تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

عزة حصرية ...انطفأت شعلة رائدة في تاريخنا الصحفي

عانى عزة حصرية وغيره من رواد الصحافة السورية من آلام مراسيم وبلاغات المجلس الوطني لقيادة الثورة عام 1963م،

حين أصدر هذا المجلس بلاغاً يحمل رقم 4 وينص على ما يلي: اعتباراً من 8/3/1963 وحتى إشعار آخر يوقف إصدار الصحف في جميع أنحاء البلاد ما عدا الصحف التالية: «الوحدة العربية- بردى- البعث، على أن تصدر بقية الصحف بإذن مسبق من المرجع المختص في وزارة الإعلام، وتتوقف المطابع عن طبع أي نشرة إلا بإذن من المرجع نفسه».
بعد ذلك بأيام قليلة صدر المرسوم التشريعي (رقم 4 تاريخ 13/3/1963) ألغى بموجبة امتياز الصحف والمطبوعات في سورية، وختم وأغلق أماكن طبعها ومنع سماع أي دعوى بالتعويض عن هذا الإلغاء، واستناداً لهذا المرسوم صودرت المطابع وآلات الطباعة والمكاتب، وتم بيعها وتوزيعها بين الوزارات والإدارات والمصالح العامة بقرار من مجلس الوزراء آنذاك، كما نص المرسوم على مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة لأصحاب الصحف الواردة أسماؤهم في المرسوم أو لأزواجهم وأولادهم ما لم تكن ملكيتهم لها قبل الثامن والعشرين من أيلول عام 1961.
وانتهى بهذا المرسوم العصر الذهبي للصحافة السورية التي أنجبت رواداً وشيوخاً طالت قامتهم السماء وأسسوا صحفاً رائدةً في سورية وعدد من الدول العربية مثل مصر ولبنان وبلدان المهجر!؟
نشاطاته
كان «حصرية» طاقة في النشاط والإبداع، متعدد الاهتمامات والهوايات، شارك في العديد من الوفود الصحفية التي زارت الدول العربية والتقى عدداً من الرؤساء العرب ضمن هذه الوفود ومنهم الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم الذي استقبله مع عدد من الصحفيين السوريين «أحمد عسة، عدنان الملوحي، غسان بابيل، عبد الرحمن أبو قوس، نصوح الدوجي، عبد القادر القواس، أحمد علوش».
عمل «حصرية» مع لجنة للتنقيب وترميم عدد من المواقع الأثرية في دمشق، وعمل على الكشف عن مدافن عدد من الشخصيات التاريخية التي ارتبط ذكرها بمدينة دمشق كالصحابي بلال الحبشي والخليفتين الأمويين معاوية بن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان والعالم العربي الفارابي وغيرهم. كما شارك في تأليف عدة لجان اهتمت بالحفاظ على الطابع التاريخي لمدينة دمشق، منها: لجنة تسمية شوارع وساحات مدينة دمشق - لجنة المقامات والأضرحة - لجنة تجميل مدينة دمشق - لجنة صندوق مقابر المسلمين - جمعية أصدقاء دمشق. كما ساهم في إعمار عدد من مساجد دمشق وتجديدها، وكان أميناً لسر عدد من لجان بناء بعض المساجد في دمشق وريفها، منها: مسجد الشيخ أرسلان الدمشقي - مسجد بلال الحبشي - مسجد ضرار بن الأزور - مسجد حرملة بن الوليد - مسجد شرحبيل بن حسنة - مسجد الكزبري.
جريدة العلم
شق عزة حصرية طريقه في مهنة المتاعب الصحافة، التي كُتِبَ عليه أن يختارها حتى حقق النجاح بدأبه وجهده وكفاحه: (كنت أعمل في الصحافة ليل نهار، وبعد صدور جريدتي «العَلَم» في عام 1944، كنت أعمل في التحرير والإدارة والتنفيذ إذا لزم الأمر وكنت أبدأ يوم عملي الصحفي في الخامسة صباحاً لينتهي في العاشرة ليلاً... إن كل ما وصلت إليه اليوم كان نتيجة لجهدي وتعبي الذي استمر أربعين سنة من الكفاح منذ عام 1925... ). صدرت «العلم» بعد قرابة العشرين عاماً من عمل «حصرية» وساعده في الحصول على امتياز هذه الصحيفة الزعيم الوطني سعد الله الجابري جزاء وفاقاً على ما قدمه حصرية للوطن من خدمات صحفية وغير صحفية إبان عهد النضال والثورة على الأجنبي...
صحيفة «العلم» هي صحيفة سياسية يومية مصورة لصاحبيها عزة حصرية وصالح المسالخي، ومديرها محمود الغراب، صدرت في أربع صفحات كبيرة، كانت تطبع بلونين معاً الأسود والأحمر، حررها وأشرف عليها في البدء عزة حصرية ومن ثم حرر فيها «فؤاد الشايب» وعدنان الملوحي محرراً ثم سكرتيراً للتحرير لعدة سنوات  إلى حين إصداره جريدته الطليعة عام 1953 وحرر فيها أيضاً جبران كورية عام 1951 م وجبران كورية هو مدير المكتب الصحفي في رئاسة الجمهورية زمن الرئيس حافظ الأسد وبداية رئاسة الرئيس بشار الأسد.
استمرت «العلم» في الصدور وهي من الصحف التي لم تتوقف أثناء انقلاب حسني الزعيم عام 1949، واستمرت حتى عام 1953 عندما اندمجت مع جريدة القبس لصاحبها نجيب الريس استناداً لمرسوم الرئيس أديب الشيشكلي القاضي بدمج كل صحيفتين في صحيفة واحدة، وأصدرت باسم «الزمان» في 22 آب من عام 1952. وبعد سقوط حكم الشيشكلي سقط معه مرسوم دمج الصحف فعادت «القبس» و«العلم» للصدور كل منها على حدة، وفي عام 1954م دمجت الصحيفتان معاً برغبتهما والإتفاق بينهما وصدرت الصحيفة الجديدة «القبس العلم» لكن سرعان ما عادت لتصدر كل صحيفة مستقلة وحدها. و«العلم» من الصحف التي لم تتوقف بالمرسوم رقم (195) القاضي بإغلاق الصحف والمجلات في الإقليم الشمالي «سورية» الذي أصدره الرئيس جمال عبد الناصر عند قيام الوحدة بين سورية ومصر.
 
نهاية رجل الصحافة
 
هل نستطيع القول إن المراسيم والبلاغات التي صدرت في الستينيات من القرن الماضي بحق صحافتنا قد قضت على قامات شامخة في بلادنا كقامة عزة حصرية؟ هل نستطيع القول إنه في يوم ما من الأيام نصبنا مشانق الصحف والمجلات في ساحات بلادنا، وأصدرنا العزل المدني والسياسي على عدد من الصحفيين والكتاب ومعظمهم في دائرة رواد الصحافة السورية، ونحن الآن نترحّم عليهم ونتغنى بهم ونرسمهم شيوخاً لصحافتنا وأعمدة لعرش الصحافة السورية، في تلك الأيام اتهمناهم وقلنا: (أساؤوا  إلى إيمان الشعب العربي في سورية بالقومية العربية أو ثبّتوا الأفكار الشعوبية. ولاسيما الذين عملوا على زعزعة ثقة الشعب بقوميته بدافع التكسب والحصول على المنافع غير المشروعة والأموال من الهيئات الرجعية أو من الجهات الأجنبية..) واليوم ماذا نقول عنهم!؟.
العزل المدني الذين طال «حصرية» وزملاءه من الصحفيين كان يعني، أن يحرموا من حقهم بأن يكونوا ناخبين أو منتخبين في المجالس النيابية وبالنوادي وسائر الهيئات الإجتماعية.. الخ، كذلك يحرمون من حقهم أن يتوظفوا بالدولة، أو أن يكونوا مديري جرائد ورؤساء تحرير، أو أن يكونوا معلمين أو مديرين في المدارس الثانوية الرسمية والخاصة، أو أن يحوزوا أي تعهد أو امتياز بالدولة، وكان نصيب عزة حصرية من هذا العزل أن يطبق علية لمدة خمس سنوات، مع إغلاق جريدة «العلم» ومصادرة مكاتبها ومطابعها!؟
هذه الظروف جعلت من «حصرية» رجلاً متقاعداً أو اضطرته  إلى التقاعد.
لم يرض «حصرية» أن يغادر سورية برغم الإغراءات الكثيرة التي أتيحت له بل بقي فيها وعكف على القراءة والكتابة حتى عام 1970 دون أن يتطرق  إلى كتابة أية مقالة في الصحافة! وأصدر خلال تقاعده عدداً من المؤلفات الهامة وهي:
1- الشيخ أرسلان الدمشقي والعارف بالله الشيخ أحمد الحارون - دمشق - مطبعة العلم 1965.
2- شرح رسالة الشيخ أرسلان في علوم التوحيد والتصوف- دمشق - مطبعة العلم 1969.
3- خمرة الحان وزينة الألحان للشيخ عبد الغني النابلسي شرح - مطبعة العلم 1969.
4- فتح الرحمن بشرح رسالة الولي أرسلان للشيخ زكريا محمد الأنصاري مطبعة العلم 1969.
5- نهاية البيان في شرح رسالة أرسلان للشيخ علي بن صدقة الشافعي مطبعة العلم 1969.
6- شرح الرسلانية للشيخ علي بن علون الحموي (تأليف وتحقيق) مطبعة العلم 1969.
إضافة إلى: «تاريخ الحركة العمالية»، و«أضواء على الأحداث».
توفي عزة حصرية في دمشق المدينة التي عشقها ولم يبارحها في الرابع من تشرين الثاني عام 1975 م ودفن بجوار مقام الشيخ «أرسلان الدمشقي» بالقرب من منطقة باب توما بقرب مقام الشيخ الذي أحبه وعشقه وحقق عنه عدة كتب. أطلقت الجهات الرسمية اسم «عزة حصرية» على مدرسة إعدادية في دمشق بحي الميدان تكريماً له.
برحيل عزة حصرية ابن حي العمارة انطفأت شعلة رائدة في تاريخنا الصحفي وكم نحن بحاجة  إلى أمثاله في هذا الزمن القاتم.
رحل عزة حصرية ولسان حاله يقول: «أيها الحبر لا تجف بين أيدينا، الوطن بحاجة إليك... ونحن قادمون...».
 
                                                                                                                          شمس الدين العجلاني


إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.