تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

صحفيون يؤجّرون أقلامهم مقابل "حفنة من الدولارات"..

مصدر الصورة
بلدنا السورية

قانون إعلام متطور واتحاد صحفيين من زمن سابق.. والاثنان لايلحظان المشكلة
صحفيون شباب يؤجرون أقلامهم لـ"صحفيي المكاتب"مقابل حفنة من الدولارات!!

يعرّف قانون الإعلام السوري الإعلامي بأنه "كل من تكون مهنته تأليف أو إعداد أو تحرير أو تحليل محتوى إعلامي أو جمع المعلومات اللازمة لذلك، بغية نشر هذا المحتوى في وسيلة إعلامية". لكن هذا التعريف لم يلحظ تجار الكلمة والقلم الذين يحولون الكلمات إلى بضع ليرات. فعندما تحتاج الأفواه إلى طعام يسد رمقها، لن يكون ضياع الاسم والهوية أمراً ذا أهمية. قطاع الإعلام هو قطاع مثله مثل باقي القطاعات التي تضررت نتيجة الأحداث الجارية في البلاد، فلا يخفى على أحد حجم الضرر المعنوي والاقتصادي الكبير الذي لحق بهذا القطاع، حيث أقفل عدد كبير من المؤسسات الإعلامية كصحف ومجلات شهرية ودوريات أبوابها، فيما توقف عدد كبير من المحطات الإذاعية الخاصة عن بث برامجها المعتادة والاكتفاء ببث الأغاني على مدار الساعة لإفلاسها وعدم تمكنها من دفع استحقاقات العاملين لديها، ما دفع بعدد من الصحفيين إلى القبول بالعمل تحت ضغط الظروف والقبول بأمور كانوا بعيدين حتى عن التفكير فيها.

الكلمات مقابل الليرات
 
"أتجرع المرار كل يوم" ، كان هذا جوابه عندما سألته عن حاله، أحمد الذي يعمل كصحفي مستقل وهو من الأشخاص الذين خسروا كل ما يملكونه في الحرب الدائرة، كما يفضل أن يسميها؛ حيث دمر منزله في مدينة حمص وتشرد مع عائلته، تنقل بين عدد من المدن السورية، لينتهي به المطاف ويستقر في مدينة طرطوس. أحمد من خريجي كلية الإعلام في دمشق، وعمل في عدد من الوسائل الإعلامية المكتوبة والمرئية. يقول أحمد: لم أفكر في الانتساب إلى اتحاد الصحفيين، لأني أعلم أن المزايا التي تعطى للعضو المنتسب لا تحمل أي قيمة فعلية على الأرض. وعملي كان يعطيني دخلاً جيداً جداً، لكن بعد أن فقدت عملي صرت أبحث عن أي عمل، خاصة أن الرواتب التي كان يعطيني إياها "رؤساء التحرير" لم تكن تتجاوز مبلغ الخمسة عشر ألف ليرة سورية؛ لذلك اتجهت إلى إعطاء دروس للغة العربية في المنازل. الأمر الذي أمن لي دخلا لا بأس فيه. لكن الأمر الذي غيّرني لم يكن حاجتي الماسة إلى المال وعدم وجود دخل مناسب يوازي عملي، بل هو طلب أحد أصدقائي الذي عمل معي في إحدى الوسائل الإعلامية، وكان مستواه أقل من مستواي في إعداد التقرير والكتابة، لكن علاقاته أوصلته إلى أماكن لا يستحقها، بأن أكتب له مواد وتحقيقات عن الوضع داخل سورية، لينشرها في إحدى الصحف الأوروبية، ولكن باسمه هو. وعندما طلبت منه أن ينشر المواد باسمي، قال لي وماذا استفيد البداية كانت صعبة، لكن تشكلت لدي قناعة بأن هؤلاء الناس هم من ينجحون في الحياة، وفعلاً قبلت العرض الذي قدمه لي، وذلك بعد مرض والدي الذي يتطلب علاجاً طويلاً ومكلفاً. ويضيف أحمد، منذ سبعة أشهر تقريباً وأنا أعطي قطعاً من روحي لتنشر تحت اسم شخص آخر والبديل ليرات تتحول إلى خبز وطعام وأدوية آخر كل شهر. ويضيف أحمد، حاولت أكثر من مرة إرسال مقالاتي إلى الجريدة نفسها التي ينشر فيها صديقي المواد باسمه، لكني لم أتلق أي رد من إدارة الجريدة، ولم تُنشرأي مادة باسمي . لذلك يئست من إرسال المواد لهم، واكتفيت بإرسالها إلى صديقي؛ على الأقل يصلني حقي المادي. ويتابع أحمد، عدد قليل من أصدقائي يعلم بموضوع كتابتي، لكن لا أحد منهم يعرف اسم الشخص الذي يضع اسمه في نهاية المقال، وذلك ليس خوفاً من ذاك الشخص، بل حرصاً مني على اسمي. ويقول أنا فضلت البقاء في سورية والكتابة لاسم غير اسمي على أن أسافر إلى تركيا كي أدرب عدداً من الناشطين على العمل الصحفي، فيما سافر عدد من أصدقائي وعملوا في تركيا دون أن أذكر أسماءهم، كما أنني لم أتمكن من استغلال فرصة العمل التي وفرها لي صديق في صحيفة لبنانية، لكن شرط استقراري هناك؛ إذ لم يكن متاحاً لي ترك عائلتي ووالدي هنا في سورية وسط الجنون الذي نعيشه وأيضا الراتب الذي كان معروضا عليّ لم يكن يكفي لإعالتهم جميعاً فالمعيشة مرتفعة في لبنان والرواتب صارت قليلة نظراً لازدياد عدد الصحفيين السوريين المهاجرين إلى لبنان وغيره من الدول العربية. ( يتقاضى أحمد شهرياً مبلغاً قدره 400دولار ).

لم تتفاجأ ريم كثيراً، عندما حدثتها عن أحمد، وأضافت أن مثل هذه الأمور تحدث ..فهي لم تكتب مادة صحفية منذ سنوات، وعن سبب تغيبها وعدم كتابتها كل هذه الفترة، تقول ليس لدي وقت، لتعود وتعترف بأنها تكتب لأحد الأصدقاء المقيمين في إحدى دول الخليج العربي. ريم أقعدتها الأحداث في المنزل، بعد أن نزحت كما معظم السوريين أكثر من مرة ولديها طفلان، وهما بحاجة الى مصروف كبير.
تقول ريم، في البداية لم أكن أبحث عن المردود المادي؛ فوضعي المادي كان جيداً و مدخول زوجي جيد أيضاً؛ كونه كان يعمل في مجال بيع الألبسة الجاهزة، ولكن تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية واحتراق مخزن الألبسة الذي كان يمتلكه في جوبر، دفعني إلى الاتصال بصديق كان طلب مني مرة كتابة مقالات وتحقيقات اجتماعية لينشرها تحت اسمه في إحدى الصحف الخليجية. وبالفعل منذ سنة تقريباً وأنا أكتب له مواد وينشرها هو باسمه، ويقوم بتحويل "استكتاباتي" عبر البريد. تقول ريم، حاولت العودة أكثر من مرة للكتابة إلى الجريدة التي كنت أعمل فيها، لكن ترحالي المستمر وعدم الاستقرار لم يساعداني على الالتزام، حيث كنت أكتب مادة إعلامية وأغيب عشرة أيام، وأحيانا أكثر لأعود وأرسل مادة جديدة، لذلك اعتذرت إدارة الجريدة مني والى اليوم لم أتمكن من قبض مبلغ 20000ليرة سورية كمستحقات لي لدى جريدتي، لكن العمل مع صديقي حقق استقراراً مادياً، حيث يدفع هو لي كي أستمر في الكتابة، حتى ولو تغيرت ظروفي وتأخرت في إرسال المواد إليه. فالحدث السوري يحتل الصدارة في وسائل الإعلام العربية والكتابة عن قضايا اجتماعية كمشكلات النازحين وأوضاعهم، تعدّ مادة دسمة. وتضيف ريم، كنت أحتقر مثل هذه الأفعال، لكن الحاجة المالية هي ما دفع بي للقيام بمثل هذه الخطوة . (تتقاضى ريم مبلغاً يتراوح بين 400الى 450 دولاراً )

قانون إعلام متقدم وخطوات تنفيذية متراجعة
 
الإعلامي والرئيس السابق للمجلس الوطني للإعلام  طالب قاضي أمين، أكد أننا لم نكن نشهد من قبل شكاوى من قبيل استغلال أسماء صحفيين أو إعلاميين، لتبقى هذه الحالات قليلة وفردية في الإعلام السوري، ولكنها قد تقع؛ فالإعلام مثل أي مهنة تم استغلال أوضاع العاملين فيه بسبب الأحداث الحالية. وأضاف أمين، هناك عدد من الكتاب المعروفين على المستوى العربي والعالمي، ولهم زاوية يومية في صحف كبيرة، لديهم مكاتب صحفية ويعمل فيها عدد من الصحفيين الذين يساعدون الكاتب "الكبير" على تجميع المواضيع وكتابة مواده. وأضاف أمين، أن قانون الإعلام الحالي هو من أفضل القوانين على مستوى العالم، لكن قانون اتحاد الصحفيين في سورية هو ما يحتاج إلى تعديل كي يواكب التطور الذي طرأ على قانون الإعلام الجديد ويجاري عمل المؤسسات الإعلامية، وتحديداً الإعلام الخاص، حيث إن القانون الحالي للاتحاد يلحظ حقوق الصحفيين والإعلاميين العاملين في القطاع العام والمؤسسات الحكومية. بينما دخل في السنوات الأخيرة عدد كبير من الإعلاميين العاملين في القطاع الخاص نتيجة تطور الحالة الإعلامية في سورية، ولكن إلى اليوم لم نجد قوانين فعالة على الأرض تضمن حقوقهم، وأضاف أمين أن حقوق حماية الملكية الفكرية محفوظة في القانون السوري؛ فالسرقة الأدبية موجودة – من أسف- ولكن التقنيات الحديثة تسهل كشف مثل هذه الحالات، حيث يظن بعض الصحفيين أن سرقة مثل هذه المواد سهلة؛ فهي لا تحتاج إلى أكثر من عملية قص ولصق ولكن بإجراء بحث بسيط سوف يكتشف الكاتب أي مقالة مشابهة لمقالته. وهنا يمكن للصحفي التقدم بشكوى أمام الجهات المختصة.
ويضيف أمين، أن سورية فقدت في الصراع الدائر عدداً من الصحفيين والإعلاميين، ولم تنل أسرهم أكثر من شهادات التقدير والتكريم الرمزي لهم، دون أن يكون هناك أي دعم حقيقي، سواء كان بتخصيص رواتب لأسرهم أم تقديم أية ضمانات صحية أو غيرها من الخدمات التي تقدمها عادة أية نقابة أو اتحاد لأسر الأفراد المنتسبين إليها أو ممن يدورون في فلكها.

أخيراً
 
الحالات التي تم ذكرها هي في النهاية لصحفيين ارتضوا تأجير أقلامهم لآخرين مقابل مبلغ مادي متفق عليه، وإن كان تحت ضغط الظروف، وبالتالي هم يتحملون جزءاً من المسؤولية ويسهمون في تمادي تجار الكلمة، ومع ذلك لابد للقانون من أن يلحظ مثل هذه الحالات، رغم أن كشفها صعب، لأن الصحفي ينشر المادة باسم آخر ولا يستطيع إثبات أنه الكاتب ..على عكس المادة التي تتم سرقتها دون علمه والتي تكون مذيلة باسمه.
 
                                                                          نسرين علاء الدين

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.