تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

العرب: الكويت تستعد لتوديع نموذج دولة الرفاه

مصدر الصورة
العرب

الإصلاحات التي طال انتظارها في الكويت بسبب ممانعة البرلمانات المتعاقبة لأي مساس بالمكاسب الاجتماعية الكبيرة للمواطنين، أصبحت اليوم تمتلك فرصة أكبر للمرور بفعل وجود سلطة تنفيذية قوية يقودها نائب أمير البلاد، وتستند إلى دعم قوي من قبل الأمير نفسه.

الكويت - انتقد رئيس الوزراء الكويتي الشيخ محمد صباح السالم الصباح نظام الدعم الاجتماعي في بلاده، مشيرا إلى عدم إمكانية التمادي في اتّباع نموذج دولة الرفاه بالاعتماد على ثروة النفط الآيلة للنضوب.

ويلامس رئيس الحكومة الكويتية المعيّن حديثا من قبل أمير البلاد الجديد الشيخ مشعل الأحمد بهذا النقد موضوعا حسّاسا أصبح منذ مدّة في قلب النقاشات الدائرة في الكويت بشأن ضرورة إصلاح اقتصاد البلاد وماليتها العامّة المرتهنة بشكل شبه تامّ لعوائد النفط.

وتسود صناع القرار الكويتي قناعة بأنّ الإصلاح المنشود يمرّ حتما عبر تخفيف عبء الدعوم السخية التي تقدّمها الدولة الكويتية وتجاوزت تبعاتها الجوانب المالية إلى خلق حالة من الاتّكالية على الدولة.

وتعاني الكويت بالإضافة إلى ارتفاع فاتورة الدعوم خمول القطاع الخاص وتضخّم القطاع العام الذي تحوّل بفعل ضعف إنتاجيته إلى نوع من الكفالة الاجتماعية المقنّعة.

ورغم مضي سنوات طويلة على الإقرار بوجوب التخلّص التدريجي من نموذج دولة الرفاه، إلاّ أن تطبيق ذلك بشكل عملي تعذّر بفعل قيام أعضاء البرلمانات المتعاقبة بدور الحرّاس الأمناء له على خلفية اعتمادهم الكبير على الشعبوية والعمل باستمرار على استرضاء المواطنين لاستدامة أدوار لهم في الحياة السياسية بالبلاد.

ولا يخرج نواب البرلمان الحالي عن هذا النهج المعارض لأي إصلاحات تمسّ بالمكتسبات الاجتماعية الكبيرة للكويتيين، لكن الأمر المستجد هو القوة التي يحظى بها رئيس الوزراء الجديد المدعوم من قبل الأمير الذي كشف بدوره عن توجّهات إصلاحية.

ويمكن للشيخ محمد الصباح أن يستند في موازنة القوة التي يمتلكها مجلس الأمّة إلى المنصب الهام الذي أسنده إليه الشيخ مشعل الأحمد بالإضافة إلى ترؤسه للحكومة، وهو منصب نائب أمير البلاد.

وجاءت تصريحات الشيخ محمّد الصباح للصحافيين عشيّة عقد جلسة برلمانية يتوّقع أن يثار خلالها الخلاف بشأن الأجندة التشريعية للنواب التي تتضمّن إقرار المزيد من المكاسب الاجتماعية، بينما بدت الحكومة متحفظة عليها من خلال مطالبتها بتأجيل النقاش حولها.

ولفت رئيس الوزراء الكويتي إلى أنّ الدعوم تستهلك أكثر من عشرين في المئة من الميزانية العامة للدولة، معتبرا أنه ليس من العدالة تساوي المقتدر والمحتاج في الحصول على تلك الدعوم.

ويتضمن هذا الكلام إشارة إلى إمكانية اللجوء إلى اعتماد أسلوب الدعم الموجّه المتّبع من قبل العديد من الدول ويقوم على اقتصار منح الدعوم على طبقات معيّنة تحتاج إليه بالفعل.

وحدّد الشيخ محمد الصباح الطبقة التي تنوي حكومته استهدافها بالدعم قائلا إنّ الطبقة الوسطى يجب أن يكون لها نصيب الأسد من الدعوم، بينما الطبقة عالية الدخل تستطيع أن تتخلى عن جزء من هذه الدعوم لصالح من هم أحوج منها إليها.

وتظهر أرقام وزارة المالية الكويتية الصادرة حول مشروع موازنة 2024 – 2025 تراجعا في مخصصات الدعوم من مستواها الحالي المقدّر بـ19.83 مليار دولار إلى 15.17 مليارا.

تسود صناع القرار الكويتي قناعة بأنّ الإصلاح المنشود يمرّ حتما عبر تخفيف عبء الدعوم السخية التي تقدّمها الدولة الكويتية

وفي موضوع لصيق بملف إصلاح الاقتصاد، أكّد رئيس الوزراء أهمية إصلاح الاختلال الماثل بين القطاعين العام والخاص.

وقال إن من المتوقع دخول أكثر من 300 ألف مواطن سوق العمل خلال السنوات العشر المقبلة، مبينا أن القطاع العام لن يستطيع استيعاب هذا العدد وهو ما يتطلب مشاركة القطاع الخاص.

ولا يزال القطاع الخاص في الكويت على الرغم من اتّخاذ العديد من الإجراءات الحكومية لتطويره يعاني حالة من البطء في التطوّر.

ومن أبرز المشكلات التي اعترضته العزوف الشديد من قبل المواطنين عن العمل فيه بسبب عدم تكافؤ ما يقدّمه من أجور وامتيازات مع ما يقدّمه القطاع العام الذي يوفّر بالإضافة إلى الاميازات المالية المرتفعة عامل الرّاحة لموظفيه الذين قد لا تتجاوز المدّة الفعلية لعملهم في بعض الإدارات والمصالح التابعة للدولة ساعة واحدة في اليوم.

ويوجّه الحديث عن الإصلاح في الكويت آليا النظر إلى العلاقة المستقبلية بين حكومة الشيخ محمّد الصباح والبرلمان الحالي الذي نجح خلال فترة حكومة رئيس الوزراء السابق الشيخ أحمد النواف في فرض خارطة تشريعية تتضمّن المزيد من المكاسب الاجتماعية وما ترتبه من أعباء مالية إضافية على الدولة، وذلك في تضاد تامّ مع المسار الإصلاحي المنشود.

وطلبت الحكومة خلال أول اجتماع تنسيقي بينها وبين مجلس الأمّة تأجيل مناقشة القوانين المدرجة على جدول أعمال جلسة الثلاثاء ومن ضمنها قانون زيادة القرض الحسن (قرض من دون فوائض يقوم على استرجاع الجهة المقرضة لقيمته الأصلية فقط وقد تتنازل عن ذلك إذا ثبت عجز المقترض عن السداد)، وقانون علاوة غلاء المعيشة.

وبرّر ممثلو الحكومة طلب التأجيل بالرغبة في أخذ المزيد من الوقت لدراسة تلك القوانين بشكل معمّق وشامل.

يمكن للشيخ محمد الصباح أن يستند في موازنة القوة التي يمتلكها مجلس الأمّة إلى المنصب الهام الذي أسنده إليه الشيخ مشعل الأحمد بالإضافة إلى ترؤسه للحكومة، وهو منصب نائب أمير البلاد

وفي مظهر على بوادر خلافات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بسبب التشريعات ذات الصبغة الاجتماعية، نقلت صحيفة القبس المحلية عن مصادر نيابية قولها إنّ الاجتماع التنسيقي لم يكن إيجابيا ولم يسفر عن أي توافق على رؤية بشأن قوانين تحسين المعيشة، مشيرة إلى أن الجانب الحكومي لم يقدم أي وعود بهذا الصدد.

وانتقد رئيس لجنة الأولويات البرلمانية النائب عبدالله فهاد التحفظ الحكومي خلال الاجتماع المذكور، معتبرا أنّه لا يتناسب أبدا مع تصريحات سابقة لرئيس مجلس الوزراء.

وقال إنّ الحكومة طلبت المزيد من التريث إلى حين عرض برنامج عمل الحكومة “وهو حق مشروع لها إذا كانت هناك وعود والتزام حقيقي بالخارطة التشريعية ضمن تطمينات وضمانات للمضي بهذه الخارطة، وخاصة منها الملفات الشعبية”، مضيفا قوله “لن نقبل المماطلة في القضايا الشعبية والتنموية وعلى كل الأطراف تحمل مسؤولياتها في جلسة الثلاثاء”.

كما شدّد فهاد على أنّ “الملفات الشعبية وحاجات الناس لا يمكن أن نضعها كورقة للمساومة أو التفاوض أو طرف في أي معادلة لأن المواطن يستحق منا جميعا العمل على تحقيق كل أولوياته المطلوبة”، موضّحا أن الأولوية في الوقت الحالي “هي لقوانين تحسين معيشة المواطنين ومنها القرض الحسن للمتقاعدين وغلاء المعيشة والمشاريع التنموية وبقية القوانين الأخرى”.

كما رفض ضمنا أي تدخّل للحكومة في تعديل على الخطة التشريعية التي يجب أن “يكون الرأي الأول والأخير فيها لمجلس الأمّة”.

وفي ذات سياق تمسُّك نواب البرلمان بأجندتهم الاجتماعية، طالب رئيس اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس الأمة النائب شعيب المويزري الحكومة بالتعاون لإقرار قانوني زيادة غلاء المعيشة والقرض الحسن، معلنا رفضه تأجيل مناقشتهما بالقول “لا يمكن أن أوافق أو أن أقبل بالتأجيل وعلى الحكومة التعامل مع القانونين الخاصين برفع المستوى المعيشي للمواطنين الكويتيين وفقا للدستور. وغير ذلك لن يُقبل”.

ورأى المويزري أنّ “الدولة قادرة وقدرتها المالية عالية جدا ولا يؤثر فيها أي شيء آخر ولا عجز في الميزانية، ولكن بكل صراحة العجز داخل قلوب البعض وفي عقولهم”.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.