تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

"الناتو": قمّة الموت السريري .... تشبه قمم العرب؟!

مصدر الصورة
وكالات

ظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد هبوطه في لندن، في تحركاته ولقاءاته الصحافية التي استغرقت نحو ساعتين وأدت لتأخير وارتباك في جدول ترتيبات اليوم الأول لاجتماعات حلف الناتو، أشبه بالرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي؛ هو يسمّي الأشياء بأسمائها ويقارب الحقيقة دون تحفظ، ولكن لا أحد يقيم له وزناً ولا يأخذه على محمل الجد، وهذا ما كشفته حفلة النميمة بين عدد من قادة "الناتو" خلال حفل الاستقبال الذي أقامته الملكة البريطانية على شرفهم في قصر باكنغهام؛ الحقيقة أنّ قمة لندن الأخيرة لم تستطع إصلاح الشروخ المتزايدة في "الناتو" لا سيما منذ وصول ترامب إلى السلطة، ولا يبدو أنه سيتم إصلاحها في المستقبل لأسباب عديدة، لكن جوهرها وأهمها تقادم حلف "الناتو" وانتقال القيادة العالمية إلى خارج الغرب الأطلسي؛ إلى الشرق، إلى الصين وروسيا، ولذلك كانت الصين العدو الجديد للناتو إضافة إلى روسيا والإرهاب.

 قمة لندن أظهرت أنّ "الحلف السبعيني"، كما القارة العجوز ذاتها،  يمر بحالة من التشتت وفقدان البوصلة؛ حالة من التضارب في الرؤى والتوجهات السياسية والاستراتيجية، بل وفقدان القيادة الواضحة التي كانت الإدارات الأمريكية السابقة تؤمنها ويخضع/يسلّم لها الأوروبيون الأمر، لكن ترامب لم يعد يقنع القادة الجدد في أوروبا وكندا؛ هناك نموذج جديد من الرؤساء يحظون بالثقة والاحترام أكثر: فلاديمير بوتين وشي جين بينغ؛ هؤلاء يقدّمون البدائل في القيادة والمصالح، لديهم توجهات تشاركية واضحة نحو المستقبل، فيما ترامب العجوز يهدد الأصدقاء كما الأعداء بالعزل والعقوبات ويطالبهم بزيادة النفقات، وشتّان ما بين هذا وذاك.

قمّة "حلف شمال الأطلسي"، تشبه القمم العربية لأنها افتقدت زمام المبادرة والقدرة على اتخاذ القرار؛ البعض حمّل ترامب المسؤولية لعدم فهمه تعقيدات السياسة الدولية والعلاقات المتشابكة بين الدول حتى عندما تكون دولاً حليفة؛ البعض انتقد حديث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن أن الناتو "ميت دماغياً"، لكن الطبيب الفرنسي رد بتشخيص السبب وجادل في ذلك؛ هو عدم وضوح الاستراتيجيات لتحديد من هو العدو الجديد في ظل المتغيرات في الساحة الدولية؛ ونعلم أنّ الخلاف على الأهداف والاستراتيجيات ليس أمراً عابراً..!!

بعض القادة العرب في قممهم، كانوا ينتظرون التعليمات الأمريكية أو البريطانية ليعرفوا كيف ولمن يصوتوا في اجتماعاتهم؛ لم يصل الأمر إلى هذا الحدّ بقادة حلف "الناتو"، لكنّ الخوف على مصالحهم ومصالح بلدانهم وعدم الثقة فيما بينهم، جعلهم يتركون الأمور مفتوحة في أكثر من اتجاه، وتحديداً فيما يخص مستقبل العلاقات مع روسيا والصين، بغض النظر عما ورد في إعلان قمّة لندن. ولابد أن نذكّر أنه لم يعد سراً القلق الفرنسي والألماني من سلوك الولايات المتحدة والتزامها الشراكة بعد تهديدات الرئيس الأمريكي بالعقوبات ضد البلدين، وبعد شعاره "أمريكا أولاً"، وبعد تشجيعه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي... الخ.

وليس الصداع الذي تسببه تركيا للحلف قليلاً؛ تركيا التي تمتلك ثاني أكبر جيش في الحلف الأطلسي، تقيم من العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع روسيا والصين، ما يفوق أي علاقات لها مع أيٍّ من دول الأطلسي، أليس هذا مؤشراً آخر؟ أليس مؤشراً أن يتجرأ الرئيس التركي على وصف نظيره الفرنسي بأنه هو من يعاني من الموت السريري وأنّ عليه مراجعة الطبيب المناسب؟ الكثيرون أصبحوا يشككون في مدى إمكانية بقاء تركيا في عضوية "الناتو" بسبب التباينات الهائلة، وتزايد اقتراب أنقرة من موسكو..!!

في قمة لندن التي خيّمت عليها "شطحات" ترامب وخلافات القادة، وافق الزعماء الـ29، على بيان مشترك رغم الانقسامات بشأن الإنفاق والاستراتيجية، ورغم التبادلات الكلامية الحادة بين العديد من منهم، ورغم المشاعر السيئة التي رافقت القمة، ورغم أنّ ترامب ألغى، بعد حفلة السخرية والنميمة التي طاولته، مؤتمراً صحافياً نهائياً كان مقرراً، ليعود مباشرة إلى بلاده. مع ذلك، فإن قمة احتفالية إحياء الذكرى السبعين لتشكيل الحلف الأطلسي، أظهرت أنّ الحلف وأفكار قادته أصبحوا من التاريخ وأنّ المستقبل هو لنموذج آخر من الاتفاقات والتعاون الدولي..

وبعد انتهاء حفلة لندن يعود كلٌ من القادة المجتمعين إلى بلاده ليواجه مشاكل وتحديات أخرى، لا شك بأن ما واجهه في اجتماع لندن أقل وأسهل منها بكثير..!!!

                                             بـديـع عفيـف

مصدر الخبر
خاص - محطة أخبار سورية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.