تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ثمار الربيع: حزمة من الأوهام تغدقها النهضة على التونسيين

 

 

  تونس – محطة أخبار سورية/خاص

 

يتساءل الكثير من التونسيين اليوم عن الفائدة التي تحققت لهم من قيام الثورة، وعن أسباب تبخر تلك الوعود التي ملأت بها الأحزاب بطونهم خلال الحملة الدعائية التي سبقت انتخابات المجلس التأسيسي، خاصة وان أوضاعهم الاجتماعية لم تشهد أي تحسن بل ازدادت سوءا، ولا تزال البطالة، التي كانت سببا في انطلاق شرارة الثورة، تشكل معضلة هيكلية، إذ بلغت نسبتها حاليا 19 في المئة، لكنها ستبلغ 20 في المئة مع تخرج المزيد من الطلبة من الجامعات، وتبلغ نسبة الفقر حوالي 25 بالمئة أي ما يمثل ربع التونسيين.

وقالت هيدة حمدي من محافظة الكاف (شمال غرب تونس) انها تخرجت منذ أكثر من ست سنوات لكنها لم تحصل على شغل رغم مشاركتها في عدة مناظرات، وتساءلت عن مدى جدوى تلك المقاييس المعتمدة في الاختبارات قائلة "ما نحصل عليه سوى الوعود أما التنفييذ فيجيب (يأتي) بيه (به) ربي كلها مسكنات لا تسمن ولا تغني من جوع". وتمنت هيدة ان تكون الحكومة الجديدة صادقة في وعودها والا تتبخر مثل وعود الاحزاب اثناء الحملات الانتخابية.

وشهدت محافظة بنزرت (شمال تونس) السبت عملية احراق أخرى للذات، حيث أقدم رجل على اضرام النار في جسده.

وقالت إذاعة "موزاييك إف إم" التونسية الخاصة، إن الرجل نقل إلى المستشفى فى حالة خطيرة نتيجة إصابته بحروق من الدرجة الثالثة.

وأوضحت أن الرجل (50 عاما) متزوج، ويعيش أوضاعاً اجتماعية صعبة، وأنه طلب مقابلة محافظ بنزرت، الخميس ليعرض عليه وضعيته الاجتماعية، إلا أنه لم يتمكن من ذلك، فأقدم على حرق نفسه أمام مقر المحافظة.

ويذكر أيضا أن تونسياً عاطلاً عن العمل أضرم، الخميس، النار فى نفسه أمام مقر محافظة قفصة (جنوب غرب البلاد) للسبب نفسه.

ويرقد هذا الرجل، وهو متزوج وأب لثلاثة أبناء، بمستشفى للحروق البالغة جنوب العاصمة تونس.

وأبلغ أطباء بالمستشفى وسائل إعلام بأن الرجل (48 عاما) مصاب بحروق من الدرجة الثالثة، وأن حالته "خطيرة".

ويأتي ذلك بعد عام على الثورة التونسية التي بدات في 17 كانون الاول/ديسمبر 2010 باحراق البائع التونسي الشاب محمد البوعزيزي نفسه في مدينة سيدي بوزيد التي تعاني هي الاخرى من التهميش.

 

وقال النقابي المحلي لمحافظة قفصة عمر عمروسية ان "الوضع مثير للقلق الشديد وقد يتطور"، مشيرا الى مواجهات بين مجموعات من سكان المدينة وقوات الامن.

وبين المتحدث باسم الحكومة وزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية سمير ديلو ان "الاعتصامات تعرقل النشاط الاقتصادي في البلاد"، موضحاً ان حوالي "513 اعتصاماً" اقيمت في انحاء البلاد منذ بداية العام.

واضاف انه "في 2011 خسرت تونس 2.5 مليار دولار، اي ما يعادل 100 الف وظيفة"، من دون اي توضيحات اخرى.

وبلغ العجز التجاري 4.8% في 2011 وارتفع التضخم الى 4.4% وهو اعلى معدل له منذ خمسة اعوام، بحسب ديلو.

وقال الوزير ان "الحكومة في مأزق، فاما ان تطبق القانون وتضع حداً للاعتصامات، او تحترم الحق المشروع للناس بالتظاهر"، داعياً التونسيين الى عدم تنظيم اعتصامات "بشكل عشوائي".

واورد خصوصاً حالة شركة الفوسفات في قفصة، خامس منتج للفوسفات في العالم، التي اضطربت انشطتها بصورة كبيرة منذ الثورة.

وقال ايضاً انه "في 2010 حققت شركة الفوسفات ربحاً بقيمة 825 مليون دينار، وفي 2011 بلغ 200 مليون. وقد تخسر هذه الشركة ابرز زبائنها وبينهم تركيا التي تأتي 90% من وارداتها من تونس".

 

ويقول جلول عزونة، أمين عام "الحزب الشعبي للحرية والتقدم" إن القضايا الاجتماعية في تونس اليوم تعد من القضايا الجوهرية التي تمس أعماق المجتمع بكل فئاته وكل الجهات، مضيفا أن مؤشرات الفقر والبطالة تشهد أعلى مستوياتها وهي تحتاج إلى تكاتف جميع الجهود لإيجاد حلول دائمة بعيدا عن المزايدات والانتهازية السياسية.

ويضيف "ما شهدناه لدى بعض الأوساط السياسية من مزايدات ومنافسة غير شريفة قد ظهر للعيان بطلانها وخصوصا بعد الحملة الانتخابية، ذلك أن جملة القضايا والمشاكل الاجتماعية التي يعاني منها التونسي اليوم جعلته على قدر من الفطنة والذكاء ليتمكن من التفريق بين ما هو "انتهازية سياسية" وبين ما يمكن اعتباره مقترحات عملية لبرنامج سياسي قابل للتطبيق"، ويختم قوله قائلا "أما الزبد فيذهب جفاء و ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".

ومما عمق توجس الفاعلين السياسيين ونشطاء المجتمع المدني برنامج حكومة حمادي الجبالي، اذ اعتبره الكثيرون أنه برنامج نظري لم يتضمن إجراءات عملية لحل المشاغل التي باتت ترهق التونسيين وإنما اكتفى بالوعود وحسن النوايا ما جعل ثقة التونسيين بالحكومة تبدو هشة .

ولاحظ الأمين العام المساعد باتحاد العمال رضا بوزريبة أن حكومة حمادي الجبالي "خسرت ثقة التونسيين بها قبل أن تباشر مهامها" مضيفا "كان من المفروض اليوم أن تعود ثقة الشعب بعد تشكيل هذه الحكومة لكن العكس هو الذي حدث وجعلت المواطن وهو يعاين التكالب والصراعات على الحقائب الوزارية يشكّ في أن هناك من يقدّم مصلحة الدولة العليا على مصالحه الذاتية والفردية لأن المناخ العام كله يحتاج إلى نوع من الثقة المتبادلة".

وأعرب صلاح الدين الجورشي عن أمله في "أن تتجاوز حكومة الجبالي انتماءاتها لحركة النهضة لتكون حكومة ممثلة لجميع التونسيين" ملاحظا أن "أن الحكومة مطالبة بترجمة بعدها الوطني من خلال في البرنامج السياسي الذي ستتضح معالمه خلال المرحلة القادمة".

وعلق ممثل كتلة المعارضة داخل التأسيسي عصام الشابي عن برنامج الحكومة بأنه "خطاب لحركة النهضة تضمن حسن نوايا ويفتقد لمقومات البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي".

وكان الجبالي أعلن، في برنامج قدمه لنيل ثقة المجلس التأسيسي، عن عزم حكومته إحداث ما يزيد عن 20 ألف موطن شغل في القطاع العام "مساهمة من الدولة في مجهود التشغيل" فضلا عن استثمار فرص الشغل في الدول المجاورة والصديقة وخاصة ليبيا والخليج وأوروبا.

كما أعلن الجبالي تمكين 50 ألف عائلة من المنحة الشهرية المخصصة للعائلات الفقيرة (70 دينار شهريا أي حوالي 50 دولارا) ليصل عددها الجملي إلى 235 ألف عائلة.

وكانت حركة النهضة وعدت في برنامجها الاقتصادي بتحقيق نسبة نمو سنوي بـ 7 بالمئة كما وعدت بإحداث 120 ألف موطن شغل سنويا وخفض نسبة البطالة إلى 8.5 بالمئة سنة 2016.

ويعتبر الخبير في القانون يحياوي عبد الصمد، أن الانتهازية لدى أغلب الأطراف السياسية تعد "خطابا شعبويا" تسعى من خلاله إلى توسيع قاعدتها الحزبية عبر معالجتها لجملة من الإشكاليات الاجتماعية كالبطالة والشغل والصحة وغيرها من القضايا الهامة الأخرى.

وأكد أن جميع الأحزاب السياسية تستعمل هذه الخطابات الشعبوية التي تفتقر وفق قوله إلى "برنامج اقتصادي واضح المعالم، يقدم حلولا فعلية على مستوى قريب المدى، وهو ما لم يقع التطرق إليه بصفة فعلية من قبل العديد من الأطراف السياسية لتحديد استراتيجية اقتصادية واضحة ".

وظلت المسألة الاجتماعية حسب اعتقاده من المسائل الواهية في "الخطابات الشعبوية" التي بقيت محل مساومة وابتزاز، حيث لم يقم أي طرف سياسي بتقديم حلول فعلية لهذه القضايا الاجتماعية التي تؤرق أغلب التونسيين وذلك أثناء طرحهم لتشخيص الحالة الاجتماعية للبلاد.

لكن سعاد عبد الرحيم، عضو المجلس الوطني التأسيسي عن حركة النهضة رفضت أن توصف الأعمال الصادرة عن الأحزاب السياسية وتفاعلها مع القضايا الاجتماعية بالانتهازية أو ما أسمته بظاهرة "الركوب على الأحداث" لأن الأحزاب في نظرها لم تقد الثورة وإنما "تقود عملا سياسيا يعتمد على أسلوب ممنهج للأحداث وفق الخارطة السياسية المتواجدة اليوم ".

وأكدت عبد الرحيم أن "الأحزاب السياسية قامت في ظل الظرفية الحالية بمعالجة القضايا الاجتماعية حسب ما توفر لها من آليات وطرق عمل وصفتها "بالمشروعة ".

واعتبرت أن تبني رجل السياسية لبعض القضايا الاجتماعية إنما هو حق مشروع يندرج في إطار عمله الذي يحتم عليه دائما "الأخذ بزمام الأمور وإيجاد الحلول اللازمة لجميع القضايا الراهنة بالسبل الناجعة".

وحذرت أستاذة القانون الدستوري في الجامعة التونسية رشيدة النيفر في تصريح صحفي الحكومة من الفشل في حل المشاكل التي لم تعد تقبل التأجيل داعية إياها إلى "الانفتاح على باقي القوى حتى تهدأ الأوضاع الاجتماعية ونتمكّن من تطويق المشاكل المستجدة".

كما دعت النيفر حكومة الجبالي إلى توضيح موقفها من جملة المبادئ التي قامت من أجلها الثورة ملاحظة أن "هذه المبادئ يجب أن يتجمّع حولها، لا قوى الائتلاف التي هي في السلطة فحسب، ولكن كذلك بقية الحركات السياسية سواء كانت داخل المجلس التأسيسي أو خارجه".

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.