تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

من الحمرا إلى سوق الحميدية ..التوسع له اتجاهان

مصدر الصورة
SNS-خاص

لا يمكن وأنت تقرأ المقال المنشور في جريدة النهار بتاريخ 6 كانون الثاني تحت عنوان "الحمرا ما عادت لبنانية ...التوسع السوري غير هويتها " لحسين حزوري ,  إلا أن يخالجك الشعور ولو للحظة أن "لبنان" فعلا  "كبير" وأن اللبنانيين أصلا هم من العرق الآري مثلا ..والسوريون من أي عرق آخر منحط  ,إذا كان يجوز أصلا تصنيف البشر إلى أعراق صافية نبيلة وأخرى أقل نبلا وأصالة .

لذلك يبقى التذكير بشيء من التاريخ والجغرافيا ضروريا لاسيما لمن لا يقرأ أو لمن يعاني من ضعف في الذاكرة ,

إبان الحرب العالمية الأولى وتحديدا في عام 1916 اتفقت فرنسا وبريطانيا على  اقتسام تركة الامبراطورية العثمانية التي اصطلح على تسميتها آنذاك " الرجل المريض " ووقعت الحكومتان اتفاقية سميت  " اتفاقية سايكس – بيكو " نسبة إلى الموقعين عليها وبموجب هذه الاتفاقية جرى تحديد أربع مناطق :

-          المنطقة الحمراء : تمتد من بغداد إلى البصرة وتوضع تحت النفوذ البريطاني

-           المنطقة الزرقاء : تمتد على طول الساحل السوري من الأناضول شمالا حتى رأس الناقورة جنوبا ,وتوضع تحت النفوذ الفرنسي

-           المنطقة السمراء : تشمل فلسطين وتقع تحت وصاية دولية - ثم ما لبث بلفور أن أطلق وعده الشهير في عام 1917 مانحا فلسطين للصهاينة.

-           المنطقة الداخلية : وتشمل سورية الداخلية والموصل من جهة ,أفضلية الاستثمار فيها لفرنسا ,وشرقي الأردن وما تبقى من العراق مع أفضلية الاستثمار فيها لانكلترا .

بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية ولتتمكن فرنسا من إعلان  لبنان "كبيرا"  كان لابد من ضم أربعة أقضية وفكها عن دمشق لتزيد مساحته من 3500كم2 إلى 10,452كم2 وهذه الأقضية هي ( بعلبك – معلقة زحلة – راشيا – حاصبيا ) بقرار صادر عن الجنرال غورو بتاريخ 31- آب-1920 حمل الرقم 318 وبناء على مرسوم رئيس الجمهورية التركية المؤرخ في 8 تشرين الأول 1919 .

في سوريا ,  لم تعترف الحركة الوطنية  السورية وفروعها في لبنان من الزعماء السياسيين المسلمين بالكيان الجديد ومنهم مثلا الزعيم عبد الحميد كرامي . وفي مطلع الثلاثينات من القرن الماضي وبعد مفاوضات اشترطت فيها فرنسا أن تسلم الحركة الوطنية السورية بالكيان اللبناني الوليد مقابل توقيع معاهدة تعترف فيها فرنسا باستقلال سوريا ولبنان ,وعلى مضض قبل ممثلو الحركة هذا الشرط ووقعت الاتفاقية .الأمر الذي أحدث شرخا في صفوف ممثلي الحركة الوطنية من المسلمين في لبنان لم ينته  حتى عام 1943 , عندما تحولت صيغة رياض الصلح –بشارة الخوري (وهي التوفيق بين مطلب الاستقلال وفي نفس الوقت المحافظة على الولاء القومي العروبي), إلى ماسمي بالميثاق الوطني اللبناني الذي يقوم على معادلة أنه من أجل بلوغ الاستقلال على المسيحيين أن يتخلوا عن مطلب حماية فرنسا لهم , وأن يتنازل المسلمون عن طلب الانضمام إلى الداخل السوري.

"لبنان الكبير"  بحدوده الحالية أصغر من محافظة حمص وأصغر من محافظة دير الزور هاتين المحافظتين السوريتين المتموضعتين على حدود البادية , وهما بالإضافة إلى باقي المناطق السورية ولاسيما حوران رفدوا لبنان بالعديد من العائلات المعروفة اليوم , ومنهم آل تويني "البيض" أصحاب جريدة النهار "الغراء",  الذين تعود أصولهم بحسب "معجم قبائل العرب" إلى حوران , وأن جذورهم تعود إلى عشيرة المساعيد إحدى عشائر جبل العرب الذي نزحوا منه إلى قرية عناز في وادي النصارى ثم انتقلوا إلى "لبنان الكبير" .ومثلهم آل اده  وماضي وفرحة وشلهوب وزكا الذين تعود أصولهم إلى ازرع في حوران , والبطريرك مار نصرالله بطرس صفير الذي تعود اصوله إلى قرية الصفرا في حوران , كذلك آل ورد وعفيش من دير الزور , دون أن ننسى عائلة الحريري الكرام الذين قدموا الى لبنان من حوران ..

وغيرهم عائلات كثيرة لا مجال لتعدادها هنا , لكن الأكيد أن سهل حوران "الأسمر" لعب دورا بارزا في تركيبة لبنان البشرية والعائلية  , و تأتي تاليا بقية المناطق السورية , واليوم من يضطهد من ؟ الدم واحد والأرض واحدة وكاذب من يدعي غير ذلك.

 

اللبنانيون بجميع فئاتهم وألوانهم شكلوا وعبر تاريخ البلدين ورغم كل الإشكالات الطارئة على علاقاتهما  , زبائن دائمين في أسواق دمشق الحديثة والشعبية , يشترون منها كل البضائع التي تميزت بجودتها ورخص ثمنها , وكانت الأسواق والمطاعم  تغص بهم أيام الآحاد , حتى لاترى فيها سوريا إلا فيما ندر وكأن هذه الأسواق والمطاعم مستعمرات لبنانية مؤقتة ...ولعلم الجميع ورغم سنوات أربع من عمر حرب طحنت سوريا وأهلها ما زلت ترى اللبنانيين يقصدون الأسواق السورية ليشتروا بضائع سورية جيدة , بأسعار رخيصة , ليتباهى بعضهم مدعيا شراءها من باريس ولندن وروما . وعلى الرغم من شعور السوريين بالأذى الكبير من مواقف كثيرمن اللبنانيين لاسيما أصحاب موقف النأي بالنفس فإنهم لم يطردوا أي لبناني من أسواقهم ومطاعمهم وحتى مكاتبهم... 

 

خلق الغرب الاستعماري " لبنان الكبير " ضلعا من خاصرة سوريا إلا أنه بقي حتى يومنا ضلعا قاصرا ضعيفا يحتاج على الدوام لأم رؤوم ترعى شؤونه , قد تكون فرنسا أو السعودية أو ايران أو أي دولة تصنع لنفسها نفوذا على أرضه وزعاماته  , وتتقن فن اللعب على توازناته العشائرية والمذهبية والمناطقية وحتى العائلية , في لبنان حتى اليوم مازال الولاء للوطن آخر الولاءات وهذا سبب بقائه كيانا ضعيفا هشا .   

 

 

 

كشعب سوري لم يقتنع غالبيتنا يوما بدولة اسمها لبنان , لم تقنعنا الحدود ولا استقلال القرار ولا اختلاف المصير والدم ,شئنا أم أبينا  مازالت تربطنا معادلة "وحدة المصير" و"تلازم المسارين " . يأبى الحبل السري أن ينقطع وهذا أسوأ ما في الأمر للبعض وربما أحسنه للبعض الآخر ...

 

                                                                                             مي عيسى

 

 

 

 

 

 

 

 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.