تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

تلفزيون الدنيا:المبدعون على محراب راتب نهاية الشهر

 

لا ينفك الإبداع الإنساني يخوض معركته الأبدية في وجه قوة المال و سطوة رجال الأعمال، و لا يجد المبدع بدا من الخمول بين حين و آخر، ليصرف جهده الإبداعي في البحث عن لقمة العيش و تلبية متطلبات حياته اليومية.
قبل يوم من الآن، أعلن المجلس التنفيذي لمنظمة المرأة العربية في ختام أعماله بدمشق، أسماء الفائزين بجوائز المنح البحثية و أفضل نتاج إعلامي يتحدث عن قضايا المرأة العربية، و كان لسورية حظوة في نيل جائزة عن أطروحة ماجستير للباحثة هالة أغا حملت عنوان "العنف الموجه للزوجة في محافظتي دمشق و ريف دمشق"، كما استحقت المذيعة و مقدمة البرامج في قناة الدنيا روعة الخطيب، تنويه لجنة التحكيم عن أفضل عمل إعلامي يتناول قضايا المرأة العربية عن برنامجها الإذاعي "حرملك" و اعتلت منصة التكريم إلى جانب العديد من الفائزات من مختلف الدول العربية.
المفارقة الغريبة و المستهجنة، أن شاشة الدنيا لم تتطرق إلى تكريم أحد كوادرها المبدعة، و برغم تواجد كاميراتها لتغطية الحدث، ولم تذكر في تقريرها الذي بث ضمن نشرة الأخبار الرئيسية، كلمة واحدة عن تكريم استحقته مذيعتها بإجماع جميع أعضاء لجنة التحكيم و ذلك لتميز فكرة برنامجها و طريقة تناوله لقضية المرأة في المجتمع السوري، ناهيك عن إهمال موقعها الالكتروني على الانترنت للمناسبة برمتها.
و الحقيقة أن مثل هذا النوع من التعاطي مع الإبداع في (مؤسسة إعلامية خاصة) يثير الكثير من التساؤلات حول نظرة رجل الأعمال و صاحب رأس المال إلى العقول المبدعة و مدى تقديره لإمكانياتها الفكرية، و يعكس جهله في الاستفادة منها لزيادة ثروته المادية، إذا كان هذا هو الهدف من الاستثمار في مجال الإعلام في بلادنا، بعيدا عن أية رسالة يفترض في هكذا استثمارات أن تؤديها، و خصوصا في مجتمعات نامية  كمجتمعاتنا.
و محاولة فهم سلوك القائمين على القناة تبدو عسيرة، فليس من المنطقي أن تقدم وسيلة إعلام مرئية على التعتيم على تميّز احد كوادرها، في الوقت الذي يفترض أن تكون مهمتها الرئيسية هي الترويج لهكذا أحداث لأنها تنعكس ترويجا لشاشتها، و من المنظور المادي، يفترض فيهم أن يحسنوا استغلال هذه الأحداث لجذب المزيد من المشاهدين و المؤسسات الراغبة في الترويج لمنتجاتها، و بالتالي، و دون أن نفترض وجود حالة من الكيدية، بات من الواضح أن إدارة  القناة لا ترغب بالتعامل مع آليات العمل الاعلامي الرائجة وتنتهج في تعاملها مع العاملين فيها من اعلاميين وصحفيين اساليب غير مفهومة ولاتتوافق مع منطق المحافظة على الكوادر المبدعة  واسهام مقصود أو غير مقصود، في إطفاء جذوة الإبداع لدى الإنسان السوري على وجه التحديد.
و مع غياب الحماية التي من المفترض أن تقدمها الجهات المسؤولة في الدولة للمبدعين في مختلف المجالات، يقوم راس المال السوري باستثمار أمواله في مجالات جديدة عليه دون أن يتمكن من الامساك بها بالحرفية المطلوبة وخاصة في مجال المحافظة على الكوادر المبدعة وتنمية مواهبها و الاستفادة منها في تطوير الاستثمار على أقل تقدير و يصبح المبدع مجرد مستخدم في واحدة من قطاعات رأس المال الاستثمارية، يؤدي فروض الطاعة  على محراب راتب نهاية الشهر، و ما أصدق  قول المتنبي:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله       و أخو الجهالة في الشقاوة ينعم
في الكشف عن حقيقة المعركة القائمة بين الإبداع و رأس المال في بلادنا، و حالة الإحباط و الكبح التي يتعرض لها المبدع مع كل محاولة لإنتاج مادة فكرية متميزة.
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.