تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

سارة شمة: لاتسألني عن لوحتي بل حدثني عنها

 

محطة أخبار سورية

يعتقد الكثيرون أن (الولادة) تجربة حسية أنثوية بامتياز مادامت مقتصرة بيولوجياً على جنس الإناث في كل الكائنات الحية، إلا أن المتأمل في أي نشاط إنساني إبداعي يجده بشكل أو بآخر عملية ولادة من نوع خاص، وأكثر من ذلك لأن التأمل بالحياة بشكل عام يأخذنا دائماً وأبداً من مخاض لمخاض ومن ولادة لولادة، لأن الطبيعة انثى، الأرض أنثى، السماء أثنى، الشجرة أنثى والحياة أنثى.

 

قبل سنوات فاجأت الفنانة التشكيلية السورية سارة شمّة العالم، بل صدمته بلوحة غريبة تحمل عنوان (الرجل الحامل) واليوم تعنون معرضها الجديد في الأرت الهاوس (ولادة). ‏

 

ومن خلال 25 لوحة زيتية بقياسات مختلفة رُسمت معظمها خلال العام 2010، تعبر سارة عن مشاعر الأمومة الفياضة التي اينعت داخلها بعد معايشة تجربة الحمل والولادة. ‏

 

في معرضك الأخير (ولادة) استلهمت موضوع الولادة البيولوجية، ولكن يخيل إلي أن انجاز اللوحة أو أي عمل إبداعي آخر هو ولادة من نوع آخر، ما التقاطعات بين ولادة وولادة؟ ‏

أنجزت لوحات معرضي (ولادة) خلال فترة الحمل وكان موضوع الحمل بالنسبة لي ملهماً كثيراً، لأن التغيرات البيولوجية والنفسية التي تطرأ على الحامل، تشكل الجنين وحركته والإحساس به، وفي مرحلة لاحقة تشكل الحليب وظهوره ليغذي الطفل، كل ذلك كان من أكثر المواضيع إلهاماً وغنى بالنسبة لي وهي من أهم التجارب التي مررت بها في حياتي.

 

أعتقد أن موضوعاً خاصاً جداً بالمرأة كالحمل يحتاج لجرأة كبيرة في معالجته وهي جرأة ظاهرة بوضوح في لوحاتك، كيف تلقى جمهور المعرض هذا الموضوع وهذه الجرأة؟ ‏

بالنسبة لي أنا عشت تجربة الحمل وعندي مطلق الحرية لأعبر عن هذه التجربة، أما كيف تلقاها الناس فهناك الكثير من ردات الفعل المختلفة، منها ما اعتدت عليه ومنها ما هو جديد تماماً. هناك جزء من الناس فهم ما أردت من الموضوع وجزء آخر ربما التبست عليه بعض التفاصيل، بالنهاية أعتقد أن واحدة من أهم وظائف الفن أن يخلق حواراً ويثير أسئلة قد تكون أحياناً متناقضة، ومادام معرضي استطاع تحقيق هذا الأمر فهذا يعني أنه وصل إلى المتلقي، لأنه من غير المعقول أن يتلقى الناس لوحاتي بالانطباع نفسه وإن حدث هذا الأمر فهو مؤشر سلبي، لأنه حتى أنا التي أرسم اللوحة أنظر إليها بعد أن تتنهي فأراها بطريقة مختلفة.

 

خطوطك تحمل الكثير من الواقعية سواء برسم ملامح الأشخاص أو تفاصيل الأشياء، وهي واقعية مخالفة لاتجاه الكثير من الفنانين التشكليين اليوم نحو التجريد. كيف تقرئين هذا التباين؟

أنا أعتبر الفن بشكل عام اليوم بحالة انحطاط، يومياً نسمع ونشاهد أغاني كثيرة في المحطات الفضائية دون المستوى، وهذا ليس في البلاد العربية فحسب إنما في كل دول العالم. لأن حالة السوق تتطور وحالة التسويق عبر الفن تتطور أيضاً، والمسوق يريد فناً يحقق له الحالة التسويقية التي يريدها 100 %، ولذلك أسهل عليه صناعة هذه الحالة الفنية على أن يتعامل مع حالات لا تحقق له ما يريده تماماً، ولذلك يأتي بالموسيقي والمغنية التي يدربها على الطريقة التي يريد ويجري لها عمليات التجميل لتظهر بالشكل الذي يريد ويقول لها غني ليسوق. . الشيء نفسه يحصل في الفن التشكيلي، يظهر كل فترة نوع من أنواع الموضات الهابطة ويسوق لها وهو برأيي نوع من الاستسهال، لأن اللوحة التي يراها المتلقي ويحس أنه قادر على رسم لوحة مثلها ليس بفن، واللوحة التي لا تقدم للمتلقي جديداً ولا تثير الأسئلة لديه ليست بفن، واللوحة التي لا تُري المتلقي تقنية مختلفة ومتطورة ليست بفن. لهذه الأسباب أعتقد أن الفن التشكيلي اليوم يمر بأزمة حقيقية، لأنه بمعظمه متشابه خال من الخصوصية والكثير منه لا يستحق أن يطلق عليه فن، إضافة إلى أن العديد من الفنانين غير متمكن من أدواته وتنقصه الأحاسيس والمبادئ السامية والشخصية المستقلة.

 

(ما معنى هذه اللوحة؟) سؤال يطرح كثيراً من قبل مرتادي معارضك بدأت فيه تصريحاً خاصاً بك بموقعك على الإنترنت، وختمته بجملة (لا تسألني عن لوحتي... أخبرني أنت عنها) هل تعتقدين أن غياب نقد الفن التشكيلي يساهم في تكريس حالة عدم فهم الناس للفن التشكيلي؟ ‏

بشكل عام الثقافة إلى تراجع في العالم العربي، فاليوم عدد الذين يقرؤون روايات أدبية قليل، وأقل بكثير من يقرأ في الفن التشكيلي، والناقد المتخصص بالفن التشكيلي حاله كحال هذه الثقافة. إضافة إلى أن تاريخ الفن التشكيلي مايزال حديث العهد في بلادنا يرجع إلى ستينيات القرن الماضي، بهذا المعنى هو ثقافة جديدة ومن الطبيعي أن تكون حركة النقد المواكبة له قليلة، رغم ذلك لدينا عدد لا بأس به من الفنانين المتميزين، ولدينا أيضاً جمهور يحب زيارة المعارض التشكيلية وهو في زيادة يوماً بعد يوم ما يشكل حالة إيجابية. ‏

 

معظم اللوحات بورترية لك ولزوجك وهناك أشخاص آخرون هل هم من الحقيقة أم الخيال؟ ‏

كلامك صحيح هناك عدد من اللوحات لي ولزوجي وهناك لوحات قليلة لأشخاص متخيلين، أحياناً يأتيني الإلهام فأرسم شخصاً قد يكون فيه شيء مني أو من زوجي أو من شخص قابلته في يوم ما، أحب هذه الحالة أحب أن أرسم أشخاصاً من عقلي لأن ذلك يمنحني متعة أكبر. ‏

 

حتى الشخص المتخيل لديك يبدو جميلاً، حالماً، ذكياً، مبدعاً أو فناناً، أين الإنسان العادي؟ و هل تفضلين الاصطفاء بأبطالك إلى ما يقارب الكمال؟ ‏

أنا لا أرى أي تشابه في لوحاتي لأني أرصد عوالم جد مختلفة بين حالات الحزن، فرح، تأمل، رفض، تردد، غضب، حب، أرى التعابير التي أعتبرها حلوة راقية أو بالأصح ما نطمح أن نكون. ‏

 

في معرض سابق عرضت لوحة أثارت الكثير من الدهشة وهي لوحة (الرجل الحامل) إلامَ رميت من وراء هذه اللوحة؟ ‏

عندما تكون العلاقة قوية بين الرجل والمرأة يتحدان بالإحساس لدرجة أنه عندما تحمل المرأة وتبدأ أعراض الحمل، الرجل أيضاً يعيش نفس الحالة فيحس بالدوار والغثيان وبقية الأعراض. وعندما رسمت لوحة (الرجل الحامل) لم يدر في خيالي رسم لوحة لرجل حامل، كل ما في الأمر أني بدأت برسم رجل ثم أخذت بتكوير بطنه إلى ان وصلت في نهاية اللوحة لصورة رجل حامل، وقفت ونظرت إليها كمتلق ووجدت أني أحب كثيراً حالة المشاركة وأكثر منها حالة الاتحاد بين الرجل والمرأة، أحب الحب الذي هو اتحاد حقيقي. ‏

 

استطعت الوصول للعالمية بفترة زمنية قصيرة نوعاً ما، هل تعتبرين نفسك محظوظة؟ ‏

أعتقد أني محظوظة بعائلتي التي ساعدتني كثيراً وقدمت لي الكثير، وعندما ينشأ الإنسان ضمن عائلة متفهمة لا تقف في وجه طموحاته لا بد أن يبدع. أما الزمن فلا أعتبره قصيراً بل على العكس لأني تخرجت منذ ما يقارب ثلاثة عشر عاماً، وقررت أن أكون فنانة تشكيلية منذ عشرين عاماً وهو زمن ليس بقصير، ربما في بلادنا تعودنا على ألا يكون للفنان قيمة كبيرة قبل أن يبلغ مرحلة متقدمة من العمر. ‏

 

عادة ما يقسم إنتاج الفنان التشكيلي إلى مراحل، ما الذي يحدد المراحل عندك أو الانتقال بين مرحلة وأخرى؟ ‏

كل مرحلة تستفد نفسها بنفسها، والحياة بطبيعتها متجددة وتسير إلى الأمام والإنسان فيها لا يعيش لحظة كما الأخرى، لذلك من الطبيعي أن يكون الفن مراحل ومن الطبيعي أن تتغير هذه المراحل بتغير الزمن والتقنيات التي يعمل الفنان من خلالها. ‏

 

منذ فترة قصيرة اختارك برنامج الأغذية التابع للأمم المتحدة كشريكة له في دعم مشاريعه الإنسانية وإلقاء الضوء عليها. ما الذي ستقدمه لك هذه الشراكة وماذا ستقدمين لها؟ ‏

بالنسبة لي كان عندي حلم أن أقدم شيئاً له علاقة بالشأن العام والعمل الإنساني الطوعي، وعندما طُلب مني المشاركة بدعم برنامج الغذاء التابع للأمم المتحدة وهي المرة الأولى التي تختار فيها المنظمة فناناً تشكيلياً، رحبت جداً بالفكرة وتوقعت أني أستطيع تقديم شيء من خلال هذه المشاركة. بدأت العمل معهم من خلال زيارة للاجئين العراقيين، وخلالها تعرفت عن كثب على أوضاعهم وطريقة توزيع الأغذية عليهم، وعلى فكرة توزيع الأغذية غير مقتصر على اللاجئين بل يضم أيضاً المتضررين من حالة الجفاف في المناطق الشمالية الشرقية من سورية. وفي المرحلة الختامية سأقدم لوحة ذات قياس كبير مستوحاة من معاناة اللاجئين واستجابة برنامج الأغذية، وستباع تلك اللوحة في نهاية عام 2011 في أحد المزادات العلنية بعد أن تكون قد جالت عدة معارض محلية ودولية، وسيعود كامل ريعها لبرنامج الأغذية العالمي، وسيقوم المخرج نبيل المالح بإنتاج فيلم وثائقي قصير يرصد مراحل رسم اللوحة وعلاقتها بالمحتاجين ومشاريع البرنامج دعماً منه للحملة. كما ستباع خلال معرض (ولادة) بعض المواد التي صممتها خصيصاً والتي تحمل صور بعض اللوحات كي تُباع لمصلحة برنامج الغذاء. ‏

 

طالما تحدثت عن بيع اللوحة لمصلحة برنامج الغذاء دعيني أسألك عن الجانب المادي لبيع اللوحات، أصبحنا نسمع عن أسعار خيالية للوحات عدد من الفنانين، وآخرون مغبون حقهم، هل أصبحت قيمة اللوحة مرتبطة بقيمتها المادية؟ ‏

لا أعتقد أن هناك أي رابط بين قيمة اللوحة الفنية وقيمتها المادية، لأن التسويق شيء والفن شيء آخر، فالسوق يسوق أحياناً لفن هابط لا قيمة له وبسعر عال، وممكن أن يكون هناك فنان مهم ولا تسويق له. إذا اجتمع الفن الجيد مع التسويق المعقول وغير المبالغ فيه شيء إيجابي، لأن التسويق المبالغ فيه لا يخدم الفنان بل على العكس يحطمه. أما ارتفاع أسعار بعض الفنانين فهو مرتبط بالسوق وقانون العرض والطلب، وكثيراً ما تتلاعب صالات العرض بالأسعار فترفع وتخفض كما تريد وهو أمر موجود في كل العالم وإن كان غير صحيح، لأن الفن حرية وعندما يقيد برغبات صاحب صالة عرض لا يكون فناً.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.