تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

ليس من أجل القمح وحده تتجه تونس نحو روسيا

مصدر الصورة
العرب

تسعى تونس من خلال زيارة يؤديها وزير الخارجية نبيل عمّار إلى روسيا لدعم التعاون الإستراتيجي وبحث حزمة من الملفات، على غرار النهوض بالاستثمارات بين البلدين وتطوير التعاون الاقتصادي والتجاري، كما تحمل الزيارة رسائل سياسية مبطّنة أبرزها ضرورة احترام السيادة الكاملة لتونس وتنويع علاقاتها الخارجية.

تونس - تتطلع تونس إلى تطوير علاقاتها مع روسيا دون إخلال بثوابت علاقاتها التقليدية مع الدول الغربية، وذلك في سياق التحولات المهمة التي تعرفها البلاد منذ إطلاق التدابير الاستثنائية التي أطاحت بحكم الإخوان في 25 يوليو 2021 والإجراءات التي تبعتها.

وبداية من الثلاثاء، يبدأ وزير الشؤون الخارجية التونسي نبيل عمّار زيارة عمل إلى موسكو تستمر يومين، بدعوة من نظيره الروسي سيرغي لافروف.

وبحسب بيان الخارجية التونسية فإن هذه الزيارة تندرج في إطار الرغبة المشتركة للبلدين في تطوير علاقات التعاون الثنائي، كما ستمثّل مناسبة لدعم المساعي الأفريقية الهادفة إلى حلّ الخلاف الروسي – الأوكراني في إطار المبادرة الأفريقية للسّلام، فضلا عن معاضدة الجهود الأممية والدولية لإحياء اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود.

ويرى مراقبون أن الزيارة ستكتسي أهمية خاصة من الناحية التجارية حيث ترغب تونس في الحصول على امتيازات تعاقدية في ما يتعلق بصفقات الحبوب التي ستبرمها مع موسكو، وهو ما يفسّره اصطحاب وزير الخارجية للمديرة العامة لديوان الحبوب سلوى بن حديد الزواري التي تم تعيينها في هذا المنصب في أغسطس الماضي بقرار مباشر من الرئيس قيس سعيد.

عبدالحميد بن مصباح: روسيا تعتبر المصدر الأول لواردات تونس من الحبوب

وتشير أوساط تونسية مطلعة إلى أن العلاقات مع روسيا مؤهلة لتشهد قفزة مهمة خلال الفترة القادمة، خصوصا وأن العلاقات مع أوروبا تمر بحالة برود نتيجة إصرار الرئيس سعيد على رفض أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية لبلاده، ورفضه الخضوع لأي شروط قد تصدر عن العواصم الغربية لتنشيط علاقات التعاون مع بلاده وخاصة في ما يتصل بالجوانب الأمنية والاقتصادية وبملف الهجرة غير الشرعية، فيما ينظر التونسيون بعين التقدير إلى احترام الروس للسيادة الوطنية لبلادهم.

ورأى المحلل السياسي عبدالحميد بن مصباح أن “زيارة وزير الخارجية التونسي إلى موسكو تحمل جملة من المؤشرات المهمة من بينها أن تونس ترغب في تفعيل مسارات علاقاتها الدولية وفق مصالحها الوطنية، لاسيما أنها كانت ترتبط بعلاقات ودية مع الاتحاد السوفياتي في أوج الحرب الباردة، رغم علاقاتها الإستراتيجية مع الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا”.

وأكد لـ”العرب” أن “تونس التي يعتبر رئيسها قيس سعيد أنها تعيش مرحلة تحرر وطني، تدافع بقوة عن خياراتها الإستراتيجية في تنويع علاقاتها الدولية وفق التوازنات التي تخدم مصالحها، خصوصا في ظل محاولات بعض الأطراف الغربية التدخل في الشأن التونسي، وهو ما يرفضه الرئيس سعيد بقوة”.

وأوضح بن مصباح أن “تونس تسعى إلى تطوير علاقاتها مع روسيا وخاصة في المجالات التجارية والصناعية والسياحية، ومن ذلك الصفقات المتعلقة بالحبوب حيث تعتبر روسيا المصدر الأول لواردات تونس من هذه السلعة الإستراتيجية بالإضافة إلى النفط ومشتقاته والأخشاب والورق والسبائك الفولاذية والكبريت والأمونيا”.

ويبلغ استهلاك تونس من الحبوب 3.4 مليون طن موزعة بين 1.2 مليون طن لكل من القمح الصلب واللّين، ومليون طن شعير، وفق بيانات رسمية لديوان الحبوب الحكومي، ويتم تعديل واردات الحبوب تبعا لمعدلات الإنتاج المحلي.

وعلى هامش المنتدى الاقتصادي والإنساني الذي احتضنته موسكو في يوليو الماضي، أعرب وزير الشؤون الخارجية التونسي خلال لقائه مع رستم مينيخانوف رئيس جمهورية تتارستان، إحدى مكونات الفيدرالية الروسية، عن حاجة بلاده إلى توريد الحبوب، ودعاه إلى دعم مسعى تونس في ذلك والحصول على أسعار تفاضلية لاسيما وأنّ تونس تعاني من شحّ المحاصيل الزراعية في هذه المدة بسبب الظروف المناخية الخاصة بينما تتوفر كميات إنتاج هامة من الحبوب لدى العديد من البلدان الأخرى.

وفي الثاني من أغسطس الماضي كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّ بلاده تعمل على إعداد اتفاقيات تجارية مع 4 دول عربية واقعة في شمال القارة الأفريقية، منوّها إلى ضرورة التركيز على جميع الدول في القارة الأفريقية الضخمة، وقال خلال اجتماعه مع أعضاء الحكومة الروسية “نحن نعد اتفاقيات حول مناطق تجارة حرة مع مصر والمغرب وتونس والجزائر”.

وأوضح بوتين أن “القارة كبيرة ومن الواضح وبحسب العديد من الخبراء أنها ستتطور بشكل إيجابي وستعوض ما فاتها ربما في العقود الماضية”.

وأشار إلى أنّ “العلاقات السياسية المبنية على الثقة والصداقة بين روسيا وأفريقيا يجب أن تعمق التعاون الاقتصادي بينهما”، مردفا أنّ “روسيا بحاجة إلى تحويل هذا المستوى من الثقة السياسية إلى تعاون اقتصادي”.

وينتظر أن تتسع مباحثات وزير الخارجية في موسكو لجملة من الملفات المهمة من بينها النهوض بمجال الاستثمارات بين البلدين وتطوير التعاون الاقتصادي والتجاري والأوضاع في ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء، فيما يشير بعض المحللين إلى أن زيارة الوزير التونسي لا تتعلق فقط بالقمح، وإنما تحمل رسائل مبطنة إلى الأطراف الأوروبية الساعية إلى عرقلة مذكرة التفاهم مع تونس، فحواها أن تونس الجديدة تستطيع ممارسة سيادتها الكاملة على علاقاتها الخارجية وتحديد مساراتها وفق مصالحها.

الحبيب الأسود كاتب تونسي

مصدر الخبر
العرب

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.