تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الآثار القانونية لتغيير الجنس!!

مصدر الصورة
SNS


شهد العالم في أواخر القرن الماضي تقدماً هائلاً على مختلف الأصعدة العلمية ومنها الطب الذي أصبح مجال العمل فيه واسعاً بسبب تقدم المعرفة سواء في ميدان الجراحة أو التشخيص المخبري. لكن هذه القفزات العلمية الهائلة بدا فيها الكثير من عدم مراعاة القواعد الأخلاقية التي كانت سائدة في القرنين الماضيين، والتي أصبح بعض العلماء الملحدين في الغرب يشككون في جدواها، إلا قلة منهم مازالوا متعلقين بالقيم الأخلاقية. ذلك أن كل موضوع علمي أو تقني تظهر نتائجه بناء على اختراع أو عمل طبي أو بحث مخبري، يرده العلماء "اللائكيين" إلى العلوم وحدها باعتبارها المنظمة للحياة دون اعتبار للأخلاق. أما العلماء المسلمون فإنهم في  كل عمل طبي، مثل زراعة الأعضاء وكراء الأرحام وتغير الجنس، يقفون على رأي  الشريعة الإسلامية منه لاستنباط الحكم الشرعي الذي عادة ما يصاغ في قانون وضعي.

        وفي هذا السياق، فإن فن الجراحة واصل تقدمه إلى أن أصبح يفتح القلوب وثنايا الدماغ ويقوّم كل اعوجاج في الإنسان بواسطة الجراحة التجميلية التي مسّت أدق التفاصيل في وجه الإنسان. وهذا التطور وصل إلى عمليات تغيير الجنس. وأول خبر ظهر في العالم معلناً عن إجراء مثل هذه العمليات، صدر في جريدة ( Daily News) عام 1952 التي أعلنت عن إجراء عملية لأحد الرجال الذي تحول إلى امرأة.

        غير أن هذه العملية الجراحية تطرح  في عالم القانون الكثير من التساؤلات التي تمس حالة الإنسان الشخصية، والتي تتأسس عليها حياته القانونية كالاسم الجديد في الأحوال المدنية وزواجه إن حصل، وآثاره، وكذلك ميراثه؟

وقد اختلفت التشريعات الدولية الحديثة بشأن معالجة تقدير مشروعية عمليات تغيير الجنس، سواء من الناحية الجزائية أو المدنية، إذ تبرز مشكلة عدم وضوح قصد الشفاء من عدمه على نحو تام في هذه العملية.  فمن الناحية المدنية؛ هل يجوز إبرام عقد طبي لإجراء عملية تغيير الجنس إلى جنس آخر؟ وهل يعتبر هذا العقد صحيحاً قانوناً أم لا؟ وهل يجوز رفع دعوى أمام القضاء للمطالبة بتغيير نوع الجنس المثبت في سجلات الأحوال المدنية؟ وهل يجوز للزوج الذي يريد تغيير جنسه التزوج مرة أخرى؟ وهل يحتاج إلى موافقة زوجته الأولى على هذه العملية كونها سوف تصبح بلا زوج، فلا هي أرملة أو مطلقة ولا تستطيع الزواج بآخر؟ وما هو مصير الأولاد الذين ولدوا له من زوجته الأولى بعد تغيير جنسه؟ هذه الأسئلة وغيرها الكثير تحتاج إلى الإجابة عنها عند تغيير الجنس.

إن القانون السويدي الصادر في شباط عام 1972، أجاز عملية تغيير الجنس عند إدراك الشخص سن البلوغ وانتابه الشعور أو الرغبة نحو الجنس الآخر، وقدّم ما يفيد إخضاعه لعملية عقم أو على الأقل انعدام قدرة الإنجاب لديه وعدم سبق الزواج، وبعد قيام جهة إدارية مختصة بالفحص والتحقيق من توافر الشروط التي تتطلبها العملية يمكن إجراء العملية. وفي حال رفضت الجهة المختصة طلبه هذا، جاز له مراجعة المحكمة الإدارية، ومخالفة هذه القواعد تعرض صاحبها للملاحقة الجزائية. وكذلك القانون الألماني الصادر في عام 1969 الذي يجيز هذه العملية للضرورات العلاجية. وقد أقر القانون الإنكليزي المؤرخ في 2/2/1970 مشروعية عمليات تحويل الجنس. أما القانون الفرنسي، فإنه لا يجيز من حيث المبدأ عمليات تحويل الجنس ولا يرى أي قياس لها على عمليات الإخصاب المنصوص عليها بالفصل316 من القانون الجنائي.

أما بالنسبة للشريعة الإسلامية فإن الفقه في القديم لم يتطرق إلى هذه الحالة بالذات، لأنها لم تكن معروفة من قبل، وإن كان يمكن الاستدلال على "حرمية" هذا الفعل من بعض النصوص التي نهت عن التغيير في خلق الله لقول النبي الكريم (ص) (لا تغيروا في خلق الله).  وما صحّ من السنة النبوية قوله (لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال). فإذا كان رسول الله قد لعن ذلك الصنف من المتشبهين لمظهرهم الخارجي، فما بال الذين لا يكتفون بالتشبه بل يغيّرون جنسهم لمجرد المتعة أو لعوارض نفسية عابرة. 

وقد طُرح الموضوع على المؤتمر الأول للجمعية المصرية للقانون الجنائي عام 1987ضمن أعمال اللجنة المتخصصة بزراعة الأعضاء وتحويل الجنس. وقد قررت اللجنة توصيتها على النحو التالي: (إن عمليات تحول الجنس غير جائزة ما لم يتعين أسلوب طبي ضروري لتحقيق الملائمة بين الأعراض والتغيرات البدنية التي بدت على جسم المريض وبين الجنس الذي تُنبئ هذه الأعراض بالتغيرات من وجوب الانتماء إليه). وقد أفتى مفتي الديار المصرية محمد سيد طنطاوي بعدم جواز إجراء جراحة تغيير النوع من ذكر إلى أنثى أو العكس، لمجرد الرغبة في ذلك، وأن جراحة التحويل لا تجوز إلا للضرورة وبشرط أن يرى الأطباء الموثوق بهم وجود دواع خلقية في جسد الشخص تستدعي هذه الجراحة. وفي هذه الحالة يجوز إجراء الجراحة ويعتبر تداوياً مشروعاً من علة جسمية.  وهذا هو رأي شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد.

ونظراً لخلو التشريع السوري من نص صريح فإن البحث عن حل لهذه المسألة يستدعي منا تحديد آثار التحول والتي  تنحصر في المواضيع التالية:

 1ـ تصحيح اسم المتحول في سجلات الأحوال المدنية.  

2ـ الحقوق والواجبات المحمولة المترتبة على المتحول قبل التحول من جنس إلى آخر.

3ـ أحكام الميراث بالنسبة للمتحول.

أ‌)       - بالنسبة لتصحيح اسم المتحول، فإنه يجب رفع دعوى أمام قاضي الأحوال المدنية في منطقة قيده الأصلي ويختصم بالدعوى أمين سجل الأحوال المدنية عملاً بالمادة /46/ من المرسوم التشريعي رقم/26/ لعام 2007 الخاص بالأحوال المدنية. ويكون موضوع الدعوى تصحيح الخطأ الحاصل عند تسجيل واقعة الولادة لجنس المولود. فإذا وافقت المحكمة، يتم قيد ذلك التصحيح في سجل الأحوال المدنية ويمنح الوثائق التي تناسب الحالة وفق أحكام المادة/57/ من ذات المرسوم.

ولكن يبقى السؤال؛ إذا كان  المتحول جنسياً قد سبق له الزواج وأنجب أطفالاً فما هو الحل؟ اعتقد أنه في ظل صمت التشريع، يجب أن يرفض طلب التصحيح لعدم وجود ضرورة طبية أولاً. فهو في هذه رجل أو امرأة كاملة وليس فيها عيب يوجب التغيير، وهذا ينسجم مع مبدأ حرمة الجسد. وثانياً، لأثر هذا التغيير على حقوق الأبناء؛ فهم سوف يصبحون بلا أب أو أم، وهذا مخالف للمنطق والقانون. وحتى لا تنعدم الحقوق القانونية التي يكون الأبناء قد اكتسبوها، ففي الغالب  يحصل طلاق بين الزوج المتحول إلى أنثى وزوجته لاستحالة المعاشرة. فتنشأ للأبناء حقوق في النفقة والنسب والميراث. وهذه الحقوق متعلقة بالنظام العام تبقى قائمة، ويجب على القاضي والمشرّع المحافظة عليها. 

ب‌)  - أما بالنسبة للحقوق للمتحول وواجباته، فإن التحول لا يؤثر على الالتزامات المالية السابقة بالنسبة للغير الذي لا يجوز أن يضار من حالة لم يكن متسبباً فيها. لكن السؤال إذا كان المتحول لم يؤد بعد الخدمة الإلزامية وقام بعملية التغيير وأصبح أنثى وهو في هذه الحالة يصبح معفى من خدمة العلم، يكون بذلك قد أضحى عرضة للمسآلة الجزائية عملاً بأحكام المادة/146/ من قانون العقوبات العسكري وهي التي تعاقب على التشويه قصداً للتهرب من الواجبات القانونية العسكرية بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات.

ج ) ـ بالنسبة لأحكام الميراث، فإن الأمر لا يخلو من حالتين: أولاً، إما أن يكون المتحول غير متزوج، وإما أن يكون متزوجاً وله أبناء. فإذا كان غير متزوج وتلقى ميراثاً، تطبق قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين،  لكن السؤال إذا كان متزوجاً وله أبناء فما هو الحل؟

إن الأبناء هنا يرثون منه بناء على عقد الزواج الشرعي الذي كان يربطه بأمهم. لكن إذا توفي المتحول إلى أنثى قبل أبيه، فإن أبنائه لا يرثون كون الوصية الواجبة في القانون السوري تذهب فقط إلى أبناء الابن الذكر، والعكس صحيح؛ بمعنى إذا كانت المتحولة من أنثى إلى ذكر توفيت قبل والداها فإن أبنائها يرثون من جدهم: فالعبرة للحالة عند انتقال الإرث من المؤرث أو وقت تلقي الحق.

وفي ضوء هذه الآثار عن التحول الجنسي وما تخلفه من مشاكل قانونية، تبرز الحاجة الملحّة من المشرع للتدخل والعمل على تدارك هذه المشكلة وحسم المسائل التي تثيرها هذه العمليات، وأن لا تُترك للاجتهاد والرأي لتعلقها بحقوق الله والعباد.

القانونية: أمل عبد الهادي مسعود

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.