تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

المجتمعات العربية .... متخلفة أم نامية؟

 

يعجز كبار الأخصائيين الاجتماعيين و ذروة المفكرين الفلاسفة عن تصنيف مجتمعات كمجتمعاتنا، ليس لأننا ظاهرة خارقة للعادة أو تلفنا حالة ضبابية من الخصوصية الفائقة، بل لان خطوطنا غير واضحة و (تطورنا) يعتمد على استهلاك ما يخترقنا من الخارج فلا نحن نتبناه بالكامل و لا نحن نرفضه بالكامل، بل إننا لا نملك حرفة أن نختار ما هو جيد و نترك ما هو سلبي.
ما اصطلح على تسميته بالمجتمعات النامية للهروب من مصطلح أكثر واقعية ألا و هو مجتمعات متخلفة، ليس إلا للإيحاء بوجود تطور في الجوهر بينما حقيقة الأمر أن التطور لا يتعدى حدود الشكل و حتى في هذه لم نحقق سوى الإخفاق.
السلوكيات السياسية و الاقتصادية و الثقافية غير محددة الملامح في التفاعلات اليومية لمكونات المجتمع، و لا يمكنك بحال من الأحوال أن تضع قاعدة ترتكز إليها للانطلاق في تحليل حالة ما في أي مجال من المجالات التفاعلية للأفراد أو المؤسسات داخل المجتمع، بل هناك حالات خاصة باستمرار ترتكز إلى دهاء الفرد و قدرته على اختراق الطبقات الأعلى ماليا و سياسيا و اجتماعيا، للوصول و بطرق لا تستند إلى ما نتغنى به من صفات الشهامة و الشجاعة و الصدق، إلى مصالح شخصية ضيقة لا تنسجم بالضرورة و المصلحة العامة، و لا تخدم ما يفترض انه مسيرة تطور المجتمع.
واحدة من اكبر النعم التي رزقنا إياها الله أن نكون أصحاب حق بين الأمم الأخرى، و أن نكون في موقع المظلوم دائما، فهذه و تلك تجعل من حالة التخلف التي نعيشها أمرا مبررا لدى الشريحة العظمى من الناس، و شعارات ثورة الاستقلال و حركات التحرر من الإقطاع و البرجوازية لم تعد تقنع البقية الباقية بعد ما حورت أهدافها من خلال ممارسة البعض على أرض الواقع.
و اللجوء إلى المقارنة مع المجتمعات الأكثر تخلفا، جعلت من مصطلح المجتمعات النامية مصطلحا مقبولا، و تشكل مهربا للعامة و خصوصا الشباب، من حالة الإحباط و انعدام الأفق، إلى حالة من الفردية المفرطة التي تؤدي في واحدة من تأثيراتها إلى هدم ما تم بناؤه و تقليص فرص النمو الحقيقي للمجتمع، أضف إلى ذلك أنها تخدم فئة من القائمين على هذه المسيرة -أي مسيرة التطور المفترضة- من خلال الإيحاء بتحقيق انجازات كبيرة هي في حقيقتها مظاهر مبهرجة لجوهر متخلف لم يتغير.
بينما الهروب إلى الوراء و تجنب المقارنة مع المجتمعات المتقدمة التي نفتخر بان أعلاما من تاريخنا أسهمت في تطورها و تقدمها على كافة الصعد، سمة غالبة للجوء إلى مبررات إضافية لواقع الحال الذي نعيشه في يومنا هذا، مع العلم أننا و على مدى تاريخنا قمنا باضطهاد تلك العقول و حاربناها لنفس الأسباب الشخصية التي وضعتنا اليوم في ذيل الترتيب بين الأمم و الشعوب الأخرى، بدل الاستفادة منها في تطوير قدراتنا الفكرية و العملية و العلمية، كما فعلت الشعوب الأوروبية إبان عصر النهضة.
لا يقتصر الأمر على فئة بعينها، فهذه ثقافة يمكن تلمسها لدى كافة الشرائح و الطبقات الاجتماعية، و ليست حكرا على الانتهازيين أو المستفيدين من تغلغلها في الجسم الاجتماعي، بل إن خطورتها في كونها تحولت إلى ثقافة عامة تقتنص عقول الشباب.
 
 

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.