تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

رواية السيرة الذاتية.. القارئ الصامت أمام وهم الآخرين

محطة أخبار سورية

 لعل من أهم مايميز (الرواية الجديدة)، أو رواية مابعد الحداثة كما يسميها بعض النقاد، وبغض النظر عن أسباب هذا التصنيف أو ذاك، فلعل أهم مايميز هذه الكتابة الجديدة أنها سرد ذاتي لأزمة ما. بمعنى آخر إن الأزمة، نفسية كانت أو وجودية، ميزة رئيسية في النص الجديد، على الرغم من أن الزمن الآن هو مأزوم بطبيعة الحال! إلا أن بعض الروائيين الجدد قد وجد في هذه العثرة بالذات ضماناً لاستمرارية نص عابث وفرضوي يدور في فراغ هائل تغيب عنه الدلالات القديمة، ولايعترف بها أيضاً.

وفي الوقت ذاته يبدون وكأنهم يصنعون عتمة وتشتت سرد واقعي حديث عن عمد ونية مسبقة قبل البدء في الكتابة، طالما أنه لايوجد سوى الفراغ.. ‏

والحديث عن الأدب المعبأ بالأيدلوجيات، أصبح جزءاً من ماضيه بعد تلاشي الأفكار الكبيرة تدريجياً والمقولات السياسية في الرواية، لذا كان كتاب سبعينيات القرن الماضي أوفر حظاً من جهة سهولة انتقاء الموضوع والحماسة الجاهزة لدى الجمهور. ‏

 

أصالة الرواية

 لكن يمكنني القول إن أية رواية جديدة تنتمي إلى الزمن الحاضر، ولا تتأثر بأزمته، هي رواية غير أصيلة، بمعنى الانتماء، لأنها ببساطة لاتعبر عن الواقع المعيش، وقد لايكترث بأمرها القارئ الحديث.. ولكن في المقابل، أكثر أنواع الروايات التي تظهر عليها ملامح الأزموية، إن صح التعبير، وبقوة هي روايات السيرة الذاتية والتي أصبحت رائجة في الفترة الأخيرة، الكثير من هذه النصوص تبدو مشغولة بهموم الذات وكأنها لاتملك الوقت للاهتمام بشيء آخر!! ‏

 

وهذا وهم اخترعه الكاتب كذلك، فما الذي يجعل من البطل في الرواية يظهر وكأنه يعيش مكابداته القاسية وحيداً، بينما يستطيع أن يجعل منه بطلاً ليس عاجزاً على الإطلاق وقادراً على قهر جميع المصاعب؟!.. ‏

ربما الرغبة في جعله متفرجاً، أو صامتاً، وغير معني بشيء مما يحدث خارج باب بيته؟!.. كموقف ساكن لعالم يمضي رغماً عنه.. فبعض الروايات التي تكون مهمومة بالذات لاتكون الذات موضوعاً رئيسياً لها، وكأنها غير موجودة أصلاً، ثم ما الذي يؤكد للروائي أن قصة حياته يتلهف إليها القارئ ولا يسأم من متابعة تفاصيل مغامراته مع النساء في البار على سبيل المثال، أو إنجازات إحداهن في حياتها المهنية كامرأة خارقة لغباوات المجتمع الذكوري الجاحد..!! ‏

وفي كل الأحوال هي سيرة ذاتية غير مكتملة على الأغلب، تضاف إلى سير من قبلها لم تكتمل، في ظل علاقة غائمة مع العالم الخارجي يسودها عدم الثقة وعدم الاكتراث أيضاً. ‏

 

طرق الرواية ‏

التشتت، التسطيح.. النقصان.. وفقدان النهاية الحاسمة، ستبقى سمة السيرة الذاتية، طالما أنها مجال صخب نقدي وإعلامي، وهذا مايحدث بالتزامن مع مؤتمرات الرواية التي تقام بين الفينة والأخرى حتى تطرح أسئلة من نوع الرواية الجديدة إلى أين؟ وهكذا وبغض النظر عن تناقض هذه العناوين العريضة مع فحوى المؤتمرات من هذا النوع الشكلاني الذي لايبحث في عمق الطرق التي تسلكها الرواية فإنها تبدو بلا جدوى مع فقدان البوصلة الرئيسية للتعريف بها أولاً وتحافظ على أزمة عدم اكتمالها.. ‏

 

من مقلب آخر، إذا كانت النصوص الموسومة بالسيرة الذاتية والتي تندرج في قائمة الرواية، تنطلق من تجارب ووقائع حياتية عايشها الكاتب الذي لايأبه كثيراً برصد التحولات الكبرى في الجماعة البشرية، باعتبار أن الرواية فن صناعة أو رصد الأحداث في التاريخ كما كان شائعاً، مع سقوط السرديات الكلاسيكية (مابعد البنيوية)، وهو معني في المقام الأول بالحكي عن نفسه وأزمته الصعبة ضمن شكل أدبي أحياناً، فما هي مقومات العمل الروائي ضمن السرد الذاتي في السيرة الجديدة؟؟ ‏

 

الحياة الهامشية ‏

 

ربما تكون الأزمة في الواقع هي الإيقاع السريع للحياة اليومية المهمشة، وتدفق التفاصيل المتناقضة، رتابة هذه اليوميات وغرائبيتها في آن واحد، بينما أزمة روايات السيرة الذاتية خطورة وقوعها في فخ عدم الترابط بين الحكايات والملل، وهذا ماجعل مهمة الكاتب أصعب، يتوجب عليه الإمساك بالنص والتحكم بالسيطرة على مساحات صغيرة من الأوراق- نتيجة تكثيف الحكاية ودون أن تفقد الطابع الأدبي كذلك، إضافة إلى أن معالمها لم تتضح بعد بالنسبة إلى القارئ، بوصفها سيرة لذات، تأبى الاكتمال كخطيئة.. في زمن إنساني مأزوم جداً. ‏

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.