تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

مصر تصعّد ضد المتورطين في ختان الإناث بتوسيع دائرة حبس الآباء

مصدر الصورة
العرب

يرى خبراء علم الاجتماع أن تفعيل عقوبة حبس المتورطين في وقائع ختان الإناث يمكن أن يقلل من المعدلات إلى مستويات أكبر. لكنهم يؤكدون أن الأمر يحتاج إلى إرادة سياسية قوية يمكنها مجابهة الأسر وإقناعها بأن الختان فعل ينتهك جسد الفتاة. ويرتبط استمرار وقائع الختان بسببين: الأول يتعلق بالعرف وربط عفة الفتاة بإزالة جزء من جسدها، والثاني بالجهل بوجود عقوبة تجرّم الفعل.

القاهرة– صعّدت مصر ضد المتورطين في جرائم ختان الإناث بتوسيع دائرة حبس الآباء المتهمين في مثل هذه الوقائع، والسعي للتطبيق الحرفي للعقوبات التي أقرتها الحكومة للقضاء على الظاهرة، وسط انتقادات متكررة لها من قبل منظمات حقوقية وصحية السنوات الماضية بأنها عاجزة عن مواجهة ختان الإناث.

أصدرت محكمة جنايات قنا، في جنوب مصر، مؤخرا، حكما صارما بتطبيق الحد الأقصى من العقوبة ضد الأب والأم، ومعاقبتهما بالحبس ثلاث سنوات مع الشغل، لقيامهما بختان ابنتيهما ومخالفة القانون الصادر في هذا الشأن، وهو الحكم الثالث من نوعه خلال أقل من شهرين لأرباب أسر تعمدوا إجراء الختان رغم تجريمه.

ويبدو أن الحكومة لم يعد أمامها سوى سلاح الترهيب كحل أخير لمواجهة ختان الإناث، في ظل إصرار البعض على عدم التراجع والاعتداد بالعقوبات المشددة.

البرلمان المصري وافق منذ عامين على تغليظ العقوبة لتصبح جناية، وتكون العقوبة واجبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة

ووافق البرلمان المصري منذ نحو عامين على تغليظ العقوبة لتصبح جناية، وتكون العقوبة واجبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز ثلاث سنوات.

وتشير وقائع الختان إلى أن تفعيل عقوبة الحبس لا يكفي لتحصين الفتيات من التعرض لهذه العادة الذميمة، لكنها أسهمت في خفض معدلات الختان بنسب معقولة، حيث انخفضت إلى 14 في المئة وفق مسح أجرته وزارة الصحة وأعلنت عنه قبل أيام، وأظهر أن نسبة من لديهم النية في الختان انخفضت من 56 في المئة إلى 27 في المئة.

ويعد تفعيل عقوبة حبس المتورطين في وقائع ختان الإناث بادرة خير لإمكانية تقليل المعدلات إلى مستويات أكبر، لكن الأمر بحاجة إلى إرادة سياسية أوسع في المواجهة الفكرية لتقتنع الأسر التي لديها قناعات راسخة تجاه الختان بأنه فعل ينتهك جسد الفتاة، ولا يخرج عن كونه موروثا ثقافيا تلقته الأجيال على أنه عرف مجتمعي ليس أكثر.

ويظل ختان الإناث إحدى وسائل العنف الأسري المسلط على الفتيات، وتكمن المعضلة في أن الكثير من الأسر لم تسمع حتى الآن عن وجود قانون يجرّم الختان ويحبس الأبوين، وثمة عائلات تخوض هذا التحدي بدافع أن الختان واجب ديني وأحد عوامل تحصين الفتاة من الانحراف، وهناك فريق غير مقتنع بالختان ويراه التزاما اجتماعيا.

ولا تزال زينب شعبان، وهي أم لثلاث فتيات تعيش في ريف محافظة البحيرة شمال القاهرة، تجهل وجود عقوبة حكومية ضد ختان الإناث، ولم تعلم بذلك إلا عندما ذهبت إلى طبيب متخصص في طب جراحة الأطفال، حيث امتنع عن ختان إحدى فتياتها، وعندما أبلغها بالسبب (العقوبة والتجريم) اكتشف أنها لا تعلم شيئا عن القانون.

هناك ضرورة لتخصيص عقوبة في القانون للمحرضين على الختان، سواء أكانوا من أصحاب الفتاوى أو من يخرجون في الإعلام لتبرير الفعل لأي سبب كان

وقال الطبيب حاتم أحمد لـ”العرب” إنه أخفق في إقناع الأم بعدم جدوى الختان، وشرح لها خطورته على صحة الفتاة، لكنها خرجت ولا تبالي بكلامه، وقررت أن تبحث عن طبيب آخر يُجري عملية الختان لابنتها، معتقدا أنها ستفشل في ذلك لوجود اتفاق في النسبة الأكبر من الأطباء على عدم الختان أمام تشدد الحكومة في تطبيق عقوبة الحبس وغلق المنشأة الطبية، غير أن الخوف يكمن في ذهاب الأم إلى “الداية”، وهي سيدة تقوم بتوليد النساء في أرياف مصر بناء على خبرات متراكمة.

وانتشر الختان في مصر قبل سنوات على يد “الداية”، وأمام التقدم الطبي اختفت بشكل كبير من المناطق الريفية، وموجودة على نطاق ضيق، تحديدا في القرى النائية.

وأكدت واقعة الأم والطبيب أن استمرار وقائع الختان مرتبط بإشكاليتين بالغتي التعقيد، الأولى تتعلق بالعرف وربط عفة الفتاة بإزالة جزء من جسدها، والثانية الجهل بوجود عقوبة تجرم الفعل، ما يشير إلى أن الترويج للقانون مهم، بحيث تكون الأسر على دراية بالعقوبة، مع مضاعفة الرقابة في المناطق الريفية والنائية مع زيادة العنف ضد المرأة بها.

وتظل أكبر معضلة أمام الحكومة بعيدا عن جدوى توسيع دائرة حبس المتورطين في الختان من عدمه، أن هناك أسرا مقتنعة بأن ختان الأنثى التزام ديني، والإسلام دعا الأبوين لذلك، ومن يعترض على التطبيق فهو آثم، وحال استمرت نفس الأفكار فمن الصعب أن ينجح القانون وحده في مواجهة العادة المغلفة بغطاء ديني.

وحرمت مؤسسات دينية بشكل صريح فعل الختان، ونفت علاقته بالإسلام، لكن رب الأسرة الذي لم يتعلم ويعيش في منطقة ريفية لن يصل إليه خطاب الأزهر أو دار الإفتاء، لأنه لا يستوعب الفتوى أو لم يسمع عنها، أو لأنه يقدس رأي الشيخ السلفي الذي يلتقيه في المسجد ويؤثر في قناعته المختلفة مع رؤية المؤسسة الرسمية.

أكبر معضلة أمام الحكومة بعيدا عن جدوى توسيع دائرة حبس المتورطين في الختان من عدمه، أن هناك أسرا مقتنعة بأن ختان الأنثى التزام ديني

وإذا كانت الأسرة تعيش في بيئة حضرية فهذا لا يكفي لتحصين الفتاة من الختان، طالما أن الأبوين لهما جذور ريفية وتشبعا بعادات وتقاليد وأفكار الريف وطقوسه الاجتماعية وأن ختان الفتاة يحصنها من الانحراف ويكبح رغباتها الجنسية، ما يتطلب مواجهة توعوية من مؤسسات ثقافية وطبية تصل لهذه الفئة لضرب معتقداتها.

وأزمة المؤسسة الدينية، الإسلامية والمسيحية، أنها اكتفت بتحريم الختان وتبرئة ساحاتها أمام الحكومة والمنظمات الحقوقية والمؤسسة القضائية وتوقفت عند هذا الحد دون أن تستكمل المهمة وتنزل بخطابها إلى مستوى فهم واستيعاب الفئات البسيطة التي ظلت أسيرة لرأي عشوائي يقول إن الختان فريضة على رب الأسرة، وخطاب طبي آخر كان يروّج في الماضي بأن الختان حصانة للفتاة.

وقال عادل بركات الباحث المتخصص في التنمية البشرية والعلاقات الأسرية بالقاهرة إنه رغم التزام القضاء بتطبيق أقصى عقوبة ضد حبس المتورطين في الختان، لا يتم استغلال مثل هذه الأحكام لممارسة المزيد من الضغط ضد الأسر التي ترفض التخلي عن هذه العادة، مع أن سلاح الترهيب وتوسيع قاعدة نشره في المجتمع يسهلان مهمة التصدي لهذه السلبية، وهذا جزء من الخطاب الخاص بالتخويف.

وأوضح لـ”العرب” أن مشكلة المؤسسة الدينية تأتي من تراخيها في توسيع قاعدة المواجهة الفكرية مع المحرضين على الختان، فلا توجد خطبة موحدة في المساجد عن حرمة الختان، وليست هناك خطة شاملة من الأزهر ودار الإفتاء لتفنيد الحجج والأسانيد التراثية حول ختان الإناث وعلاقته بالإسلام، مع النسبة الأكبر من أرباب الأسر يقدمون على هذا الفعل بدافع ديني.

ولفت إلى أن هناك ضرورة لتخصيص عقوبة في القانون للمحرضين على الختان، سواء أكانوا من أصحاب الفتاوى أو من يخرجون في الإعلام لتبرير الفعل لأي سبب كان، فالقانون وحده مهما كانت عقوباته لن ينجح في القضاء على الظاهرة، مبررا ذلك بوجود عقوبة الإعدام ضد القتل والسجن المشدد ضد تاجر المخدرات، لكنها أفعال مرتبطة بفكر وسلوك منحرف، لذلك تظل مواجهة الختان فكرية في المقام الأول.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.