تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مصر تمهد لرفع يديها عن المدارس الحكومية

مصدر الصورة
وكالات

أقحمت لجنة التعليم في مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية للبرلمان) الحكومة في مواجهة غير محسوبة مع أسر 26 مليون طالب وطالبة يزاولون تعليمهم في مدارس حكومية، بعدما اقترحت إدخال رجال الأعمال كأعضاء في مجالس إدارات المدارس الرسمية لحل أزمة نقص التمويل وعدم تحميل موازنة الدولة أعباء إضافية.

وجاء المقترح البرلماني على أنه تمهيد لرفع الحكومة يديها عن مدارس البسطاء، ومقدمة للالتفاف على مجانية التعليم، ما أثار غضبا واسعا، لأن المقترح تزامن مع تذمر الشارع من ارتفاع معدلات الغلاء وصعوبات المعيشة وتدهور الأحوال الاقتصادية لشريحة من المصريين في ظل عجز الحكومة عن تخفيف أزمة الأسعار.

وأوصت لجنة التعليم بوضع نظام في كل مدرسة حكومية ليكون هناك أكثر من عضو لمجلس الإدارة من رجال الأعمال في المنطقة ومعاقبة من يعمل بالدروس الخصوصية واستغلال أسوار المدارس في الإعلانات ويكون المقابل لصالح أعضاء هيئة التدريس، ويتم استيراد تجارب دول نجحت في حل مشاكل تمويل التعليم.

مقترح لإدخال رجال الأعمال كأعضاء في مجالس إدارات المدارس الحكومية لحل أزمة نقص التمويل

ويرتبط تذمر الشارع من المقترح البرلماني بأنه يتناغم مع تلميحات صدرت من الحكومة لإعادة النظر في مجانية التعليم ووقف التعامل معها كحق مكتسب.

ويلزم الدستور المصري الحكومة بتوفير تعليم مجاني لمختلف فئات المجتمع، لكنها أصبحت تتنصل من هذه المسؤولية بمضاعفة المصروفات الدراسية.

وكشف مصدر حكومي لـ”العرب” أن الدولة لن تتنصل من مجانية التعليم، والمقترح البرلماني يستهدف البحث عن حلول غير تقليدية لتوفير عوائد مالية للإنفاق على المدارس الرسمية “ولا يوجد عاقل في الحكومة يدعم فكرة التخلي الكامل عن مدارس البسطاء، لأنها تمثل الخط الأحمر للأغلبية السكانية”.

ويتعامل مصريون مع مجانية التعليم باعتبارها الخط الذي يصعب اقتراب السلطة منه، لأن ذلك يعني أولادهم، وهو ما تدركه الحكومة وتعي جيدا أن الأسرة التي تعجز عن تعليم أبنائها من الصعب ترميم علاقتها بالنظام مهما كانت قراراته إيجابية.

ويرى مراقبون أن مقترح تخلي الحكومة عن دورها نسبيا في مسألة الإنفاق على التعليم “بالونة اختبار للرأي العام لمعرفة ما إذا كان الشارع يتقبل ذلك من عدمه، وعلى أساس ردة الفعل يكون القرار بالمضي في التطبيق أو الصمت”.

وتتشكل الأغلبية البرلمانية في مجلس الشيوخ أو مجلس النواب من أحزاب قريبة من السلطة، ولا تخرج توصيات أو مقترحات إلا إذا كانت تلقى قبولا من الحكومة.

ويحمل صمت الحكومة عن التعليق على مقترح البرلمان، حتى ظهر الأربعاء، رسالة للشارع بعدم علاقتها بما يثار من النواب وماضية في تحمل مسؤولية مدارس أبناء البسطاء، وهي تراقب المشهد لتحدد خطواتها المستقبلية في هذا الملف من دون أن تثير امتعاض الناس في توقيت حساس.

وطرح طارق شوقي وزير التربية والتعليم السابق فكرة إعادة النظر في مجانية التعليم بدعوى أنها ليست موجودة عمليا، في حين تخصص الدولة أرقاما ضخمة ولا تجني ثمارها، مقابل أن الأسر تدفع عشرات المليارات من الجنيهات سنويا على الدروس الخصوصية، وأمام ثورة الغضب التي تعرض لها الوزير تم غلق الملف كليا.

البيئة المدرسية تعاني من مشكلات عصية

ويخشى متابعون أن يقود المساس بإنفاق الدولة على مدارس البسطاء إلى تضييق الضغط على الحكومة، ولا تترك للمؤيدين فرصة الدفاع عنها مستقبلا، فالتعليم بالنسبة إلى المصريين مثل رغيف الخبز، كلاهما كرة لهب لن يُسمح بالاقتراب منها.

ويثير كل طرح لأزمة الإنفاق الحكومي على المدارس الرسمية إشكالية الطبقية، على اعتبار أن الكوادر الشبابية التي يتم تصعيدها في المشهد السياسي بالترشح للبرلمان على قوائم الأحزاب أو من يتم اختيارهم ليكونوا نوابا للوزراء والمحافظين أغلبهم من خريجي المدارس الخاصة والدولية في مصر.

وأشار وائل كامل الباحث والخبير التربوي بجامعة حلوان جنوب القاهرة إلى أن أي قرار برفع الحكومة يديها عن مدارس البسطاء يوسع دائرة التسرب التعليمي أمام الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع معدلات الفقر بما يعقد مهمة الدولة في تطهير المجتمع من الجهل، مؤكدا أن المقترح البرلماني غير قابل للتنفيذ على الأرض.

وتعاني البيئة المدرسية في مصر من مشكلات عصية على الحل مع ارتفاع معدلات الكثافات الطلابية، وعدم بناء بمدارس تكفي الزيادة السكانية، والعجز في أعداد المعلمين الذي وصل إلى 400 ألف مدرس حتى الآن، حتى أصبح هذا الملف الوحيد الذي يجمع المؤيدين والمعارضين للحكومة.

متابعون يحشون من أن يقود المساس بإنفاق الدولة على مدارس البسطاء إلى تضييق الضغط على الحكومة، ولا تترك للمؤيدين فرصة الدفاع عنها مستقبلا

ويوحي موقف نواب البرلمان بتخبط في الأولويات وزيادة استياء الشارع، حيث أنفقت الحكومة على أجهزة التابلت نحو 13 مليار جنيه (نصف مليار دولار) منذ تطبيق التجربة في مرحلة البكالوريا عام 2018، لكن الطلاب لم يستفيدوا منه، بينما تركت غالبية المدارس متهالكة، والأولى أن تنفق هذه المبالغ على البنية التحتية.

ويثير ملف التعليم منغصا سياسيا للرئيس عبدالفتاح السيسي جراء كثرة أزماته وتسببه في توجيه اللوم الجماهيري له شخصيا، باعتباره المسؤول عن إطلاق مشروع النهضة التعليمية، حتى اصطدمت رغبته بتحديات بالغة، وهو الذي يعوّل على تخريج جيل جديد من الشباب يناسب أحلام الجمهورية الجديدة.

ولفت الأكاديمي كامل لـ”العرب” إلى وجود دوائر تعتبر التعليم الرسمي الذي يستهدف أبناء البسطاء عبئا ثقيلا، مع أن المدارس الحكومية هي التي تخرج فيها قمم عديدة، ما يفرض على الحكومة أن تركز أولوياتها على هذه الفئة إذا أرادت تخريج شباب يستطيع تحمل المسؤولية الوطنية والسياسية مستقبلا.

ويكتسح أبناء الطبقة الكادحة المراكز الأولى في البكالوريا (الثانوية العامة) وجميعهم تقريبا من خريجي مدارس حكومية، في ظل قناعة الكثير من الأسر البسيطة بأن التميز الدراسي بوابة رئيسية للخروج من دائرة الفقر والعوز.

ويظل الخطر الأكبر الذي لا تدركه الحكومة أن أي محاولة لرفع يديها عن مدارس البسطاء ستكون نتيجتها مضاعفة أعداد المنتقلين إلى التعليم الأزهري مع الاستقلالية المالية للمؤسسة الدينية ورفضها التعاطي مع قرارات الحكومة برفع المصروفات، ما يضع أعباء ثقيلة على النظام المصري لدعم مدنية الدولة ومواجهة التطرف.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.