تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الراديو وسيلة إعلامية «نابضة».. لم تُسكِتها العولمة

             قبل 4 سنوات، اقترحت الحكومة الإسبانية على منظمة اليونيسكو يوماً عالمياً للراديو نظراً إلى أهمية هذه الوسيلة الإعلامية التي تشهد تراجعاً كبيراً لعدد مستخدميها في ظل العولمة والمدّ التكنولوجي. فوافقت المنظمة وقرّرت أن يكون 13 شباط من كل سنة «يوم الراديو»، وهو اليوم الذي أسست فيه إذاعة خاصة للأمم المتحدة عام 1946.

وهذه السنة، كما في سابقاتها، تجتمع هيئات متخصصة بالتواصل والإعلام للبحث في موضوع الإذاعات والتراجع المستمر لشعبيتها. وتتيح الإذاعات المشاركة في اليوم العالمي للراديو للمستمعين المساهمة في إحيائه عبر موجات أثيرها برسائل قصيرة حول أهمية الراديو. والعام الماضي، أنشئ موقع http://www.wrd13.com/ الذي يمكّن الأشخاص الذين يريدون المشاركة من تسجيل أسمائهم ورسائلهم لتبثها الإذاعات المعنية.

وترمي هذه المبادرة إلى تحسين التعاون الدولي بين المذيعين عبر العالم، وتشجيع أصحاب القرار على توفير سبل لنقل المعلومات عبر «الوسيلة العمياء» كما يسميها العلماء، لأنها الوحيدة بين وسائل الإعلام غير مرئية، وقد اخترعها الإيطالي غولييلمو ماركوني عام 1901 مستخدماً الموجات الكهرومغناطيسية في إنتاج الإشارات الصوتية لمسافات بعيدة. وظل يطور اختراعه ويحسّنه، حتى تمكن أخيراً من إرسال الموجات عبر المحيط الأطلسي، كما طوّر الموجات القصيرة واكتشف طريقة استخدام محطة ترحيل أرضية لزيادة مدى إرسال الراديو. وقد أنشأ المخترع الإيطالي «شركة ماركوني» لصناعة أجهزة الراديو. وعام 1909، حصل على جائزة نوبل في الفيزياء عن اختراعه الذي أصبح الأساس الذي ارتكزت عليه صناعة الراديو والتلفزيون فيما بعد.

أول بث إذاعي كان في عشرينات القرن الماضي، ومن يومها لم تخلُ موجات الأثير من النشاط الإذاعي. وما يميّز الراديو عن بقية الوسائل هو أنه يصل بحرية وبكلفة زهيدة إلى كل شخص في العالم، كما أنه لا يحتاج إلى جهد لاستخدامه، كما هي الحال بالنسبة إلى قراءة الصحف أو الجلوس والتسمّر في مكان واحد لمشاهدة التلفزيون. ويمكن أن يكون صغير الحجم وسهل الحمل يمكن نقله من مكان إلى آخر. فيمكن الشخص أخذه معه خلال ممارسته الرياضة أو خلال نزهة مع الأصدقاء أو خلال تناوله وجبة طعام.

كان الراديو في الماضي وسيلة تستغلها السلطات في بعض الدول للترويج لها وبث الدعايات السياسية. وكان للعاملين في الإذاعات نهج في الإلقاء متّسم بالخطابة. فإذا نقلوا أخبار حرب، يشعر المستمع بأنه في الجبهة أو في صفوفها الأمامية. وإذا نقلوا الأخبار السياسية، يشعر بالحاجة إلى الانتماء للجهة السياسية التي تنطق الإذاعة باسمها. وكان للصوت دور كبير جداً، فهو الوسيلة الوحيدة التي كانت توصل الأخبار المختلفة. وكان هناك سمات مشتركة على المذيع التحلي بها، منها الوضوح في الأداء والثقة واستخدام أسلوب الأحاديث اليومية المعتادة. أما اليوم، فلم يعد هؤلاء المذيعون في عصر اتّسعت فيه رقعة الديموقراطية وتعددت فيه وسائل الإعلام بين مسموعة ومرئية وتفاعلية، مقدّمي أخبار بل أصبحوا ذوي مهمة اتصالية محدّدة ومحدودة.

وعلى الرغم من هذه الحسنات وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره، يكافح الراديو للاستمرار في ظل استحواذ وسائل إعلامية جديدة، منها التلفزيون والانترنت، على الجزء الأكبر من الجمهور. فعندما اخترع المهندس الاسكتلندي جان لودجي بيرد التلفزيون عام 1925، جذب أنظار العالم، فكان هذا الاختراع بمثابة قفزة نوعية في مجال الهندسة الإلكترونية. وأثبت من خلاله أنه من الممكن ليس فقط الاطلاع باستخدام حاسة السمع، بل باستخدام حاستي السمع والبصر ليكون المشهد مكتملاً. وبعد التلفزيون الذي سرق جزءاً كبيراً من جمهور الراديو، أتت شبكة الانترنت واستحوذت على نسبة كبيرة من المستمعين والمشاهدين. فهي تتيح لروّادها مشاهدة التلفزيون والاستماع إلى الإذاعات عبر شاشات الكومبيوتر، في أي وقت وفي شكل مجاني.

في اليوم العالمي للراديو، ما زال بعض الناس مرتبطين بهذه الوسيلة الإعلامية القديمة ويحبّون الاستماع إلى برامجها. فلو كان فريدي ميركوري مغني فرقة «كوين» البريطانية على قيد الحياة، كان ليعيد إحياء أغنية «راديو غاغا» الشهيرة التي تروي حكاية قديمة – جديدة عن انحسار نسبة المستمعين إلى هذه الوسيلة العمياء، والحب الذي ما زال يكنّه لها جزء لا بأس به من الناس الذين يريدون إبقاء الراديو حياً يتكلّم بلسان حال الشعوب.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.