تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الحماية القانونية للإعلاميين في النزاعات المسلّحة..!!

 


9/11/2014

يصادف يوم الثاني من تشرين الثاني، اليوم العالمي "لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم بحق الصحفيين"، والذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة للتضامن مع ضحايا الاعلام. فقد ذكرت تقارير إعلامية أن 76 صحفياً قضوا في مالي وسورية والصومال وباكستان منذ بداية العام الحالي. وتكشف حوادث الاعتداء على الصحفيين عن الدور الهام الذي يقوم به الإعلام في نقل فظائع الحرب وويلاتها والمخالفات التي ترتكب بحق القانون الدولي الإنساني. لذلك كان الاعتداء عليهم هو اعتداء على حق الشعوب في الحصول على المعلومات ونقل الحقيقة من أرض النزاع كما هو ووفق المعايير المهنية، وليس كما يريد أطراف النزاع الذين قد يروا أن في نقل الحقيقة كشف لأكاذيب لا يرغبون في وصولها للرأي العام، مثلما حدث مع القوات الامريكية أثناء غزو العراق في بحثها عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة، حيث كان نقل الحقيقة واطلاع الرأي العام على الجرائم التي كانت ترتكب في سجن أبو غريب وغوانتنامو أمراً غير مسموح، وسعت القوات الأمريكية لمنع ذلك من خلال استهداف الإعلاميين. وغني عن القول أيضاً أن الاعتداء على الإخبارية السورية واستهداف الطاقم العامل بها وقتلهم وخطفهم خير دليل من قبل المسلحين على قوة الاعلام في التأثير بالرأي العام ورغبة الإرهابيين في منع ذلك.

فماذا يقول القانون في شأن حماية الصحفيين الذين يقومون بتغطية النزاعات المسلحة؟

للإجابة عن هذا السؤال لا بد من العودة إلى قواعد القانون الدولي الإنساني الذي هو المصدر الوحيد لهذه الحماية القانونية ويسبغ على الصحفيين ذات الحماية المكفولة للمدنيين، ويعتبر أن الاعتداء على الإعلاميين ومهاجمة مقار الوسائل الإعلامية جريمة حرب، ويترتب مثول مرتكبيها أمام المحاكم الدولية، شريطة عدم اشتراكهم بشكل مباشر في العمليات العدائية.

ولكن قبل الوقوف على النصوص التي تبين ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن حماية الإعلاميين في زمن النزاعات مرت بمرحلتين أساسيتين، تتميز كل منهما بملامح واضحة:

المرحلة الأولى: مرحلة منح الحماية الدولية للصحفيين المعتمدين والملحقين بالقطاعات العسكرية دون أن يكونوا جزء منها. وتستند هذه المرحلة إلى القواعد المتعلقة بأعراف الحرب البرية الواردة في اتفاقيات لاهاي عام 1907 وجنيف لعام 1929 وجنيف الثالثة لسنة 1949 والتي اعتبرت أن الصحفيين ومراسلي الحرب يعدّون ضمن الفئات التي يمكن أن ترافق الجيش دون أن تكون جزءاً منه، وأن الصحفيين المراد حمايتهم هم الصحفيون المعتمدون لدى سلطات الجيش الذي يتبعونه ويحملون بطاقة أو تصريحاً يدل على ذلك.

المرحلة الثانية: مرحلة منح الحماية الدولية للصحفيين المعتمدين وغير المعتمدين في البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الخاص بحماية ضحايا النزاعات الدولية المسلحة، والذي اعتبر الصحفيين الذين يمارسون مهنة خطرة أثناء النزاعات المسلحة كالمدنيين الذين ورد ذكرهم في المادة (5) من البروتوكول ذاته.

هذه الاتفاقيات أفردت كل منها مادة تتعلق بتوفير الحماية لفئة من مرافقي القطاعات العسكرية. فقد جاء في اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية المنعقدة في لاهاي سنة 1907 في الفصل الثاني "أسرى الحرب" من القسم الأول في المادة 13، ما يلي: "يعامل الأشخاص الذين يرافقوا الجيش دون أن يكونوا في الواقع جزءاً منه كالمراسلين الصحفيين ومتعهدي التمويل الذين يقعون في قبضة العدو ويعلن حجزهم كأسرى حرب شريطة أن يكون لديهم تصريحاً من السلطة العسكرية للجيش الذي يرافقونه"، ويلاحظ على هذا النص أنه غير كاف لتوفير حماية فاعلة للصحفيين من جوانب عديدة:

1ـ عالج وضع المراسل الحربي عندما يقع في قبضة العدو فقط؛

2ـ لم يتعرض بشيء لحماية الوسائل الإعلامية.

أما اتفاقية جنيف لسنة 1929 فهي الاتفاقية الأولى التي عالجت موضوع أسرى الحرب وتضمن القسم السابع منها نصاً يتناول نوعاً من الحماية للصحفيين، حيث نصت المادة 81 على مايلي: "إن الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا تابعين لهم مباشرة كالمراسلين والمخبرين الصحفيين أو المقاولين الذين يقعون في قبضة العدو ويرى العدو من المناسب اعتقالهم، يكون من حقهم أن يعاملوا كأسرى حرب بشرط حوزتهم تصريحاً من السلطات العسكرية التي كان يرافقونها". وهذه المادة لم تبتعد في مضمونها عن نص المادة 13 السابقة إلا في اشتراط التصريح باعتباره قرينة على صفة الصحفي كمراسل حربي يرافق القطاعات العسكرية، دون أن يكون جزءاً منها ليعامل كأسير حرب، وحتى يستفيد المراسل من هذه الحماية يجب عدم ارتداء زي المقاتلين أو حمل السلاح أو المشاركة في العمليات الحربية. فإذا خالف هذا الاشتراط ووقع في الأسر، فهو يعامل معاملة الجندي الأسير وليس المدني المنصوص عليه في هذه الاتفاقية.

وبموجب اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 والتي شكلت نقلة نوعية في حينها في مجال تقنين ضمانات ضحايا النزاعات المسلحة، فقد أبقت على نفس الحماية المقررة للمراسل الحربي وذلك بموجب المادة (4أ4) باعتباره أسير حرب يستفيد من المزايا المنصوص عليها في المادة 99 من الاتفاقية المذكورة، حيث لا يجوز محاكمة أو إدانة أي أسير حرب لفعل لا يحظره صراحة قانون الدولة الحاجزة، أو القانون الدولي الذي يكون سارياً في وقت اقتراف هذا الفعل. ولا يجوز ممارسة أي ضغط معنوي أو بدني لحمله على الاعتراف بالذنب عن الفعل المنسوب إليه، أو دون إعطاءه الفرصة للدفاع عن نفسه والحصول على مساعدة محاميين أو مستشار مؤهل.

وفي إطار المراجعة الدائمة لأحكام القانون الدولي أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة 25 القرار رقم 2673 تاريخ 9 /12/ 1970 الداعي إلى ابرام اتفاقية دولية لحماية الصحفيين المكلفين بمهام مهنية خطرة في مناطق النزاع. وقد طلبت من المجلس الاقتصادي والاجتماعي وكذلك لجنة حقوق الانسان إعداد مشروع اتفاقية تكفل حماية الصحفيين في المناطق الخطرة. وقد تضمن القرار دعوة الأمين العام للتشاور مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات الدولية المعنية لاتخاذ الخطوات اللازمة لضمان التطبيق الأفضل لقواعد القانون الدولي الإنساني. وتطرق القرار إلى دور الإعلاميين في حصول الأمم والشعوب على المعلومات المتعلقة بالنزاعات المسلحة وما يرتكب فيها من جرائم. وذكّر القرار بمناشدة الأمين العام للأمم المتحدة نيابة عن الصحفيين المفقودين وتأكيده على ضرورة معاملتهم وفق قواعد الاتفاقيات المشار إليها من قبل. وإذ يؤكد القرار أن تلك التدابير لا تغطي بعض أنواع الصحفيين العاملين في مناطق النزاعات المسلحة ولا تنسجم مع متطلبات عملهم، يرى القرار ضرورة الحاجة الماسة لإيجاد أدوات دولية إنسانية لضمان حماية أفضل للصحفيين.

وقد نصت الفقرة (1) من القرار على ما يلي:

1ـ التعبير عن الاهتمام البالغ للأخطار الجسيمة التي يتعرض لها المراسلون الصحفيون المكلفون بمهام خطرة في مناطق النزاع المسلح.

2ـ التعبير عن الأسف للضحايا من المراسلين الصحفيين الذين دفعوا حياتهم في مناطق النزاع بسبب ضمائرهم الحية لأداء مهمتهم ونقل الحقيقة.

وفي عام 1972 أعِدّت مسودة اتفاقية مبدئية قدّمت إلى الجمعية العامة وإلى الدول الأعضاء ولاقت ترحيباً واسعاً. وعند انعقاد المؤتمر الدبلوماسي عام 1974 لتطوير القانون الدولي أعيد طرح مشروع الاتفاقية التي لم ترَ النور بعد، منذ 41 سنة!!

        وإزاء قصور النصوص الدولية السابقة عن توفير الحماية الكاملة للصحفيين يتوجب على المؤسسات الإعلامية والجهات الحكومية والصحفيين أنفسهم السعي بشكل مستمر لتقييم حجم المخاطر التي تواجههم في مناطق النزاعات المسلحة وتقليل تلك المخاطر قدر الإمكان من خلال التشاور وتبادل المعلومات المفيدة فيما بينهم، والمخاطر التي يواجهها الصحفيون ومساعديهم والطواقم المحلية وطواقم الإسناد. وهذه تتطلب تحضيرات مناسبة ومعلومات كافية في مناطق الخطر وبوليصة تأمين ومعدات تساعد على توفير الأمن والحماية. ويعدّ أي استهداف متعمد لصحفي يتسبب في وفاته أو إلحاق إصابة جسدية خطيرة به خرقاً صريحاً للبروتوكول الإضافي لمعاهدة جنيف، ويعامل على أنه جريمة حرب شريطة عدم قيام الإعلامي بأي فعل يمكن أن يشكل تهديداً ينقض صفة المدني المنصوص عليها في الفقرة 79 من البروتوكول الإضافي رقم 1 من معاهدة جنيف.

وفي ضوء ذلك كلّه نجد أن سلوك الدولة السورية ممثلة بوزارة الاعلام بمناشدة الإعلاميين ضرورة أخذ الإذن قبل دخول الأراضي السورية كان متوافقاً مع نصوص القانون الدولي الإنساني النافذة. وبما أن قانون الإعلام الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 108 لعام 2011 أناط بالمجلس الوطني للإعلام منح وثائق إثبات الهوية للإعلاميين، فإنه يتوجب على الإعلاميين الحصول على موافقة هذا المجلس باعتباره الجهة المختصة من جهة، وبما يؤمن حمايتهم من الأخطار والمساءلة من جهة أخرى، وهذا ما جاء في المادة 22 من قانون الاعلام. ولعل بعض الأخطار وعمليات القتل التي تعرض لها بعض الصحفيين في سورية ـ ومنهم الأمريكي جيمس فولي ـ كانت بسبب خرقهم للقانون السوري والدخول إلى البلاد بطرق غير مشروعة والتعاون مع المسلحين والإرهابيين.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.