تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الجريمة الإرهابية (2): أركانها وعقابها في القانون السوري!!

مصدر الصورة
SNS


 

إن محاولة الوصول إلى تعريف محدد للإرهاب تعدّ من أصعب جوانب دراسة الإرهاب. فهنالك العديد من العقبات التي تحول دون التوصل لمثل هذا التعريف, نظراً لأن هذا المصطلح ليس له محتوى قانوني محدد ومتفق عليه بسبب تطور وتغير معناه على مرّ السنين. فما كان يقصد به في أوائل القرن الماضي من أعمال تستهدف الدولة وحكامها لتغيير سياسة الحاكم أو الملك، قد تطور اليوم وأصبح يستخدم لوصف الأعمال التي يقوم بها الأفراد أو الجماعات أو الدول لتحقيق هدف سياسي، وبصفة خاصة الاعتداءات الفردية والجماعية والتخريب وأعمال العنف المختلفة لخلق جو من الرعب والفزع وعدم الأمان.  

إذاً تصنيف الجريمة الإرهابية كقاعدة عامة يرتبط بالوصف الذي يقترن بالدوافع والدواعي الشخصية التي تقترن بإرادة  الفاعل وهي لا تشذّ بدورها عن القواعد التقليدية في تقسيم الجرائم وتصنيفها وضرورة توافر الأركان المطلوبة في سائر الجرائم من ركن مادي وركن معنوي،  حيث لابد في كل جريمة من كيان مادي يعبّر عن حقيقتها المادية. وهذا الكيان لا يظهر في العالم الخارجي ولا يكون له وجود فيه إلا بقيام الشخص أو عدم قيامه بأفعال محسوسة، ونص القانون على تجريمها. وعلى هذا الأساس فإن الركن المادي لهذه الجريمة يتكون من ثلاثة عناصر هي: سلوك الجاني؛ نتيجة يحققها هذا السلوك؛ وعلاقة سببية تربط السلوك بالنتيجة.

فالركن المادي هو جزء من ماديات الجريمة, يتكون من عناصر المادية التي عيّنها المشرع في النموذج القانوني للجريمة, وهي جميع الأفعال المجرمة التي تسبق الركن المادي, أو تعاصره أو تأتي بعده كالقتل أو التخريب الواقع على المنشأت العامة، أو الإخلال بالأمن العام. فالركن المادي يبدأ في الفعل التنفيذي الأول  للتخريب أو القتل كإطلاق النار أو إشعال النار في المبنى أو خلع الأبواب أو الجدران أو تحطيمها أو نزع أقفالها أو غير ذلك من أفعال مادية مشابهة أو تسلق الجدران أو كسر النوافذ، وكلها تعد جزءاً من ماديات الجريمة. ومن الصور التي ذكرها القانون رقم/19/ لعام 2012 في المادة الأولى منه:

ـ ايجاد حالة من الذعر بين الناس أو الإخلال بالأمن العام. 

ـ الإضرار بالبنى التحتية أو الأساسية للدولة.  

وفي المادة الخامسة منه، حدد وسائل الإرهاب وهي تهريب أو صناعة أو حيازة أو سرقة أو اختلاس الأسلحة أو الذخائر بقصد استخدامها.

واشترط لقيام الجريمة استخدام هذه الأسلحة أو الذخائر أو المتفجرات أو المواد الملتهبة أو المنتجات السامة أو المحرقة أو العوامل الوبائية أو الجرثومية مهما كان نوع هذه الوسائل، أو باستخدام أي أداة تؤدي الغرض ذاته، وهو الإخلال بالأمن أو الإضرار بالبنى التحتية للدولة. ويظل القاسم المشترك للنشاط الإرهابي المادي الصادر عن الإرهابي في هذه الجريمة متمحوراً حول عنصرين رئيسيين هما:

1ـ تعلق الفعل الإرهابي بمشروع فردي أو جماعي هدفه ترويع المواطنين وإشاعة جو من عدم الأمان والاستقرار والخوف والاضطراب.

2ـ ارتباط هذه الغاية من النشاط المادي باعتماد العنف أو التهديد به. ومادام القانون قد عدد صور الاعتداءات التي تعتبر إرهابية متى اقترنت بالعنصرين المشار إليهما، فإن الركن المادي يكون قد تحقق في حقيقته المادية بظهوره بالأثر المادي الضار، كالموت في الاغتيال أو الإتلاف في تخريب البنى التحتية، بصرف النظر عن النتيجة سواء تحققت أو لم تتحقق لسبب خارج عن إرادة الفاعل شرط قيام العلاقة السببية بين الفعل المادي والنتيجة المرجوة.

أما الركن المعنوي، وهو الركن الثاني في الجريمة، ومن دونه لا تعد الجريمة قائمة حتى لو اكتملت عناصر ركنها المادي، حيث أن أساس التجريم في التشريع ليس هو الفعل المعيّن في النموذج القانوني فقط، وإنما هو في اتصال هذا الفعل بإرادة الفاعل ونية إحداثه على النحو الذي حدده القانون. وهذه الإرادة هي التي تعطي للفعل صفته وتخرجه من حوادث الطبيعة ويتكون من إرادة الفاعل النتيجة الجرمية أو ما يسمى (بالإرادة الإجرامية) التي تربط الشخص بالفعل الذي يرتكبه، وهذا ما يسمى بالقصد الإجرامي. واكتفى القانون رقم/19/ في المادة الأولى منه بالقصد العام ولم يشترط قصداً خاصاً، حيث يمكن القول إن القصد العام يكفي لتحقق قيام الجريمة، بصرف النظر عن الغاية أو الهدف أو الباعث على الجريمة. كما يشترط بعض الفقه وجود دافع سياسي؛ فالمشرّع اعتبر مجرد قيام فعل الإخلال بالأمن أو التعدي على البنى التحتية باستخدام الأدوات المشار إليها في المادة المذكورة أعلاه، هو جريمة إرهابية، فلا عبرة بالبواعث أو الغايات أو المعتقدات التي يؤمن بها الجناة، كإصلاح المجتمع  أو الدولة أو غيرها من الأهداف.

العقاب في قانون مكافحة الإرهاب:

لقد حدد القانون في المادة السابعة منه عقوبة العمل الإرهابي بالتالي:

1ـ يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة والغرامة ضعفي قيمة الضرر من ارتكب عملاً إرهابياً نجم عنه عجز إنسان، أو انهدام، جزئياً أو كلياً، أو الإضرار بالبنية التحتية أو الأساسية للدولة.

2ـ وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة خمس سنوات على الأقل إذا كانت الوسائل المستخدمة في العمل الإرهابي تحدث تفجيراً صوتياً فقط.

أما الترويج للعمل الإرهابي والدعوة له والإشادة به أو بفاعله، أو توزيع المطبوعات الخاصة بالوسائل الإرهابية، فإن المشرّع عاقب من ارتكب هذا الفعل بالمادة الثامنة منه بالأشغال الشاقة المؤقتة. وهذه العقوبة تطبّق على من أدار أو استعمل موقعاً الكترونياً لهذا الغرض.

ولقد فوّض القانون النائب العام أو من يفوّضه، صلاحية تجميد الأموال المنقولة وغير المنقولة لكل من يرتكب إحدى الجرائم المتعلقة بتمويل الأعمال الإرهابية، أو يرتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، وذلك في المادة /11/ منه، إذا كانت هنالك دلائل كافية تؤكد صلة المتهم بالفعل المنسوب إليه ارتكابه، ضماناً لحق الدولة والمواطنين. وهذا الإجراء من قبيل التدابير الاحترازية أو التحفظية التي تقوم بها النيابة العامة أو الضابطة العدلية. لكنَّ القانون سكت عن مصير هذا الإجراء في حال ثبوت البراءة، وكيفية الطعن به. فهل يتم التقدم بطلب إلغاء التجميد إلى ذات الجهة مُصدرة القرار، أم يعود الأمر إلى القضاء العادي صاحب الولاية العامة،  لاسيما وأن المشرّع أناط في المادة /13/ من ذات القانون حق المصادرة بالمحكمة الناظرة بالدعوى وهو الأصل العام والدستوري؟

القانونية : أمل عبد الهادي مسعود       

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.