تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

وباء الخوف والمرض: "كورونا".. تغيير المفاهيم والعلاقات..؟

مصدر الصورة
خبراء صينيون إلى ايطاليا لاحتواء كورونا

غيّر فيروس "كورونا" المفاهيم والتقاليد والعادات والعلاقات بين الأفراد والدول، وحتى الاقتصادات والعلوم والاهتمامات، ووضع العالم كله أمام امتحان البحث عن نقطة نور تضيء الدرب وتكشف سرّ المستقبل الغامض وكيفية تحصينه، وإمكانية زرع الأمل من جديد وعلى أسس متينة جديدة؛

وباء فيروس "كورونا"، وباءان؛ وباء المرض نفسه وقد اجتاح العالم كله، مبتدئاً بالعالم الأول الذي يصف نفسه بالمتحضر، كما بقية العالم الثاني والثالث والرابع... الخ؛ ووباء الخوف من المرض، وهو أشد تأثيراً وألماً، لأن انتظار الخطر لا يقلّ رعباً عن مواجهة الخطر نفسه، بل ربما أشدّ صعوبة؛

"كورونا" أعاد أيضاً صياغة الأولويات عند الأفراد والمجتمعات؛ طالما أنّ السلامة هي الأهم، فالجميع يسير في تأمينها؛ ولذلك تراجع دور نجوم الرياضة وتوقفت المباريات الرياضية وتصوير المسلسلات، وتقدمت برامج الطب ودور الأطباء والعلماء وجميع العاملين في مجال الحماية والوقاية من هذا المرض الفيروسي الخطير واختراع العلاج له؛ أعاد الفيروس الخطير الاعتراف للأطباء والعلماء والجنود الفقراء بحقوقهم المسلوبة؛ أعاد التذكير بالأسس الحقيقية للمجتمع العاقل السليم المعافى..؟!

وباء فيروس "كورونا"، غيّر المفاهيم وخلق "ثنائية التضاد" الجديدة في المجتمعات والعلاقات الاجتماعية بما يخالف الذي اعتدنا عليه؛ الحب لا يعني اللقاء؛ إذا كنت تحب شخصاً، ففي زمن "كورونا" عليك الابتعاد عنه حتى لا يصاب أحدكما أو كلاكما بالمرض؛ الحب لا يعني التواصل مع الأهل والأصدقاء والجيران؛ الحب في زمن "كورونا" يعني الابتعاد والانعزال عمّن نحب حتى نضمن السلامة للجميع؛

"ثنائية التضاد" الجديدة في زمن "كورونا"، تنطبق على العلاقات بين الدول كما الأفراد؛ المطلوب في زمن "كورونا" من الدول إغلاق الحدود والانعزال عن بعضها حتى لا تنتقل العدوى ويتفشى المرض بين المواطنين؛ وحتى ضمن حدود الدولة الواحدة الانعزال مطلوب أيضاً؛ ومطلوب أيضاً التعاون والتنسيق بين الدول لمواجهة تهديد الفيروس واختراع العلاج اللازم لمكافحته، لأن ما من دولة مهما بلغت من القوة، تستطيع أن تواجه انتشار هذا التحدي الخطير..

وباء فيروس "كورونا"، أسقط الاقتصادات الكبيرة وأوقعها في مآزق خطيرة لا تعرف كيف تخرج منها؛ أثبت للجميع أنّ كل القيم الاقتصادية والمعرفية التي بنى العالم عليها أسطورته في الاقتصاد والمال والرأسمالية، هي أشياء من الوهم والضعف والمخادعة لدرجة أنها غير قادرة على الصمود في مواجهة أول عقبة حقيقية تقف في طريقها..!

وباء فيروس "كورونا"، كشف زيف الحضارة الغربية ونفاقها وشراهتها وأنانيتها الفظيعة؛ عندما غرقت إيطاليا في محنة الوباء، تخلى الغرب عنها، وتركها وحيدة دون أي مساعدة؛ لا الاتحاد الأوروبي ولا حلف الأطلسي ولا زعيمة الأطلسي.. لا أحد منهم قدّم لها شيئاً من المساعدة ولو حتى المعنوية؛ سقط الغرب أخلاقياً؛ سقطت الولايات المتحدة في امتحان الأخلاق وامتحان قيادة العالم ولاسيما عندما أراد رئيسها دونالد ترامب شراء واحتكار الدواء الذي تحضره شركة ألمانية للعلاج من فيروس "كورونا"، لنفسها.

في المقابل، تقدّمت الصين من الشرق؛ حملت، رغم معاناتها وخسائرها، حضارتها وخبراتها وبدأت تساعد دول الاتحاد الأوروبي والغرب الأطلسي؛ المساعدة في مواجهة المحن تكشف الوجه الإنساني للجميع؛ من يتهرب أو يتخلى عن دوره الإنساني في زمن المحن، لن يكون مفيداً أبداً، ولا رجاء يرتجى منه ولا خير فيه؛ الصين تقدّم نموذجها من العالم متعدد الأقطاب الذي يرتسم على جثة أحادية القطبية الأمريكية؛

وباء فيروس "كورونا" غيّر الحياة والعالم إلى الأبد؛ الكون قرية صغيرة في العولمة؛ لكنها معزولة متصلة بعد "كورونا"؛ بعد "كورونا".. إنها مرحلة وحياة أخرى..؟

بديع عفيـف

 

مصدر الخبر
محطة أخبار سورية - خاص

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.