسهولة وقوة. ‏

أنواع الكاريكاتير ‏

من جانب آخر، يصنف الكاريكاتير ضمن أجناس وأنواع، وفقاً للمهمة أو الوظيفة المنوطة به فقد يكون الكاريكاتير ناقداً ساخراً، أو كاشفاً ومعرياً، أو حاضناً لنكتة، أو مفارقة باسمة، أو مثيراً للضحك، أو مشيراً إلى مثلبة أو عيب وقد تناط به مهمة توجيهية أو إعلامية، أو إعلانية فمنه الاجتماعي، والتربوي، والسياسي، والثقافي، والاقتصادي، وكل هذه الخصائص والسمات والمهام، تأتي ضمن إطار السخرية الحاضرة فيه جنباً إلى جنب مع بقية الانفعالات الإنسانية كالحزن والفرح والحب والكره والدهشة (كما يقول رسام الكاريكاتير اللبناني عبد الحليم حمود) ويؤكد أن السخرية وما يتبعها من ابتسام أو ضحك، يشكلان اللبنة الأولية لبناء الصرح الكاريكاتيري منذ بدأ هذا الفن مسيرته الأولى قبل آلاف السنين. ‏

لقد شكل كل ما أنتجته البشرية من سخرية ونقد ورسم محور، الجينات الوراثية التي وصلت إلى هذا الجنين الذي يدعى (الكاريكاتير) وقد شب وترعرع وانتشر وزاد تأثيره في الناس، عندما صاهر الصحافة واقترن بها!! ‏

وكغيره من أجناس الثقافة (لاسيما البصرية) استفاد فن الكاريكاتير من المعطيات الهائلة التي وفرها الحاسوب لمزاوليه الذين ربطوا نتاجهم به، أو بعض مراحل إنجاز هذا النتاج، غير أن اتكاءهم على الحاسوب، خدمهم شخصياً أكثر مما خدم فنهم فقد وفر الحاسوب لهم، سرعة الإنجاز، ودقته، وجمالية خارجية لفنهم، تشبه إلى حد بعيد، الفاكهة والخضار البلاستيكية أي: شكل جميل، وتعبير بارد، فمع الحاسوب، غابت لمسة الفنان المباشرة المفعمة بالإحساس والانفعال والحاضنة لتفاعله مع الموضوع المعالج وهو في ذروته، كما بدأت المواهب المتواضعة الإمكانات والخبرة، تختبئ خلف ما يتيحه لها الحاسوب من قدرات تقانية كبيرة، قادرة على تمريرها وتسويقها، بل أحياناً منافستها للمواهب الحقيقية والأصيلة، وهذا الأمر لا ينسحب على رسامي الكاريكاتير فحسب، بل يطول مزاولي الفنون البصرية الأخرى، لا سيما المصممين الغرافيكيين، ومهندسي الديكور، وحتى المصورون والحفارون والنحاتون.. الخ. ‏

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.