تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

لماذا لا تسير مصر على خطى الهند في مجال الزراعة

مصدر الصورة
العرب

يثير تصاعد بعض الدول في تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية والحبوب مثل الهند، أسئلة حول إمكانية أن يحل هذا النموذج في مصر، فيما يرى الخبراء صعوبة وربما استحالة تحقيق ذلك بسبب الفروق الشاسعة بين مصر والهند في مجال مقومات الزراعة، في حين أن إنجازات نيودلهي يمكن أن تخدم القاهرة كمصدر للإلهام في التوسع الرأسي المفضي إلى زيادة إنتاجية الأراضي الزراعية.

القاهرة - بدأت تجربة الهند في التحول من دولة مستهلكة ومستوردة للحبوب الغذائية إلى دولة مصدرة لها، تلهم عددا من دول العالم للاستفادة منها، في حين يقول مراقبون إن مصر من بين الدول التي عليها التفكير والتخطيط لاستنساخ واستلهام هذا النموذج وتطبيقه، لأنه سوف يمكنها من اللحاق بركب الدول التي لديها اكتفاء ذاتي من الحبوب.

تحتل الهند المرتبة الثانية من الإنتاج الزراعي بالعالم، ويوظف هذا القطاع 42 في المئة من القوى العاملة ويسهم في نحو 18 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتعد سابع أكبر بلد في العالم من حيث مساحة الأراضي وثاني أكبر دولة في عدد السكان البالغ 1.4 مليار نسمة، حيث يعيش نسبة 66 في المئة منهم بالمناطق الريفية.

ومن المتوقع أن يصل عدد السكان الريفيين إلى ذروته في عام 2030 تقريبا، بعكس مصر التي تشهد هجرة من الريف إلى المدن، وبات قطاع الزراعة فيها طاردا خلال السنوات الماضية بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وعدم توفير الدعم للمزارعين.

وبدأت الهند بتطبيق التنمية الزراعية مع بداية الستينات من القرن الماضي وعملت على ذلك عبر التوجه إلى العديد من البرامج التنموية بالشراكة مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) لرفع مستوى الإنتاج الزراعي ودعم برنامج الثورة الخضراء.

ووصلت إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي مع بداية عقد التسعينات من القرن الماضي نتيجة الجهود المركزة في تطبيق برنامج الثورة الخضراء الذي كان يهدف إلى زيادة إنتاجية الأرض الزراعية وتوسيع مدخلات العملية الزراعية عن طريق الكثير من الآليات المتبعة في الزراعة سواء أكانت إدارية أو طرقا جديدة باستعمال الأسمدة الجديدة وطرق الري واستخدام أنواع مختلفة من البذور.

حل لأزمة الغذاء

تشمل مقومات الزراعة، المياه والأراضي والعنصر البشري، وتربط تلك العناصر إدارة حكيمة تحدد المحاصيل المطلوب زراعتها والتسويق للمنتجات، وتلك العوامل متوفرة في الهند بينما تعاني مصر من شح كبير في المياه، كما أن نسبة كبيرة من أراضيها صحراوية، ما أجبر البلاد على زراعة محاصيل تقليدية لا تتغير.

وأعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال مؤتمر صحفي عقده في نيودلهي في زيارته الأخيرة اتفاقه مع الهند على تعزيز التعاون الإستراتيجي بين البلدين في عدة مجالات، على رأسها الزراعة والأسمدة.

وتتأزم حصة مياه الأفراد من وقت إلى آخر، إذ يمثل نصيب الفرد من المياه نحو 50 في المئة من احتياجاته، ولولا استخدام التكنولوجيا في الزراعة والري لما كفت حصة مصر من مياه الزراعة فيها.

ويصل نصيب الفرد من المياه في مصر إلى 560 مترا مكعبا سنويا، ويمثل تقريبا نصف خط الفقر المائي العالمي، كما تعتمد البلاد بنسبة 97 في المئة على نهر النيل الذي ينبع من خارج حدودها.

وفي حين يبدو استيراد الحبوب خيارا مألوفا لعدة دول، فإن المشكلة تتمثل في ألا تجد السلطات السيولة النقدية من العملات الأجنبية للشراء بها، فالأصل تكامل القطاعات معا.

وأقر مجلس المدراء التنفيذيين لمجموعة البنك الدولي في يونيو الماضي تمويلا تنمويا بقيمة 500 مليون دولار لتعزيز أهداف مصر في تحقيق الأمن الغذائي، ودعم الجهود الهادفة لتوفير مخزون آمن من القمح.

وتنبع كثرة الحديث عن أزمة الغذاء في مصر من تدهور مجالات مثل الصناعة وضعف التصدير وعدم كفاية تدفق الدولار من القطاع السياحي لتغطية الاستيراد.

استهلاك مصر الكبير من القمح يرجع إلى انخفاض مستويات الدخل ولجوء الأفراد إلى الخبز كعنصر غذائي رئيسي

واندلعت أزمة الغذاء في مصر مع جائحة كورونا وزادت مع الحرب الروسية – الأوكرانية، مما دفع مصر إلى الاقتراض من مؤسسات دولية عديدة لعدم وجود الدولار المتاح لشراء القمح من الخارج والبحث عن أسواق بديلة.

وتصل مساحات الأراضي المخصصة للقمح التي تتم زراعتها في الهند إلى 8 أضعاف إجمالي مساحة الأراضي المزروعة في مصر المقدرة بـ10 ملايين فدان، ويسهم قطاع الزراعة بنسبة 15 في المئة في الناتج المحلي، وتحتل الهند المركز الأول في مساحة الأراضي الزراعية بإجمالي يصل إلى 80 مليون فدان، تسد احتياجاتها.

وقال خبير المياه والزراعة عباس شراقي لـ”العرب” “على الرغم من أن مساحة مصر تصل إلى مليون كيلومتر مربع ومساحة الصحراء الشاسعة، فإنه يصعب استصلاح الصحراء إلا في أضيق الحدود”.

ومع وجود الصوامع التي يتم تخزين الحبوب فيها ينشر هذا الطمأنينة لتوفير احتياطي آمن، وعند حدوث أزمات عالمية يتم التركيز على القمح لأهميته وتأثره بها.

ويرجع استهلاك مصر الكبير من القمح إلى انخفاض مستويات الدخل ولجوء الأفراد إلى الخبز كعنصر غذائي رئيسي، ومن المهم التركيز على الإنتاج والصناعة والسياحة لرفع مستويات الدخل، فكلما ارتفعت تنوعت الأطعمة وقل الاعتماد على الخبز.

نصيب الفرد من المياه في مصر يصل إلى 560 مترا مكعبا سنويا، ويمثل تقريبا نصف خط الفقر المائي العالمي

وعززت مساحة الأرض الزراعية الشاسعة في الهند والتي تغطي أكثر من نصف البلاد زراعة أصناف مختلفة من الحبوب الرئيسية مثل الأرز والقمح والذرة، فضلا عن أنها من الدول الرئيسية في إنتاج التوابل والسكر والبقوليات.

وأضاف شراقي أن خطط الزراعة في مصر تتطلب التركيز على المحاصيل الزراعية التي تدخل في الصناعة ويتم تصديرها بأسعار مرتفعة وتدر عملات صعبة ليتم شراء المحاصيل الأخرى، كون زراعتها في الخارج أرخص من مصر، كما أن استصلاح الأراضي أمر مكلف للغاية لحفر الآبار وتجهيزها للري وهي صالحة لعدد من الأعوام ثم تكون المياه مالحة وغير صالحة للري.

وطالب بتوجيه تلك الأموال إلى مشروعات تدر دخلا أكثر مع توفير العملة للاستيراد، ويمكن زراعة نصف ما تحتاجه البلاد من القمح واستيراد الجزء المتبقي، لأن سياسة التصدير حاليا تعاني من خلل، حيث يتم تصدير محاصيل رخيصة مثل البطاطس وبعض الخضروات مع استيراد سلع بأسعار أغلى كالفول والعدس.

واعتمدت الهند سابقا على استيراد كميات كبيرة من المواد الغذائية، ومع تطور الآليات والوسائل الزراعية واستنباط سلالات البذور المحسنة واستخدام طرق الري الحديثة زاد الإنتاج وجرى توفير المواد الغذائية الأساسية والمساهمة بقوة في الصادرات.

خطط فاشلة

وضعت مصر خطة لاستصلاح الأراضي الصحراوية، أبرزها مشروع 1.5 مليون فدان الذي تم إطلاقه منذ سبع سنوات في أماكن متفرقة، ثم الدلتا الجديدة لزراعة 2.2 مليون فدان ولم يتم الانتهاء منهما، ولم تتعد نسبة الإنجاز 30 في المئة، ما يدعو إلى دراسة معدل الأراضي التي يتم استصلاحها وفقا لكميات المياه المتاحة.

وكان من الأولى الانتهاء من المشروعات التي تم إطلاقها في التسعينات بعد أن تم إحياؤها، مثل توشكى وترعة السلام وشرق العوينات، ومجموع

الأراضي فيها نحو 1.5 مليون فدان، ووصلت نسبة الإنجاز إلى نحو 40 في المئة، وكان من المفترض أن تصل إلى 100 في المئة.

وقال حسين أبوصدام نقيب الفلاحين إن مصر تعاني من أزمة لمحدودية الرقعة الزراعية وزيادة عدد السكان، بجانب ندرة المياه التي تعيق استصلاح الأراضي، ويجب التركيز على التصنيع الزراعي بدلا من تصدير المحاصيل خامات، بحيث يتم تصنيع البطاطس أو زيوت الزيتون بدلا من تصدير الزيتون كخام بسعر أرخص.

ومن أهم العوامل التي عززت تطور القطاع الزراعي في الهند إنشاء جامعات زراعية تدرس فيها مختلف العلوم الزراعية من بيطرية وهندسة زراعية وعلوم الغذاء وغيرها من العلوم الزراعية ذات الصلة، وحفر قناة انديرا غاندي وتأثيرها المهم على النشاط الاقتصادي في المنطقة التي تعبرها.

التوسع الرأسي

الدعم الحكومي يشجع الهنود على العناية بالزراعة

أوضح أبوصدام لـ”العرب” أن الحل الوحيد أمام مصر للحاق بركب الدول التي حققت اكتفاء بالحبوب هو التوسع الرأسي في الزراعة لزيادة الإنتاجية مع استخدام نفس المساحات، وهذا يتطلب الاهتمام بالتكنولوجيا والبحث العلمي والذي يتطلب استنباط أصناف جديدة من التقاوي وتغيير طرق الري في الأراضي الزراعية القديمة، مع وجود طرق تخزين حديثة.

واهتمت الهند بإنشاء شركات عاملة في إنتاج وتوزيع البذور الحسنة ذات الإنتاجية العالية وتخفيض الاعتماد على المستوردة، وربطت الحكومة المنظمات العاملة في التكنولوجيا الزراعية بشبكة واحدة عبر مجلس البحوث الزراعية لزيادة التنسيق.

واستفادت نيودلهي من القوة البشرية المتعلمة ومن ميزة إجادة الهنود للغة الإنجليزية التي سخرتها في تطوير البرمجيات التي ظهرت هناك منذ منتصف الثمانينات، حيث كانت تمتلك عام 1985 حوالي 6800 مختص في البرمجيات وخلال 12 عاما استطاعت تحقيق قفزة في عدد المبرمجين وسخرتهم لبناء قاعدة معلومات زراعية. بينما لا تتوفر في مصر السيولة اللازمة لتلك التحديثات، ولا يوجد دعم حقيقي لمركز البحوث الزراعية في البلاد، حيث يقول مراقبون إنه من الضروري تقليل الاستهلاك من القمح والحبوب.

وقامت الحكومة الهندية عام 1995 بتقديم مساعدة مالية تقدر بحوالي 50 في المئة من تكلفة شراء المعدات والآلات وعدم الاعتماد على الطرق القديمة التي اعتاد الهنود على استعمالها والاعتماد عليها في الزراعة.

وأشار أبوصدام إلى وجود حبوب يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتي منها، مثل الفول، إذ تمت زراعة 500 ألف فدان فهي تحقق الاكتفاء الذاتي منها، لكن لا يوجد إرشاد زراعي كاف للمزارعين بتسويق المنتج أو كيفية مواجهة الآفات.

وطالب خبراء بتطبيق الزراعة التعاقدية على بعض الحبوب التي يتم استيرادها من الخارج ويمكن زراعتها في مصر، فضلا عن جدية توفير الزراعة الرقمية، فالتطبيقات الإلكترونية في التسويق والإرشاد لا تُجدي سوى في المساحات الكبيرة.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.