تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

هاآرتس: مصر ... ماذا بعد مبارك

 

محطة أخبار سورية

"يعاني حسني مبارك مرضا عضالا. إن خللا في دورته الدموية يجعله يفقد وعيه ثواني طويلة ودقائق أحيانا... أجهزة الاستخبارات في العالم تعلم أن وضعه الطبي يتدهور وهي تتابع العلاجات الطبية التي يتلقاها. لا يحل لمواطني مصر فقط أن يعلموا بذلك". لا، ليس هذا نبأ نشر هذا الأسبوع، فقد خرج إلى هواء هذا العالم في 2007.

 

وأشرف رئيس مصر مبارك على الموت آنذاك. وكذلك في 2003 أيضا عندما انهار زمن خطبة في مجلس الشعب، وصدرت إشاعة بأن "مبارك" فارق الحياة. حبس رجال الأمن أعضاء مجلس الشعب في القاعة ولم يدعوا أحدا يخرج حتى أعاده طبيبه "إلى الحياة".

 

عندما نشر إبراهيم عيسى، محرر الصحيفة المصرية "الدستور"، في 2007 أمر مرض مبارك النادر، حكم عليه بستة أشهر سجن. مكث عيسى في السجن شهرين فقط بعد الاستئناف. وكانت تهمته نشر أنباء لا تضر بالرئيس فقط بل بأمن مصر الاقتصادي أيضاً، قرر المدعي العام أن النبأ أحدث انخفاضا في البورصة وخسارة استثمارات بلغت نحوا من 350 مليون جنيه مصري.

 

تعود الإشاعات الآن إلى الاحتفال، وتراوح التخمينات بين سرطان الكبد إلى سرطان القلب أو سرطان الرئة، وبين الكآبة السريرية، ومشكلات في الدورة الدموية والسكري. لكن كما قال أحد العناصر الذي اقتبس من كلامه هذا الاسبوع في صحيفة "واشنطن تايمز": "نحن نعلم أنه يحتضر، لكنك بالمناسبة تستطيع الاحتضار زمنا طويلا. انظروا مثلا فيدل كاسترو". وكالعادة، ينكر متحدثون رسميون ويجهد مبارك نفسه في اجراء جدول عمل نشيط، ولقاء قادة، وخطب مع انهاء دورات طيران او نشر اوامر جديدة تتعلق بالضرائب.

 

ومع ذلك كله ليس مبارك الذي احتفل في شهر آيار بيوم ميلاده الثاني والثمانين، سليما. يمكن تخمين ان يموت ذات يوم وإن تكن "الالهة لا تمرض"، كما قال عيسى. ليس مصدر الخوف اذا موت الزعيم، بل هوية الوارث، واكثر من ذلك جوهر الميراث. وبحق، فبعد مضي 29 سنة في الحكم، وهي اطول مدة ولاية في تاريخ مصر، وتأتي بعد حكم محمد علي 43 سنة في القرن التاسع عشر، يبدو ان كل تغيير سيكون ثورة بالضرورة. والثورة دائما نذير شر لمن اعتاد العمل مع زعيم واحد لا مع حكومة تأتي وتذهب كما في اكثر الدول. لكن منذ ثورة الضباط في 1952 لم تحدث ثورة في مصر. ورث أنور السادات  جمال عبدالناصر في 1970. وقتل بعد 11 سنة وأورث مباركا السلطة. لم تقع منذ ثلاثين سنة ثورات عسكرية في الشرق الاوسط ما عدا الانقلاب العسكري في العراق الذي أفضى الى نهاية صدام حسين لكنه كان "ثورة" أمريكية.

 

يتوقع ان تجري انتخابات الرئاسة بعد سنة. سئل مبارك قبل بضعة اسابيع من سيكون الرئيس القادم. وكان جوابه "الله وحده يعلم". أي انه ما زال لم يخرج من السباق، وإن لم يعلن بصراحة بأنه ينوي المنافسة. وقال في مناسبة أخرى إنه ينوي أن يخدم الدولة حتى يومه الأخير. وصد بذلك ضغوط زوجته سوزان التي تطلب منه منذ زمن اعتزال الرئاسة والراحة. يبدو انه يوجد جواب متفق عليه عن سؤال من سيكون رئيس مصر المقبل – في حالة لم ينافس مبارك في الانتخابات او لم يستطع المنافسة. يعد مبارك منذ أكثر من خمس سنين ابنه جمالا ليكون رئيسا. وقد رفعه الى منصب رئيس لجنة السياسة في الحزب الحاكم، وأخذه في جولات خارج البلاد، وعرفه على رئيس الولايات المتحدة وأشار عليه بمن يواصل في مصر ليحيط نفسه بالساسة ورجال الاعمال الذين سيقفون الى جانبه.

 

تحظى خطط جمال الاقتصادية وأساسها "خصخصة انسانية" لن تضر بعمال كثيرين جدا، تحظى بدعم حكومي، وقد بادر ايضا الى مشروع لتحديد النسل وقبل المسؤولية عن تجنيد مستثمرين أجانب.

 

امتنع جمال حتى الآن من المس بموضوعين: العلاقات بين مصر والدول العربية والصراع الاسرائيلي الفلسطيني. وتصريحاته في هذه الشؤون نادرة. وقال عن العلاقة باسرائيل لمجلة "ميدل ايست كوارترلي": "لا شك في أن السادات اتخذ القرار الصحيح عندما لم يرضخ لضغط الدول العربية الاخرى التي لم تشأ في الثمانينيات أن تتحدث حتى عن السلام... صحيح انك تستطيع ان تسمع في الشارع المصري، ومن أفواه عدد من الخبراء"  كلمات شديدة عن العلاقات بين مصر واسرائيل. لكن الحقيقة هي ان المهم لا ما تسمعه في المقاهي او ما تقرأه في الصحف. المهم هو سياسة حكومة مصر. وانا على ثقة بأننا اذا استمررنا على أن نبين للمصريين جميع المزايا التي أحرزوها للسلام، وكل ما كان يمكن ان يخسروه لو كنا ما نزال في وضع الحرب لما ندد أحد بهذه الفرصة". وفي شؤون أخرى تتعلق باسرائيل – غزة، والانسحاب الاسرائيلي، والمصالحة بين حماس وفتح، والعلاقات بسورية او بتركيا، سيصعب ان نجد تصريحا معلنا لجمال.

 

لا يوجد خصوم حقيقيون لجمال مبارك. إن تعديل الدستور الذي قام به والده في 2007 قد أقام سورا حصينا أمام كل مرشح ليس من الحزب الحاكم. يقول التعديل إن من كان عضوا فقط لسنة واحدة على الاقل في قيادة حزب موجود منذ خمس سنين على الاقل يستطيع المنافسة في الرئاسة.

 

ليس المرشح المستقل مرفوضا، لكنه يحتاج الى احراز تأييد 250 من منتخبي الجمهور، خمسة منهم اعضاء مجلس الشعب. يستطيع الاخوان المسلمون، الذين يستولون على 88 مقعدا في مجلس الشعب ان يمنحوا مرشحا من المعارضة التأييد الذي يحتاجه في مجلس الشعب لكن مرشحا كهذا سيظل محتاجا الى تأييد 162 مؤيدا من المجالس المحلية ومجلس الشورى التي لا يوجد للاخوان فيها أو لأي حزب معارض آخر قدر كاف من الاعضاء.

 

الامتحان الاول لقوة المعارضة السياسية قد يكون في انتخابات مجلس الشعب في تشرين الاول لكن يحسن ألا نقف التنفس.

 

ما يزال الاخوان المسلمون واحزاب المعارضة لم يصغوا موقفا يتعلق بعمل مشترك وبالمرشح – النجم الجديد، محمد البرادعي، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية. يتمتع في الحقيقة بصيت جيد لكن شعبيته ضئيلة.

 

في واقع الأمر، اذا لم تنجح المعارضة في جعل مجلس الشعب يغير مواد الدستور المتعلقة بانتخاب الرئيس واذا لم يوافق الرئيس على التغيير الذي سيتم اتخاذه فان الطريق القانوني لجمال مبارك الى الرئاسة ممهد.

 

لكن هذا ليس مسألة شخصية فحسب. فكل رئيس مصري، جمال مبارك او البرادعي او عمر سليمان او عمرو موسى – وكلها أسماء تتردد في سوق التكهنات – سيحتاج الى مواجهة تركة مبارك.

 

تختلف مصر في أيامنا تماما عن الدولة التي تولى مبارك حكمها في 1981. فقد تضاعف عدد سكانها؛ ونسبة من يعرفون القراءة والكتابة زادت لتبلغ نحوا من 72 في المائة من السكان؛ والانترنت والهاتف المحمول قد أنشآ مجالات خطاب جديدة تلتف على الرقابة؛ وأصبحت وسائل الاعلام اكثر انفتاحا؛ وتعد مظاهرات الشوارع بالمئات وفي كثير منها آلاف المشاركين؛ وثم حركات معارضة جديدة مثل كفاية وفروعها، الى جنب الجيل الجديد من الاخوان المسلمين، ستلزم كل رئيس جديد وبيقين الرئيس الذي سيتولى الحكم بتأييد المعارضة أن ينشىء علاقات مختلفة بين السلطة والجمهور. وستكون هذه أول مرة ايضا لا يأتي فيها رئيس مصري (اذا لم يكن سليمان) معه الى منصبه بسجل عسكري بل مدني – اقتصادي. إنهم في الغرب وفي اسرائيل أقل عناية بخطط الرئيس الجديد لعلاج جهاز التربية الفاشل، والبنى التحتية المهدومة، وملايين العاطلين من العمل أو تلوث المياه. بل يقض مضاجع الجارة في الشمال والدول الغربية اكثر من ذلك قدرة الحاكم القادم على علاج غزة، وخطر أن تفقد مصر الهيمنة لمصلحة سورية، وسؤال هل تصبح السعودية لاعبة مركزية في المنطقة.

 

يمكن أن نلخص كل هذا بسؤال قصير واحد هل تتابع مصر حسني مبارك وجودها؟ مما يثير الاهتمام أن احدا لا يسأل سؤالا كهذا من الدول الديمقراطية. في هذه الدول يتلقون تغيير الحكم والعقيدة والسياسة على أثر الانتخابات على أنه شيء مفهوم من تلقاء نفسه. يجب على الدول التي هي أقل ديمقراطية أن تبرهن دائما على أن الزعيم الذي كان هو الذي سيكون وإلا فانها ترى خطره.

هآرتس   26/7/2010

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.