تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مصر هبة النيل ..من يعمل على النيل من مصر بنيلها

تقف مصر زاهية بحضارتها العريقة، فترتفع الأهرامات وأبو الهول شواهد على عظمة تاريخ هذا البلد. ومن يزر مصر يتلمس أصالتها وخصوصيتها، ويشعر فور مغادرتها بحنين العودة إليها.

ومنذ فجر التاريخ وتشكل الجغرافيا، ارتبط اسم مصر بنهر النيل العظيم، حيث يخترق هذا الشريان الكبير قلب مصر من الجنوب إلى الشمال مانحاً أرضها الخير والحياة ملهماً الشعراء أعذب الكلمات والملحنين أروع النغمات. وقد نُسجِت حوله أساطير كثيرة وقدِّمت له القرابين والحوريات والجميلات، ولعل في ذلك دلالة.

لأعوام وقرون، بدا سريان النيل وتدفقه متناغما مع تدفق وعظمة دور مصر العربي والإفريقي والدولي، ولذلك يبدو السعي الجاد لإنقاص حصة مصر من مياه هذا النهر الدولي متناغماً مع التكالب على دور مصر لتحجيمه وإضعافه وتمزيقه.

حقاً، يبدو ان السعي لإضعاف دور مصر باستخدام حصتها التاريخية من مياه النيل ورقة ضغط قوية على القاهرة. ولم تعد محاولة المسؤولين المصريين إخفاء قلقهم حيال مياه النيل خافية. حتى لتحسّ أن تأكيدهم على نفي وجود مشكلة بشأن تقاسم مياه النيل هو تأكيد لوجود المشكلة.

وذكرت وسائل الإعلام أن أربع دول تمثل دول المنبع لنهر النيل، وقعت الجمعة الماضية 14/5/2010 في أوغندا، اتفاقية منفردة من دون مصر والسودان، دولتي المصب، متجاهلة تحفظات القاهرة والخرطوم حول نقاط الخلاف الثلاث.

وقالت وزيرة الدولة للمياه في أوغندا جنيفر نامويانغو، ان وزراء من أثيوبيا وأوغندا وكينيا والكونغو وتنزانيا ورواندا وبورندي، اتفقوا على عقد لقاء في أوغندا الجمعة. وستجتمع هذه الدول، باستثناء مصر والسودان، في مدينة عنتيبي الأوغندية لتوقيع اتفاقية إطار عمل تم التوصل إليها العام الماضي.

وأوضحت نامويانغو: «سيمهد توقيع الاتفاقية الطريق أمام بدء أعمال المفوضية الدائمة لدول حوض النيل والتي سيكون مقرها في عنتيبي. وقد تساعدنا هذه المفوضية بالفعل في حل بعض القضايا العالقة بيننا وبين مصر والسودان».

وقالت الوزيرة الأوغندية: «نتفهم مخاوف مصر بشأن أمن المياه لكننا نعارض إصرارها على الاحتفاظ بحق الاعتراض وفقا لما نصت عليه الاتفاقيات الاستعمارية».

وأبدت القاهرة والخرطوم تحفظات حول نقاط خلاف ثلاث تتعلق بالأمن المائي، والموافقة المسبقة من دول المصب قبل إقامة أي مشروعات على نهر النيل، والحقوق التاريخية لمياه النيل لمصر والسودان.

ودخل الاتحاد الأوروبي على خط الخلاف. واعتبر ممثله في القاهرة مارك فرانكو، ان توقيع الاتفاق من دون مصر والسودان «فكرة غير صائبة». وأضاف «إننا قلقون من إمكانية ان تنقسم (مجموعة دول حوض النيل) الى مجموعتين»، معتبرا انه ينبغي العمل على عدم إضافة مصدر جديد للتوتر في المنطقة. ودعا الى «إعادة دراسة الملف والبحث عما يمكن عمله للتوصل الى حل وسط»، والى «تقليل التباعد» في المواقف حتى «لا تتعقد المشكلات السياسية القائمة».

وقبل أيام زار وزير الخارجية المصري احمد أبو الغيط ومدير المخابرات العامة اللواء عمر سليمان الرئيس السوداني عمر البشير، في الخرطوم. وهناك دافع أبو الغيط عن وحدة السودان، قائلاً ان مصر ستقوم بكل ما في وسعها لإنقاذ وحدة السودان، وذلك قبل عدة أشهر فقط من الاستفتاء على مصير الجنوب السوداني، وهو الأمر رأى كثيرون انه يمكن ان يعيد طرح موضوع تقاسم مياه النيل المتنازع عليه.

ونقلت وكالات الأنباء أن أبو الغيط سيزور لاحقاً جنوب السودان حيث سيلتقي سيلفا كير رئيس جنوب السودان الذي يتمتع بشبه حكم ذاتي والذي سيجري الاستفتاء على الاستقلال في كانون الثاني.

> يرى البعض أن إقرار استقلال الجنوب في الاستفتاء، يمكن ان ينعكس على تقاسم مياه النيل!؟<

وينص الاتفاق الموقع في 1959 بين القاهرة والخرطوم على منح مصر 55,5 مليار متر مكعب من المياه سنوياً في مقابل 18,5 مليار متر مكعب للسودان، أي ما يقارب 87 في المئة من مياه النهر. ولكن إثيوبيا وتنزانيا وأوغندا وكينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ترفض الاتفاقات السابقة الموقعة وتطالب بتقاسم أكثر إنصافا للمياه. ولذلك يخشى البعض انضمام "جنوب سودان مستقل" الى مجموعة الدول السابقة التي تعارض التقاسم الحالي.

وقد مصر رفضت في نيسان أي خطة جديدة لتقاسم مياه النيل، مؤكدة ان لها "حقوقاً تاريخية" في النهر، وهي تعتبر السودان حليفاً في هذا المجال.

وفي سياق التصعيد واختلاق الذرائع، قام وزير الخارجية الإسرائيلي المتطرف أفيغدور ليبرمان بجولة أفريقية في الثاني من أيلول الماضي استمرت عشرة أيام شملت كلاً من إثيوبيا وأنغولا ونيجيريا وأوغندا وكينيا، وعلّق الرئيس معمر القذافي آنذاك أن الكثير من أحداث العنف في أفريقيا سببها التدخل الأجنبي، وأن إسرائيل خاصة هي المسؤولة عن تأجيج الصراعات هناك. وللتذكير فقد هدد ليبرمان نفسه بتدمير السد العالي المصري المقام على نهر النيل.

ويعزو الكثيرون سبب مشكلة مصر مع دول حوض النيل إلى تراجع دور وهيبة مصر في القارة الإفريقية وإلى الخلل الذي أصاب الهوية المصرية حيث أصيبت القاهرة بوهن كبير بعد اتفاقية كامب ديفيد، وانكفأت بعزل نفسها عن محيطها العربي والإفريقي. ويرجع آخرون أزمة مصر مع دول حوض النيل إلى نظرة دول الحوض إلى الاتفاقيات المبرمة بشأن المياه على أنها ليست عادلة.

ولكن خبراء مصريين في الشأن الإفريقي، يرون أن سبب تأزم الموقف المصري مع دول حوض النيل، بشأن حصة مصر من المياه، هو تراجعُ دورِ القاهرة في دول الحوض منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، وكذلك إلى تدخلات خارجية، في إشارة إلى إسرائيل والولايات المتحدة من خلال البنك الدولي.

وأكد الأكاديمي السوداني الدكتور سيف الدين محمد سعيد تورط إسرائيل في أزمة حصص المياه بين دول حوض النيل‏، وكشف عن أن نحو 400 خبير مياه إسرائيلي زاروا إثيوبيا في الفترة القليلة الماضية.

وقال الدكتور سعيد خبير المياه والدراسات الاستراتيجي بأكاديمية الأمن السودانية، في تصريحات نشرتها صحيفة "الانتباهة" السودانية، إلى أن انفصال جنوب السودان سيعقد موقف دولة شمال السودان بالكامل نسبة إلى أن دولة الجنوب الجديدة تملك جزءا كبيرا من المياه.

واتهم الدكتور سعيد البنك الدولي بممارسة دور سلبي فيما يتعلق بقضية حوض النيل عبر تمويله للسدود التي خططت لها إسرائيل في دول المنبع.

وأشار خبير المياه السوداني محمد بحر الدين إلى أن تعديل اتفاقيات مياه النيل سيقود إلى تعديل في جغرافية دول الحوض، موضحا أن تلك الاتفاقيات تبين حدود كثير من الدول من خلال الأنهار.

ما العمل؟ ربما تحتاج مصر (والسودان) إلى المسارعة إلى تحسين علاقاتها الإفريقية والدخول في شراكة حقيقية مع دول الحوض، لإزالة حالة الاحتقان. وربما يستدعي الخروج من المأزق مع دول حوض النيل قيام مصر بالتحرك في اتجاه تأسيس نظام إقليمي لدول الحوض بما يضمن توازناً في العلاقات وتوزيع الحصص وتشكيل قوة إقليمية بديلا لحالة الصراع الدائر على مياه النيل.

وإذ نركز الحديث عن مصر، فذلك، لأننا نرى أن مصر اليوم، قد تكون بحاجة إلى الانفتاح بشكل أكبر على محيطها العربي والإفريقي لتستمد عزيمة تمكّنها من فك عزلتها والانطلاق نحو علاقات أكثر دفئاً وحيوية وإيجابية تحول دون تقزيم دور مصر (وتقسيم السودان) واختزالها داخل حدودها فقط.

لا يجوز بأي حال ان يستخدم نهر النيل للنيل من دور مصر وللتضييق على الشعب المصري (والسوداني) بلقمة عيشه. ولم يعد هذا الكلام مبكراً وفيه مبالغة، والحذر واجب واستباق تفاقم الأزمات خير من التأخر في التحضير لها ومواجهتها، وعندما تضع إسرائيل وأعوانها أيديهم في مكان ما فهذا يعني أن الأمور لن تبق بخير.

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.