تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

قراءة في العفو العام الصادر بالمرسوم التشريعي 22 لعام 2014!!

 

        إن العدالة والسلام يتعانقان في العفو العام الذي صدر عن السيد رئيس الجمهورية العربية السورية بالمرسوم التشريعي رقم 22 تاريخ 9/ 6/ 2014. فهو يزرع الأمل في الطرق المختلفة التي تسلكها العدالة في سعيها لملاقاة السلام وذلك بالرغم من مشاعر العنف والمعاناة والألم واصطدام المصالح، ومن وجود العنف الملتهب على الأرض.  

تأتي هذه المبادرة الكريمة من السيد الرئيس بعد إعلان فوزه بولاية دستورية جديدة في ظل انتخابات تعددية تكريساً لنهج الانفتاح واليد الممدودة للجميع والرغبة في التسامي على الجراح. وقد يعتبر البعض أن هذا القول من قبيل المبالغة، لكن قراءة متأنية لمرسوم العفو الجديد وما شمل من جرائم تؤكد صوابية ما نقوله. فالمشرّع أكد في المادة الأولى منه الحرص الشديد على حياة الإنسان كإنسان، فاستبدل عقوبة الإعدام بالأشغال الشاقة المؤبدة، وأعفى من كان مصاباً بمرض عضال غير قابل للشفاء، وكذلك من بلغ السبعين من العمر من كامل العقوبة المؤبدة أو المؤقتة في المواد (2ـ 3) منه.

وفي مجال التسامح وقبول الآخر وإظهار قدرة الدولة على العفو واستيعاب أبنائها الذين أضلوا الطريق وهانت لديهم مقاربة الخطيئة ومعاقرة الإثم والتعدي على هيبة الدولة والنيل من الشعور القومي الموحد للنسيج السوري, فقد نص المشرّع في المادة /4/ على الإعفاء من كامل العقوبة للجرائم المنصوص عليها في المواد (285 و286) من قانون العقوبات وهي جرائم النيل من هيبة الدولة (285 ق ع). أما المادة 286 تتناول شهود العيان بالمعنى الدارج للكلمة، وناشري الشائعات والأخبار الكاذبة التي من شأنها أن توهن نفسية الأمة. 

ولا أدل على سياسة اليد الممدودة من قبل الدولة تجاه المعارضة ومنحهم فرصة العودة إلى حض الوطن وممارسة العمل السياسي تحت مظلة الوطن ومؤسساته الدستورية ما ورد في المادة /4/ من عفو يشمل من ارتكب جريمة المؤامرة بقصد العصيان المسلح والمنصوص عليهما في المادتين (293 و 295 ق ع). وهي دعوة من قبل الدولة لترك العصيان المسلح والتآمر على الدولة وأبنائها ومؤسساتها الشرعية القائمة بموجب الدستور النافذ. وفي هذا السياق، ورغبة من المشرع في وأد الفتنة والقضاء عليها، منح من ارتكبها العفو عندما نص على شمول الجرائم المنصوص عليها في المادة (303  ق ع)  عن كامل العقوبة متى اختاروا ترك الفتنة وأهلها.   وهذا النهج سار عليه المشرّع في شمول مرتكبي الجرائم المنصوص عليها في المادة (305 ق ع  ف1) إذا كانوا من السوريين، وهي جرائم التآمر بقصد ارتكاب أعمال إرهابية. 

        وفي سبيل فتح باب التوبة والإقلاع عن المضي في طريق الإرهاب والانطواء تحت رايات مشاريع تكفيرية غريبة عن المجتمع السوري، نص المشرّع  في المادة /5/ على الإعفاء عن كامل العقوبة للجريمة المنصوص عليها في المادة /2/ من قانون مكافحة الإرهاب الصادر بالقانون رقم /19/ لعام 2012 وهي جريمة المؤامرة. وكذلك من ارتكب جريمة الانضمام إلى هذه المجموعات الإرهابية، والتي يعاقب على من ينضم إليها بالأشغال الشاقة المؤقتة بالمادة /3/من القانون /19/ إذا كان مرتكب الجريمة سورياً. وفي هذا السياق شمل العفو مرتكب جريمة الترويج للأعمال الإرهابية المنصوص عليها في المادة 8 من ذات القانون.

وفي سبيل القضاء على الإرهاب ومنع العصابات الإرهابية من الاستفادة من وسائل الإرهاب، منح المشرّع في الفقرة /ج/ من المادة /5/، العفو عن ربع العقوبة لمرتكب الجريمة المنصوص عليها في المادة /5/ من القانون /19/ وهي تهريب أو تصنيع أو حيازة الوسائل الإرهابية أو من قام بسرقتها أو اختلاسها لتزويد الإرهابيين بها.   

والعفو شمل كامل عقوبة مرتكب جريمة العمل الإرهابي المنصوص عليها في المادة /7/ فقرة /2/ من قانون الإرهاب إذا كانت الوسائل المستخدمة في العمل الإرهابي لم تحدث سوى تفجير صوتي فقط. كذلك من علم بإحدى الجنايات المعاقب عليها في قانون مكافحة الإرهاب ولم يخبر السلطات عنها مادة /10/ من قانون الإرهاب.

وقد منح المشرّع في إطار صلاحيته الإقليمية والشاملة العفو عن المسلحين الوافدين إلى الأراضي السورية للقتال مع المجموعات الإرهابية متى سلموا أنفسهم  للسلطات المختصة، وخلال مهلة شهر، وهي سابقة في قوانين العفو السورية.

وفي سبيل تكريس المصالحة الوطنية وخلق فرصة جدية وحقيقية للتسامح، منح المشرّع مرتكب جريمة الخطف العفو عن كامل العقوبة متى أعاد المخطوف بشكل آمن ودون مقابل أو قام بتسليمه إلى السلطات المختصة خلال شهر من تاريخ صدور هذا المرسوم.

وقد خصّ المشرّع العسكريين الفارين من الخدمة بالعفو سواء الفرار الداخلي أو الخارجي، متى سلم نفسه إلى أقرب وحدة عسكرية. وكذلك العفو عن كامل عقوبة جريمة  الإهمال أو عدم مراعاة الأنظمة والتي تؤدي إلى فقدان السلاح المسلّم للعسكري، وعن نصف العقوبة للجريمة المنصوص عليها بالمادتين (134و135) من قانون العقوبات العسكرية، والخاصة بعدم إرجاع السلاح أو العتاد المسروق عند الفرار أو المسلم إليه، وعن ثلث العقوبة في جريمة السلب والإتلاف والتدمير  ولكن المشرع استثنى من العفو جرائم الخيانة والتجسس والتجنيد لصالح العدو  المنصوص عليها بالمواد (154 ـ 155ـ 156 ـ 157 ـ 158 ـ 159 ـ 160) من قانون العقوبات العسكري، وكذلك الجرائم المنصوص عليها في القانون /68/ لعام 1953 والخاص بمنع استيراد أو بيع أو حيازة أو نقل بضائع مصدرة أو معاد تصديرها من بلاد العدو. 

ومن الجرائم المستثناة من العفو والمنصوص عليها في قانون العقوبات العام، جريمة حمل السلاح في صفوف العدو/263/، وجريمة دس الدسائس لدى دولة أجنبية، أو الاتصال بها لحملها على العدوان على سورية، وجريمة دس الدسائس لدى العدو /264/ وجريمة شل وسائل الدفاع الوطني أو التخريب والإضرار بالمنشآت العامة /265/  وجريمة تقديم الطعام أو السكن أو اللباس للجاسوس أو جندي من جنود الأعداء /268/، وكذلك جريمة التجسس/271/ أو سرقة المعلومات لصالح دولة أجنبية /272/، وجريمة إفشاء أسرار الدولة (273 و274)، إذا كانت الجرائم السابقة قد ارتكبت لصالح العدو. وكذلك إقامة صلات غير مشروعة مع العدو أو ساهم في قرض أو اكتتاب لمنفعة دولة معادية  فلا يشملها العفو (276 ـ 275 ) أو من أخفى أو اختلس أموال دولة معادية معهود له حراستها/277/.

وقد نص المشرّع على عدم شمول مرسوم العفو جريمة المؤامرة لارتكاب عمل إرهابي إذا نجم عنه التخريب ولو جزئياً في بناية عامة أو مؤسسة صناعية أو أفضى إلى موت إنسان (305 فقرة 3)، وكذلك أن تشكيل جمعيات غير مشروعة /326/ ليست واردة في مظلة العفو ، وجريمة شهادة  الزور غير مشمولة (397 ـ 398) ولا من يحلف يمين كاذبة /405/، وجرائم الزنا /473/ والرجل الذي يرتكب الزنا في منزل الزوجية 474 ولا جرائم السفاح /476/ ولا جرائم  الاغتصاب /489/ والفحشاء والخطف /500/  أو جرائم الإغواء /510/.

ولكن بعيداً عن الإرهاب والإرهابيين فقد جاء مرسوم العفو هذه المرة شاملاً جميع الجنح والمخالفات، ولم يستثن منها إلا ما سبق ذكره شرط تسديد المحكوم عليه المبالغ والتعويضات المحكوم بها لصالح الجهة المدعية، وهو في ذلك قد أنجز  سابقة تشريعية لم تعرفها الحياة القانونية في سورية منذ عام  1970.

ومن مزايا هذا العفو النص على الإعفاء من نصف العقوبة الجنحية في جرائم لم يسبق أن شملها عفو، وهي جرائم استثمار الوظيفة /349 ـ 352 ـ 353 / ومن قلّد خاتماً خاصاً بإدارة عامة سورية أو أجنبية /428/، وإغفال أو تدوين أمور غير صحيحة /450/ وجريمة استعمال المزور /451/  والحصول على  المصدقات الكاذبة /452/.  

وعليه، فإن العفو العام يسقط الجريمة والعقوبة معاً. فإذا كانت الدعوى العامة لم ترفع بعد أو رفعت ولم يصدر بها حكم مبرم، ثم صدر قانون العفو، أصبحت غير ذات موضوع وتوقفت إجراءاتها. أما إذا صدر العفو العام بعد صدور الحكم الجزائي المبرم سواء كان المحكوم عليه قد بدأ بالتنفيذ أم لا، فيسقط الحكم وتزول جميع آثاره القانونية. ومعنى ذلك زوال كل عقوبة أصلية أو فرعية أو إضافية وعدم احتساب الحكم في التكرار والاعتياد أو وقف التنفيذ، وشطبه كلياً من السجل العدلي للمحكوم عليه. لكن هذا العفو لا يشمل التدابير الاحترازية وتدابير الإصلاح ولا الغرامات المستوفاة والأشياء المصادرة أو التي صدر قرار بمصادرتها، ولا أثر للعفو على الحقوق الشخصية، وتبقى هذه الحقوق خاضعة لأحكام القانون المدني والقوانين الخاصة بها كقوانين ضابطة البناء والتبغ والتنباك وغيرها.

القانونية أمل عبد الهادي مسعود

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.