تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

رؤية في الإصلاح الإداري: من أين نبدأ؟


ترددت كثيراً في الكتابة في هذا الموضوع لكثرة تفرعاته وتشعباته ولأن الكتابة في مثل هذا الموضوع تحتاج إلى الكثير من الصفحات, والكثير من العقلنة للكلمة والرؤية؛ فالأزمة التي يعاني منها المجتمع السوري هي أزمة نمو وإرادة، وهذا النمو لا يتحقق إلا بتطوير العقلية الإدارية، وتحديث المجتمع من خلال التحول من طور التخلف إلى طور التقدم, وتغليب المنهج العلمي في الفكر والسلوك على المنهج الغيبي, والانتقال العقلاني إلى سُنّة التحضر العلمية، بمعنى؛ التحرك من تغيير بالقول إلى تغيير بالعمل والفعل. وبهذه الآليات لا بد أن ينتقل المجتمع من منزلة الإنسان الثالث إلى منزلة الانسان الأول.

فالدعوة للإصلاح دعوة لتأمين الحياة الإدارية الصالحة التي تؤمن الغذاء والمأوى والكساء. وهذه المتطلبات الثلاثة إذا توفرت للإنسان صلُح حاله وحال المجتمع الذي ينتمي إليه، لذلك تعتبر عملية الإصلاح الإداري عملية لها طابع الاستمرارية، وأركانها برأي معظم الباحثين هي التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة، وهي لأجل ذلك تحتاج لبعض المقومات، أهمها:  

1-   وجود السلطة السياسية القوية التي تؤمن بأهمية الإصلاح ووجوب تنفيذه على كل المستويات.

2-    وجود القيادة والقوى البشرية الإدارية المتعلمة المتدربة لتنفيذ الإصلاح.

3-   استجابة خطط الإصلاح لرغبات الجمهور وهذا يأتي من ارتباط الخطط الإصلاحية بالخطط القومية العليا للدولة التي تتبنى خدمة الجماهير وإصلاح جميع مرافقها.

4- تحديد زمن الخطة؛ فلا بد من تحديد زمني للخطة الإصلاحية ليتسنى للقائد أو صاحب القرار متابعة الإنجاز حسب الخطوات المقررة وفتراتها الزمنية حتى لا يؤخذ الإصلاح وكأنه اجراء عادي يمكن إنجازه متى أراده الموظف.

    5- تحديد الأدوار وتوزيعها لضمان النجاح وتوزيع العمليات على القوى العاملة في جميع المستويات الإدارية في الدولة مع تأكيد مسؤولية كل مجموعة عن أعمالها وانجازها بالشكل المطلوب ثم تأكيد مسؤولية كل سلطة أو جهة عليا عن الأدنى منها في التأكد من سير العمل.

    6- إيجاد نظام المراقبة والمتابعة لكي تطمئن الأجهزة العليا على نجاح عملية الإصلاح ولا بد من إعطاء الصلاحيات الواسعة لمن يهمه أمر الرقابة والمتابعة داخل كل جهاز مع إيجاد جهاز عام لمراقبة هذه الأجهزة الفرعية. 

ولتحقيق تلك الخطوات لابد من توافر مستلزمات أهمها:

1ـ تحديد الأهداف تحديداً لا يؤدي الى أي التباس أو ازدواجية.

2ـ مرونة الأهداف لأن أي عمل يُتوقع أن يتعرض للمشكلات أثناء التنفيذ. ولكي ينجح العمل لا بد من مرونة الأهداف فيه حتى تسير ولا تتعثر الخطوات وتكون سبباً في توقف المشروع.

3- التجهيز السليم للكوادر البشرية والإدارية ومستلزمات الإنتاج من أدوات وبنى التحتية.

4ـ تحديد التكاليف وتقدير العائد والمردودية من نجاح عملية الإصلاح وحساب الربح والخسارة حتى لا يحصل عكس المرجو منه.

5ـ كسب المؤيدين للعملية الإصلاحية واقناع الناس أنها لهم وتعمل لأجلهم فلا بد من كسب العاملين والمتعاونين ومن يعمل لأجلهم الإصلاح وهؤلاء الأقطاب الثلاثة لابد من تعاونهم وكسب تأييدهم للعملية حتى تنجح. فالعاملون هم الموظفون في جميع المستويات الإدارية في الدولة والمتعاونون هم المؤسسات والأجهزة المنفذة من خارج الجهاز الحكومي، فلا بد من اقناعهم ثم اقتناعهم بأهمية الإصلاح ومن نعمل لهم هم جميع المواطنين، وهؤلاء لابد من اقناعهم ثم اقتناعهم لحقيقة وأهمية الإصلاح الإداري وما سينتج عنه من مكاسب شخصية للفرد والعائلة والأمة.

ولكن العملية الإصلاحية لن تمر دون معوقات تقف في وجهها يجب العمل على دراستها وكشفها وتقصّييها وإبعادها عن طريق الإصلاح ليؤدي منافعه وثماره. وإذا تقاعست الإدارة عن كشف المعوقات وبقيت تتستر عليها، فسوف يزداد الخطر ويستفحل الفساد ثم ينتشر ليتحول الى سرطان إداري لا يمكن الشفاء منه. ويكون المصير المحتوم لهذه الإدارة وإدارييّها السقوط في حمأة الفساد الإداري المؤدي إلى تعطيل العملية الإدارية برمتها. وهنا لابد  من محاكمة المقصرين والمفسدين لعدم كشف المعوقات واصلاحها في الوقت المناسب. ويمكن تصنيف المعوقات الى الفئات التالية:

1ـ المعوقات الهيكلية أو التنظيمية

2ـ المعوقات الاجتماعية

3ـ المعوقات التشريعية

4 ـ المعوقات البيئية

وكل واحدة من هذه المعوقات يمكن أن تضم داخلها جملة من المعوقات، تكبر أو تصغر حسب الظروف الاجتماعية والإدارية الخاصة في العملية الإدارية, ويمكن الإشارة الى بعض المعوقات:

1ـ المركزية الشديدة التي تعني امساك الصلاحيات والسلطات في يد واحدة وعدم التفويض للمستويات الأخرى العاملة في الميدان لكي تشارك في القرارات. وهي عكس اللامركزية التي تعني التفويض بقدر كبير من الصلاحيات لإدارات أو فروع الجهاز الإداري لكي تنطلق في أعمالها دون كوابح الجهاز الرئيسي أو المركزي. وتجدر الإشارة الى أن موضوع المركزية أو اللامركزية في الغالب مرتبط بشخصية المسؤول الأول في الجهاز وشعوره الشخصي نحو من يعملون معه ومدى الثقة التي تسود بينهم. فالمركزية عائق مؤكد من عوائق الإصلاح الإداري، وأنّ نهج اللامركزية سوف يؤدي إلى نتيجة إيجابية، هي تجنب تعطيل الكفاءات في اتحاذها للقرارات. وكذلك إيجاد صف ثان من المديرين القادرين على أخذ زمام المبادرة وتحمل المسؤولية مما يخفف على صاحب القرار الكثير من الأعباء التي قد تشغله عما هو أعظم وأكبر ضمن مسؤولياته.

2 ـ الاستنبات والاسترشاد الغريب، وهو البحث عن حلول لدى الآخرين في الخارج، كالذي يزرع نبتة في غير بيئتها وجوّها، وهذه النبتة مصيرها الموت أو الحياة المشوهة. لذلك يجب على كل إدارة أن تعمل على إعداد موظفيها لتحمل كامل المسؤولية، ويتم ذلك بالتدريب والتعليم الذي يؤدي إلى خلق الابداع داخل كل المحيط الإداري، فتستغني الإدارة عن الاسترشاد بالجهات الأجنبية. 

3ـ التضخم الجهازي والوظيفي، ونعني به زيادة عدد وحجم الجهاز الإداري في الدولة لتغطية حاجة العمل مما أدى ويؤدي الى إهمال الاختيار الأمثل للخدمة العامة والتدريب والاعداد المناسب، ونتج عن ذلك ما يسمى "البطالة المقنّعة" داخل الجهاز الحكومي وبالتالي عائقاً أمام عملية الإصلاح الإداري.

4 ـ ضعف  الرقابة، واقتصار عمليات التفتيش على الرقابة اللاحقة، وهي شكلية في الأعم الأغلب.

5 ـ ضعف التنسيق بين الأجهزة المختصة بعملية الإصلاح الإداري، مما يؤدي الى تفشي الاتكالية بين الأجهزة ثم الازدواجية في العمل. وهكذا يصبح كل جهاز، دولة مستقلة  داخل الجهاز الحكومي في الدولة الأم، مما يضاعف الكلفة ويطيل المدة ويشتت الجهود فينتج خلخلة  في عملية الإصلاح الإداري تؤدي إلى تعطيله.

6 ـ غياب الناتج التعليمي، حيث تحتاج عملية الإصلاح إلى قوى بشرية محلية قادرة مؤهلة ومدربة لإنجاح عملية الإصلاح. وافتقاد هذا العنصر المهم في العملية الإصلاحية بسبب عدم ربط العملية التعليمية ومناهجها بأهداف الإصلاح الإداري، ينعكس سلباً على العملية الإنتاجية المطلوبة فلا بد من ارتباط برامج الجامعات بما يخطط له على مستوى الدولة وارتباط ايفاد العاملين بمصلحة العمل وحاجة السوق، وليس لمجرد التنزه والفائدة الشخصية.

وختاماً، لا بد من القول أن سورية مضت في عملية الإصلاح الإداري منذ عام 2000. وقد تعزز هذا التوجه في خطاب القسم للرئيس بشار الأسد الذي رسم ملامح المرحلة القادمة، حيث أفرد الحديث مطولاً لعملية الإصلاح الإداري، والتي تعتبر عملية مكافحة الفساد إحدى أهم خطواتها وليس نهاية المطاف؛ فاحترام القانون والتطبيق الجيد له هو المعيار، وخدمة المواطن هي البوصلة.

 

  

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.