تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

الحكومة المصرية تسعى للسيطرة على الأسعار لتجنب احتقان أكبر

مصدر الصورة
وكالات

بدأت الحكومة المصرية تستشعر خطرا من تنامي الغضب في الشارع بعد زيادات كبيرة في أسعار الكثير من السلع مؤخرا، وتحاول فرض قبضتها على التجار الذين حمّلهم مواطنون جانبا من الأزمة الطاحنة وتخفيف الضغوط الواقعة عليها.

ووجدت في هذا المنحى مبررا جيدا لمشاركة جهات أخرى معها في تحمل مسؤولية الأزمات الاقتصادية، بعد أن أخفقت حملات الدعاية المستمرة في تبرئة السياسات الرسمية وإرجاع المسؤولية كاملة إلى الأزمة التي تجتاح دولا كثيرة في العالم.

وأعلنت وزارة التموين المصرية الأحد أنها شكلت لجنة عليا تتكون من اتحاد الصناعات واتحاد الغرف ‏التجارية وحماية المستهلك لوضع “سعر عادل” للسلع الأساسية طبقا لكلفة الإنتاج والمدخلات ‏الخاصة بها، ويصل عددها إلى 15 سلعة.

وذكر بيان صادر عن الوزارة أن الأسعار “غير جبرية”، باستثناء الأرز، وسيتم تفتيش المتاجر والقيام بإجراءات قانونية محتملة ضد من لا يلتزمون بالأسعار.

كريم العمدة: مصر غير قادرة على التحكم في انفلات الأسعار

وامتنعت الحكومة عن تعميم الأسعار الجبرية على جميع السلع الأساسية واكتفت بما يوصف بـ”الاسترشادية” واستخدمت كلمة “محتملة”، خوفا من عدم قدرتها على تطبيق الإجراءات عمليا، في ظل ارتفاع التضخم وزيادة الأسعار بوتيرة تصاعدية يتم ربطها طرديا بسعر الدولار الذي بلغ حدا غير مسبوق في الأسواق الموازية.

وقال خبير الاقتصاد السياسي كريم العمدة إن تحركات الحكومة لم تأت بجديد وحديثها عن لجنة لفرض تسعير عادل للسلع لا يكفي لتأكيد قدرتها على السيطرة على الأسعار، ويصعب التعويل على ذلك لإحداث تغيير ملموس في الزيادات المطردة للسلع، وتبقى إجراءاتها “للاستهلاك الإعلامي مع انفصالها كليًا عن تطورات حركة السوق”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “مصر تعاني من انفلات حقيقي في الأسعار وتعجز الأجهزة الحكومية عن فرض سيطرتها، وإن حاولت إظهار قوتها بالغرامات المفرطة والقبض على المخالفين أحيانا فإنها في النهاية لا تصل إجراءاتها إلى شيء وتستمر الأسعار في الارتفاع، لأنها ناتجة أصلا عن أخطاء في السياسات”.

وأخفقت الكثير من التحركات في فرض سعر رسمي للعملات الأجنبية في البنوك ومتاجر الصرافة الرسمية، ما أجبر البعض من التجار على اللجوء إلى السوق السوداء أو الموازية لشراء العملات الأجنبية المطلوبة في الاستيراد بأثمان باهظة، وهو ما ينعكس سلبا على أسعار السلع، بما فيها المصنعة محليا، وسط نهم واسع من التجار.

وأشار كريم العمدة لـ”العرب” إلى “أن بعض السلع ترتفع أسعارها على الرغم من أن مكوناتها محلية، ما يشير إلى عدم قدرة الحكومة على فرملة التجار، ومن الواجب التعامل بحزم مع المشكلات التي يواجهها الجنيه المصري في انخفاض قيمته أو لوجود سعر رسمي وآخر مواز، لأن ذلك يسفر عن شلل يصيب الاقتصاد بوجه عام”.

وزير ‏التموين والتجارة الداخلية طالب بقيام مديريات التموين بتوجيه إنذارات إلى غير الملتزمين ‏بالتوصيات

وأوضح أن “مشكلة الحكومة تكمن في أنها بطيئة في التعاطي مع الأزمات والحد من مخاطرها، وفقدانها لوجود لجنة لإدارة هذه النوعية من الأزمات وقادرة على الاستشراف جعلها تتحرك متأخرة، ما ضاعف من صعوبة إيجاد وسائل العلاج”.

وارتفعت أسعار الكثير من السلع بشكل مبالغ فيه أحيانا، واتخذت الحكومة خطوات، مثل اللجوء إلى الاعتمادات المستندية في البنوك، لإبطاء الواردات في الوقت الذي تعاني فيه من شُح في العملات الأجنبية، لكنها لم تحقق الغرض من هذه الخطوات، فاضطرت إلى التراجع عنها.

ووافق صندوق النقد الدولي الجمعة على حزمة دعم مالي بقيمة ثلاثة مليارات دولار لمصر تقدم على مدار أربعة أعوام لتحفيز تمويل إضافي بنحو 14 مليار دولار.

ووجه وزير ‏التموين والتجارة الداخلية علي المصيلحي بتشكيل لجان مشتركة من مديريات التموين ‏ومباحث التموين وحماية المستهلك وهيئة سلامة الغذاء للذهاب إلى عين المكان ومتابعة وضع السعر على السلع بمكان وخط واضحين للجمهور.

وطالب بقيام مديريات التموين بتوجيه إنذارات إلى غير الملتزمين ‏بالتوصيات وعمل حملات توعوية لجميع المحال تقضي بوجوب وضع الأسعار على السلع، وإنجاز الدراسات والاستقصاءات والتحريات اللازمة ‏لأماكن غير الملتزمين بوضع الأسعار وإنذارهم واتخاذ الإجراءات ‏القانونية حال عدم التزامهم بوضع السعر على السلع.

أسلوب القبضة الحديدية على التجار يعد أحد الخيارات التي تعيد ثقة قطاع عريض من المواطنين بالحكومة

وتستهدف هذه الخطوات ضبط حركة السوق بعد أن استشعرت الحكومة تنامي الغضب وعدم قدرة الكثير من الأسر على توفير احتياجاتها، في حين لم تعد برامج الحماية الاجتماعية والمساعدات العينية التي تقدمها الحكومة بكثافة تستطيع سد الفجوة بين الزيادة في الأسعار وتلبية الاحتياجات الأساسية.

ويقول مراقبون إن قيام أجهزة الدولة بتشديد القبضة على التجار مسألة حيوية تعيد الاعتبار لحكومة أدى تراخيها في الفترة الماضية إلى تعاظم الفوضى في الأسواق، والفشل في فرض إرادتها على التجار، والحد من نمو الجشع في أوساط شريحة كبيرة منهم.

ويضيف المراقبون أن دخانا من الغضب الشعبي بدأ يتطاير في الهواء، يمكن أن يتسع نطاقه في الشارع ويعرض الحكومة لضغوط اجتماعية يقود تضافرها مع الأزمات الاقتصادية إلى غليان قد تصعب السيطرة عليه بالأدوات التقليدية.

ويعد أسلوب القبضة الحديدية على التجار أحد الخيارات التي تعيد ثقة قطاع عريض من المواطنين بالحكومة بعد أن ساد انطباع أنها لم تقم بما يكفي من واجبات للحد من زيادة الأسعار والسيطرة على الأسواق، والتي تكاد تنفجر من الانفلات الذي تعاني منه، حيث تشهد زيادات لا تتناسب مع الغلاء الحقيقي في الأسعار.

وأظهر وجود أكثر من سعر للسلعة الواحدة، وتفاوته من مكان إلى آخر، حجم العجز الذي يخيم على الحكومة المصرية في التصدي بصرامة، ما يجعل تمكينها من تشديد قبضتها عبر التصورات الجديدة لفرض أسعار جبرية أو مرنة عملية مشكوكا فيها.

وتحتاج الحكومة إلى إظهار شدة شكيمتها في معالجة الفوضى الراهنة في الأسعار، والتي يجري اختزالها في حدود التسعير، فهي وليدة أزمة اقتصادية تتحمل جزءا كبيرا منها بسبب إقدامها على اتخاذ إجراءات تجاهلت المخاطر المحتملة نتيجة التركيز على مشروعات تنموية كبرى لا تدر عوائد مباشرة على المدى القصير.

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.