تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

السيد محسن الأمين.. والشام 1865 - 1952

 

يمثل حي الأمين في دمشق حالة مصغرة عن وطننا سورية.. ففيه تجتمع الطوائف والأديان والمذاهب في نسيج متعدد الألوان.. متناغم.. منسجم.. ويمثل حالة مميزة ومتفردة في العالم، هذه الحالة خلقها العمل الدؤوب والمتواصل لشخصيات من مختلف الانتماءات الدينية والمذهبية والطائفية والفكرية تعاقبت عبر الأجيال تزرع في النفوس أن التنوع غنى وليس اختلاف، وأن الدين لله والوطن للجميع.
واليوم نسلط الضوء على إحدى هذه القامات وهو السيد محسن الأمين بن السيد عبد الكريم بن السيد علي بن السيد محمود الأمين، وينتهي نسبه إلى الحسين ذي الدمعة بن زيد الشهيد بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وآل الأمين عشيرة في العراق أصلها من مدينة الحلة، وعرفت العشيرة بآل الأمين نسبة إلى السيد محمد الأمين.
ولد السيد محسن الأمين في قرية شقراء في جبل عامل جنوب لبنان عام 1865 في عائلة من السادة علماء الدين، وبدأ رحلته العلمية بحفظ القرآن الكريم ونهج البلاغة، ثم تعلم القراءة والكتابة وبعدها شرع في تعلم علم النحو على يد السيد محمد حسين الأمين، وبعد إكمال قراءة كتب اللغة والنحو، درس عند الشيخ موسى شرارة واستمر في الدراسة عنده حتى وفاة الشيخ شرارة، ثم سافر في طلب العلم عام 1891 إلى العراق ونزل النجف الاشرف وشرع في الدراسة هناك.
بعد أن استكمل سماحته علومه في النجف الاشرف طلبه أهل دمشق ليقيم بينهم فانتقل إليها واستقر بها عام 1901، وكان أول ما لفت نظره رحمه الله كما قال في سيرته الذاتية «الأمية والجهل المطبق فقد وجدنا معظم الأطفال يبقون أميين بدون تعليم وبعضهم يتعلمون القراءة والكتابة في بعض الكتاتيب على الطراز القديم».
فكان من أوائل الأعمال التي قام بها في دمشق انشاء مدرستين للبنات والبنين، وهي مدرسة المحسنية للبنين ومدرسة اليوسفية للبنات، ولا تزال هاتان المدرستان تقوم بواجبها حتى يومنا هذا في تربية جيل جديد وتنشئته وتعليمه وتهذيبه.
كان سماحة السيد محسن الأمين من أبرز الشخصيات الوطنية التي ناضلت ضد الاحتلال الفرنسي، فمع بداية عهد الانتداب حاولت سلطة الانتداب أن تزرع روح التفرقة والطائفية بين أبناء الشعب الواحد في سورية فأصدرت «قانون الطوائف» الذي يهدف إلى تمزيق الوحدة الوطنية في سورية فكان للسيد موقف واضح وصريح برفض هذا التوجه وأرسل برقية بصفته المرجع الديني للطائفة الشيعية في سورية برفض هذا القانون، وقد حاولت السلطة الفرنسية كسب ود السيد محسن الأمين لما له من نفوذ وتأثير فقامت بإنشاء منصب «رئيس علماء الشيعة» خصيصاً ليتسلمه، لكن سماحة السيد رفض هذا الأمر ورفض أي تعامل مع سلطة الاحتلال، ويذكر التاريخ أنه أحد الشخصيات البارزة في سورية التي لم ترض طوال خمسة وعشرين عاماً من الانتداب الفرنسي أن تقوم ولو بزيارة مجاملة لأي من المندوبين السامين الفرنسيين في سورية ولبنان.
كما يذكر التاريخ أن السيد محسن الأمين كان له دور اجتماعي – سياسي في مقارعة الاستعمار والمصالح الاستعمارية، منها موقفه من شركة الكهرباء الفرنسية والترامواي والريجي التي كانت تستغل الشعب، فأطلق حملة مقاطعة وإضراب عرفت تاريخياً باسم «الإضراب الخمسيني» وهو ما أجبر المندوب السامي الفرنسي «دو مارتيل» بالإيعاز للشركة للرضوخ للمطالب الشعبية.
وكان سماحته على علاقة وثيقة وصداقة متينة مع رجالات الكتلة الوطنية في سورية من أمثال فارس الخوري ولطفي الحفار والشيخ طاهر الجزائري والبطريرك حداد ورابطة علماء المغرب...
وبعد الجلاء 17-4-1946 ظل السيد محسن الأمين حريصاً على الحفاظ على الوحدة الوطنية في سورية فرفض مشروع قانون انتخابي يقسم مقاعد المجلس النيابي على أساس طائفي، وأرسل برفضه أن يفصل بين النواب على أساس سنة وشيعة، معتبراً أن المسلمين طائفة واحدة لا فرق بين السنة والشيعة من أبناءها.
وقد حفظ السوريون عامة والدمشقيون خاصة لسماحة السيد السنين الطوال التي قضاها بين ظهرانيهم ينشر المعرفة وروح التآلف والمحبة والمودة والإلفة والإخاء والعيش المشترك مرسخاً الوحدة الوطنية، فكان أن صدر قرار بتغيير اسم حي الخراب الذي سكن فيه بدمشق إلى اسم حي الأمين والشارع إلى شارع الأمين نسبة إليه، وقد صدر هذا القرار في حياته، وهو تكريم ندر أن تحظى به شخصية اجتماعية خلال حياتها.
أولاده السيد حسن والسيد عبد المطلب وكان يعمل بالسلك الديبلوماسي السوري (قائم بالأعمال السفارة السورية في موسكو).
بعد أن بلغ به العمر عتياً عاد السيد محسن الأمين إلى مسقط رأسه قرية شقرا العاملية (مرجعيون) في جنوب لبنان، وافته المنية منتصف ليلة الأحد 30-3-1952م، وأقيمت له جنازة مهيبة في بيروت ونقل بعدها إلى دمشق يوم 1-4-1952م حيث طيف به في شوارع دمشق في جنازة رسمية وشعبية حاشدة شارك فيها عدد كبير من الأهالي والشخصيات ومختلف الفئات وكبار رجال الدين الإسلامي والمسيحي وأغلقت دمشق أسواقها حداداً عليه رحمه الله ودفن قرب مقام السيدة زينب (جنوبي دمشق).
مؤلفاته:
ترك السيد محسن عدداً كبيراً من الكتب والمؤلفات والأعمال متوزعة في الفقه والتاريخ والتربية والنحو والصرف والفلسفة والشعر منها:
1 ـ أعيان الشيعة: وهو أهمها.
2 ـ نقض الوشيعة: في الرد على كتاب الوشيعة لموسى جار الله.
3 ـ تاريخ جبل عامل.
4 ـ لواعج الأشجان / ديوان شعر.
5 ـ أصدق الأخبار في قضية الأخذ بالثار.
6 ـ البحر الزاخر في شرح أحاديث الأئمة الأطهار.
7 ـ شرح ايساغوجي / في المنطق.
8 ـ حذف الفضول عن علم الأصول.
9 ـ الدر المنظم في مسألة تقليد الأعلم.
10 ـ كشف الغامض في أحكام الفرائض (في جزئين).
11 ـ حواشي العروة الوثقى.
12 ـ الدروس الدينية (9 تسعة أجزاء).
13 ـ شرح التبصرة.
14 ـ الدر الثمين في أهم ما يجب معرفته على المسلمين.
15 ـ الدرة البهية في تطبيق الموازين الشرعية على العرفية.
16 ـ صفوة الصفوة / في علم النحو.
17 ـ الأجرومية الجديدة (قصيدة طويلة في قواعد اللغة).
18 ـ المنيف في علم التصريف.
19 ـ معادن الجواهر (3 ثلاثة أجزاء).
20 ـ مفتاح الجنان (3 ثلاثة أجزاء).
21 ـ الأمالي.
22 ـ الصحيفة الخامسة السجادية.
23 ـ الدرر المنتقاة لأجل المحفوظات (6 ستة أجزاء).
24- كشف الارتياب.
...
وحالياً تعمل بجد وإصرار وتفاني لجنة وطنية تضم شخصيات سورية ولبنانية وعربية لإحياء وتخليد تراث السيد محسن الأمين برئاسة الصديق الباحث د. حسين راغب ولنا شرف عضويتها نأمل ونتمنى ونسعى أن تكمل نشاطاتاتها وأعمالها لإبراز الدور الوطني والتربوي والثقافي للسيد محسن الأمين المعبرة عن صورة دمشق.. الشام المتألقة دائماً ومحبتها ومودتها وتسامحها ووحدتها الوطنية.

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.