تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

لبنانيات«يشترين» شباناً في ليلة «أمطرت رجالاً»

بدأت القصة جدّية... وانتهت بمسرحية. الفكرة غير مألوفة إلا في مخيّلة مخترعيها والساعين لتقديم المزادات العلنية من أجل الأعمال الخيرية ضمن قالب لا سابق له في لبنان والعالم العربي. هي ليلة من ليالي السهر العادية في شارع الجميّزة وسط بيروت، والذي يشهد يومياً زحمة ساهرين من مختلف الأعمار. حانة واحدة، في تلك الليلة، شكّلت الاستثناء وانفردت في تقديم «عرض خيري» لم تألفه عيون اللبنانيين وآذانهم. الحدث حمل عنوان (it’s raining men) واستضافته حانة snatch، أما هدفه فمختصر وأكثر من جرئ: مزاد علني لبيع الشباب يعود ريعه لجمعية «Brave heart» الخيرية التي تعنى بمعالجة الأطفال الذين يعانون من أمراض القلب. هذا في الظاهر، أما «الرسالة» التي حملها المزاد فلها أبعاد مختلفة تماماً عما روّجت له بعض وسائل الإعلام اللبنانية. ببساطة هي تمثيلية أو مسرحية مخطّط لها مسبقاً، إن لناحية المشاركين فيها أو لجهة السيناريو المعدّ، لم تشهد «بيعاً للرجال» بالمعنى الحقيقي إنما أتت في إطار «فني» ورمزي، لا مكان فيه لكلمة بيع، بل عرض تفاعلي مع الجمهور بهدف جمع التبرعات للجمعية الخيرية.

 
12 شاباً من فئات عمرية متقاربة شكّلوا الحدث بحد ذاته، بعدما تناوبوا على الصعود الى منصة أعدّت خصيصاً للحفلة وأبرزوا ما لديهم من مواهب فنية أو فكاهية بغية جذب الشاريات. الشباب جاوؤا بملء إرادتهم للمشاركة في المزاد، معلنين مسبقاً الموافقة على شروطه، ومنها قضاء ساعتين فقط مع «الشارية»، مع إمكان تجديد «العقد»، لكن برضا الطرفين. «الطرف الآخر» فتيات أبديّن كل الاستعداد لدفع ما يلزم من المال «لشراء» الرجل الذي يعجبهنّ، كل ذلك في قالب مسرحي جرئ، من أجل مساعدة جمعية خيرية في تحمّل أعباء مهمتها الإنسانية. الصالة الضيقة اكتظت بالحضور وبعدد قليل من الصحافيين انفرد بتغطية الحدث. انتهت الليلة الصاخبة عند رقم متواضع سجله المزاد، إذ بلغت العائدات أكثر من ستة ملايين ليرة لبنانية (نحو 4 الآف دولار) مقابل 12 رجلاً وسيماً!
 
لم ينته المزاد الصاخب مع إقفال الملهى الليلي أبوابه، وتسلّم رئيسة جمعية «برايف هارت» رهام سرحان المبلغ المالي. في اليوم التالي ضجّت الصالونات اللبنانية على اختلاف مستوياتها وطبقاتها، بالحدث غير المسبوق في الشرق الأوسط، وتبادل اللبنانيون العديد من الرسائل الإلكترونية في شأن «المزاد الصاخب»، اختلفت من خلالها التوصيفات والانطباعات: «يا عيب الشوم»، «مع المساواة بين الرجل والمرأة»، «ليس فقط جسد المرأة للبيع»، «رجال في المزاد»، «برايف مان brave men».
 
بعيداً من الشاشة الإلكترونية، اجتاحت حمى «المزاد الذكوري» منازل اللبنانيين وأماكن عملهم وصولاً الى المطاعم والمقاهي. فجأة طفت الى الواجهة عبارات لم يألفها مجتمع ما زال يتباهى «بذكوريته»، من مناد بالثأر «لشرف الرجل» الى آخر يسأل «عن موقف وزارة الداخلية والسلطات من هذه الحفلة التي تسيء الى صورة الرجل» وثالث نسوي رافض «لانتقام أنثوي انتهت مفاعيله في ساعات» ورابع يتحدث عن «دعارة بنسخة منمقة».
 
لكن عبارات الترحيب والاستيعاب وجدت مكاناً لها أيضاً في حفلة «الزجل» العلني، ومن الجانبين. فنسبة غير قليلة من الشباب اعتبرت أن العمل الإنساني يطغى على ما عداه «وأين الأذى إذا كان المزاد «المسرحية» لأهداف خيرية». أما لدى المقلب الأنثوي فالكفة الغالبة كانت لأصحاب الرأي القائل «هو مجرد تبادل للأدوار، لطالما وصفت المرأة بأنها سلعة للترويج إن كان في الإعلان أو في المجال الفني... فلا بأس من أن يعرف الرجل ولو لمرة واحدة معنى هذا الاتهام... ولو بالتمثيل».
 
جَهد منظمو الحفلة لتوضيح أهداف العرض، واعترفوا بأن أكثرية وسائل الإعلام التي تكفّلت بنقل الخبر، شوّهت المغزى الإنساني والتوجيهي للمزاد الخيري. يقول أدمون حداد أحد المنظمين، وهو عضو في جمعية «Pink Ponies» التي تضم عدداً من الشباب في لبنان والخارج يلتقون على حب الفنون والثقافة، «إن الهدف الأساسي كان جمع التبرعات للجمعية بأسلوب مختلف وجريء لجذب عدد أكبر من المتبرعين. لم تحصل أي «عملية بيع» كما روّج البعض لذلك، حتى أن كل التعابير التي وصفها البعض بالبذيئة، والتي رافقت المزاد، أتت في قالب فكاهي ومنسجم مع الفكرة لإضفاء أجواء حماسية». واثيرت قصة المزاد العلني في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة وانقسمت الآراء حولها بين من اعتبرها مبادرة شبابية بنية صافية ومن رأى فيها دعوة للإباحية لا يتقبلها المجتمع اللبناني.
 
وأعدّت الـ «Pink Ponies»، والتي سبق لها أن نظّمت أمسية شعرية للشباب وأخرى كوميدية، مشروعها «it’s raining men» وقدّمته لجمعية Brave Heart التي وافقت على المشروع وحضر ممثلون عنها المزاد العلني. وعلى رغم أن العرض حصل في نهاية الشهر الماضي، فإن حداد لا يزال يتلقى رسائل إلكترونية عن المزاد تصوّره على غير حقيقته.
 
يؤكد حداد «أننا نسعى من خلال الجمعية، التي تحضّر أوراقها لتقديم العلم والخبر الى وزارة الداخلية، الى خلق جدلية داخل المجتمع حول عناوين ثقافية عدة توسّع دائرة التساؤلات والنقاش البنّاء. في ما يخص المزاد انطلقنا من فكرة أن المرأة غالباً ما تصوّر وكأنها سلعة للبيع، وحتى الناخب غالباً ما يبيع صوته مقابل حفنة من المال، فقدمنا العرض ضمن إطار فني ساخر ومختلف خلق عملياً دائرة نقاش كبيرة حول مغزاه وأهدافه، مع العلم أن هذا النوع من المزادات شائع في العديد من دول العالم».
 
ويشير حداد «الى أننا نحاول جذب الشباب الى مقاربة كل أنواع الفنون والثقافة والتعاطي معها بذهنية مختلفة وأكثر مرونة، فالأمسية الشعرية التي نظمناها كما مسرحية المزاد، حصلتا داخل حانة في شارع معروف بأنه يضم العدد الأكبر من الملاهي الليلية. وهنا كان قصدنا الأساسي أن نحمل «الفن» الى البقعة التي يصعب على الشباب عادة الالتفات له».
 
يقول حداد ساخراً: «في ليلة الكوميديا حرصنا على وضع البندورة على طاولات الحاضرين طالبين منهم رشقنا بها إذا لم يعجبهم العرض... الشفافية هي رسالتنا الأساسية، وساحتنا هي الفن والثقافة، آملين بانتقال العدوى الى الطبقة السياسية». وعضو جمعية «بينك بونيز» يعد بعمل فني جديد لمناسبة «عيد الأم» سيكون مختلفاً عن كل ما تقدّم سابقاً.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.