تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

العقول المعلوماتية العربية: مجرمو حرب قريباً؟!!


لقد استوقفني بالأمس القرار الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية القاضي بمعاقبة إحدى الشركات اللبنانية العاملة في مجال المعلوماتية بذريعة أن حزب الله يتعامل معها في مجال تقنية الاتصالات والمعلوماتية. وكنت قد قرأت منذ فترة قصيرة مقالاً بعنوان؛ "تطبيق القانون الدولي الإنساني على حرب السايبر"،  لأحد الكتاب الإسرائيليين واسمه ايتان ديموند، حيث يدعو في هذه المقالة إلى تطبيق القانون الدولي الإنساني المعروف باسم قوانين المواجهة المسلحة أو قوانين الحرب على حرب السايبر، باعتبار الأخيرة جزءاً من مواجهة مسلحة أو عمليات قد تتطور لتصبح مواجهة مسلحة، قد تسبب حينما توجه إلى حواسيب معينة ضرراً كبيراً ومعاناة إنسانية من خلال المساس بأداء البنية التحتية للإمداد بالموارد والخدمات التي هي ذات أهمية حاسمة بالنسبة للسكان المدنيين مثل منشآت الكهرباء والمنشآت الذرية والسدود ونظم تنقية المياه ومعامل تكرير النفط والنظم المصرفية ومنظومات المستشفيات والسكك الحديدية والرقابة على الحركة الجوية التي تعتمد جميعها على نظم محوسبة معرضة لتسلل عمليات السايبر وتلاعبها وإن احتمالية أن يتضرر مواطنون وأهداف مدنية بسبب تلك العمليات وارد جداً بالنظر لوحدات الربط والصلة المشتركة بين البنية التحتية الحاسوبية العسكرية والبنية التحتية للحواسيب المدنية التي تجعل من الصعب جداً التفريق بينهما. فأي اعتداء على نظم حواسيب عسكرية يضر بنظم حواسيب مدنية وبإزاء هذه الأخطار المحتملة تظهر الحاجة إلى وجود قانون ينظم ويضبط حرب السايبر.

ومع إقرار الكاتب في مقدمة مقالته بأن نصوص الاتفاقيات الدولية الناظمة لأحكام المواجهة المسلحة بين الدول (قانون الحرب) لا تستطيع الإيفاء بالغرض المطلوب حسب زعمه، وهو الحفاظ على كرامة الإنسان كون الاتفاقيات الدولية تطبق فقط في حالة المواجهة المسلحة. وفي حالة عمليات السايبر ثمة صعوبة لتطبيقها بسبب عدم وجود شفافية وقلة المعلومات حول تلك العمليات بالتالي، تنشأ صعوبة تطبيق القانون الدولي الذي ينظم السلوك في القتال وكيف ينبغي تطبيق مبدأ التفريق ومبدأ التناسب وواجب استعمال وسائل الحذر في حال حرب السايبر. ومع اعتراف الكاتب بأن تلك المبادئ التي صيغت منذ مئة عام على نحو واسع ومرن فإنه يقول بإمكانية تطبيقها على كل وسائل القتال، ومنها وسائل حرب السايبر. لكنه في ذات الوقت يقر بصعوبة ملائمة أحكام قانون الحرب مع حرب السايبر التي تتميز بغلاف السرية.

فالقانون يجب أن يطبق على حقائق، وحينما لا تكون الحقائق ظاهرة بقدر كاف، لا يمكن صوغ تفسير قانوني واضح بالنسبة إليها، حيث إن المعلومات المطلوبة لإجراء تقدير موضوعي يتعلق بملائمة عمليات السايبر لأحكام القانون الدولي تشمل تفاصيل عن التقنية العتيدة، وعن هجمات السايبر التي نفذت، وعن هوية الأطراف المنفذة للهجمات، وعن السياسة والتوجيهات والقواعد التي تطبقها الدول في سياق حرب السايبر، وعن تفسيراتها وأحكام القانون الدولي الإنساني. والدول في واقع الأمر ضنينة بالمعلومات المتعلقة بالقدرات الدفاعية والهجومية في هذا المجال، كما أنها غير معنية بالكشف عن تفاصيل عمليات دبرتها على جهات أخرى حيث تبقى تلك العمليات مجهولة على نحو عام، ويصعب في أكثر الأحوال بل قد يكون مستحيلاً أن نتعرف على المسؤول عنها. ولهذا لا يمكن في أكثر الأحيان أن نحدد هل تمت العملية على يد واحد من أطراف المواجهة المسلحة، وهل تنطبق على نتائجها أحكام القانون الدولي الإنساني. لذلك يقترح الكاتب كمعيار أولي لتطبيق أحكام القانون الدولي عليها المعيار التالي؛ وهو هل تمت تلك العملية في إطار مواجهة مسلحة أو في سياقها، وبالتالي يفترض إذا حدثت أي عمليات سايبر تكون ذات صلة بأطراف المواجهة المسلحة. وهو يقترح في هذا الصدد التفريق بين المواجهات المسلحة بين الدول، والمواجهات المسلحة غير الدولية، التي يكون فيها طرفاً واحداً على الأقل جهة ليست دولة، وإن كان ثمة صعوبة في جميع الفرضيات إثبات نسبة عملية إلى جهة ما أو دولة ما.

وفي ختام مقالته، يدعو الكاتب إلى تجاهل تلك الصعوبات وتجاوز المعوقات التي تحول دون تطبيق القانون الدولي على هذه الوقائع واعتبارها جرائم بحق الإنسانية يجب أن يساق مرتكبيها إلى المحاكم الدولية باعتبارهم مجرمي حرب. وهذه المقالة تبدو للوهلة الأولى في ظاهرها نبيلة تدعو إلى حماية الإنسان وكرامته والحفاظ على المنشآت ذات الصلة برفاهيته  وعدم التمسك بالنصوص القائمة التي تعيق العدالة والقصاص والخروج عليها وتفسيرها تفسيراً يسمح بتطبيق الجزاءات الواردة في القانون الدولي على مرتكبي تلك الجرائم الخطرة،  لكنها في الحقيقة  خطيرة ومريبة وهي كمن يدس السم في العسل؛ فإسرائيل التي تعرضت منذ فترة إلى عمليات قرصنة معلوماتية طالت الكثير من المواقع المهمة في الكيان الغاصب وألحقت الأذى به،  زعمت أن من تقوم بها جماعات إرهابية تؤيد حق الشعب الفلسطيني، وجرى الحديث في حينها أن حزب الله والجيش السوري الإلكتروني يقفان وراءها. و إزاء عجز إسرائيل بكل إمكانياتها عن مواجهة تلك العمليات ومنعها، ورغبة منها في ردع  تلك العقول المبدعة، فقد عمدت إلى إدانة هذه العمليات وتشكيل رأي عام دولي ضدها واستنكارها. والمقال المذكور أعلاه هو الترجمة القانونية لأفكارها وخططها في  الحرب ضد المقاومة وأنصارها في هذا المجال. وأنا على ثقة أنه سوف يلاقي لدى الكثير من أنصار إسرائيل في العالم الترحيب والثناء عليه. ولن نستغرب غداً بانعقاد مؤتمرات دولية ومجاميع فقهية قانونية دولية وبرعاية الأمم المتحدة تطالب بذات الفكرة. وعندئذ سوف ينشأ  جدل فقهي وقانوني عالمي بين مؤيد ومعارض لتلك الفكرة، وغاية الكيان الصهيوني  من وراء هذا كله قتل إرادة الإبداع والمقاومة لدى الشباب العربي المؤمن بقضيته، وخلق رأي عام يرى في هؤلاء المبدعون إرهابيين خطرين يجب نبذهم وسوقهم إلى القضاء الدولي باعتبارهم أعداء للإنسانية جمعاء. وسوف يكون لازماً علينا حينها الدعوة إلى التفريق بين المقاوم العلمي، والإرهابي، كما هو الحال اليوم حيث يتلبس الإرهاب بلبوس المقاومة وإن اختلفت الغاية والهدف.  

لذلك أجد نفسي ومن باب الحرص على وطني وعلى مبدعيه أن نحذر المعنيين لدينا من الانسياق وراء هذه الدعوات وتوخي الحيطة منها ومواجهتها بالطرق المناسبة؛ فهي  موجهة أصلاً لنا ولعقولنا المبدعة وخير مثال على ذلك المحكمة الجنائية الدولية التي أصبحت أداة لترهيب الدول وابتزازها ومصادرة سيادتها، والسودان ويوغسلافيا ولبنان خير شاهد. فالحرب القادمة  في المنطقة ستكون حرب معلومات بالدرجة الأولى وسوف يكون على الأطراف فيها تحقيق التفوق في مجال المعلوماتية، وسيحاول العدو الصهيوني الانتصار فيها لأجل ذلك يقوم اليوم بتدمير البنى التحتية من خلال أدواته في سورية بالوكالة، وترهيب العقول أصالة بنفسه.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.