تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
x

غرور القوة ونهايته

مصدر الصورة
عن الانترنيت

محمود حسونة

انتهاء زمن القطب الواحد وبدء زمن متعدد الأقطاب، أمر بشّر به الكثير من المحللين والخبراء والزعماء حول العالم، فأزعج صنّاع السياسة الأمريكية الذين يتشبثون باستمرار هيمنتهم على العالم، ولا يقبلون بمجرد التفكير في أن يكون للولايات المتحدة شركاء في قيادة العالم، وهم الذين فكروا وخططوا ونفذوا على مدى سنوات حتى نجحوا في تمهيد الأرض، لتفكيك الاتحاد السوفييتي، وإنهاء زمن الثنائية القطبية، وواصلوا التخطيط والتآمر حتى استقطبوا معظم دول الاتحاد السوفييتي السابق إلى معسكرهم، ولا يزالون يدعمون بالمال والسلاح مساعي عزل روسيا عن محيطها، واختراق أمنها القومي، وتهديد وجودها الجغرافي، ولعل الحرب الدائرة اليوم على أرض أوكرانيا وما تقدمه واشنطن من دعم عسكري واقتصادي وتقني وسياسي لامحدود لكييف، هو آخر فصول التحدي الأمريكي للسيادة الروسية.

الأسبوع الماضي فقط، اعترفت الولايات المتحدة بأن زمن القطب الواحد قد ولّى، وأن عالم اليوم أصبح متعدد الأقطاب؛ الاعتراف الأمريكي لم يأتِ على لسان دبلوماسي، ولا على لسان خبير سياسي، ولا حتى وزير، إنما على لسان رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية، مارك ميلي خلال حفل التخرج في جامعة الدفاع الوطني، قائلاً: «هناك 3 دول عظمى في العالم في الوقت الحالي.. في عصر الحرب الباردة كانت هناك دولتان عظميان. ولكن بعد سقوط جدار برلين ظلت ولفترة الولايات المتحدة الدولة العظمى الوحيدة».

وأضاف: «اليوم نحن في وضع متعدد الأقطاب مع ما لا يقل عن ثلاث دول عظمى، هي الولايات المتحدة وروسيا والصين»، مشيراً إلى أن «العديد من الدول الأخرى تحتل المواقع الرائدة في مختلف المناطق، وتطمح بشكل علني إلى الدور الرائد في العالم».

 رئيس الأركان، هو المنصب العسكري الأعلى في القوات المسلحة الأمريكية والمستشار العسكري الأول للرئيس ولمجلس الأمن القومي ومجلس الأمن الداخلي ولوزارة الدفاع الأمريكية، أي أنه المسؤول الأول عن القوة العسكرية الأمريكية، والأكثر دراية بقدرات أمريكا العسكرية وبقدرات المنافسين لها عسكرياً، وعندما يعلن ذلك أمام حفل تخرج لضباط الدفاع الوطني، فهو يضع لهم النقاط على الحروف، حتى لا يغتروا بالماضي الأمريكي، ويضعوا في الاعتبار أن أمريكا لم تعد وحدها تتحكم في العالم، وأن تحرك جيشها عالمياً، ينبغي أن يخضع لضوابط جديدة.

 من المؤكد أن ميلي أراد أن يختم رحلته العسكرية بهذه المصارحة، وأنه لم يقصد أن أمريكا فقدت مكانتها كقطب أوحد عسكرياً فقط؛ بل أيضاً اقتصادياً بعد أن عاشت أسوأ أزماتها الاقتصادية خلال الأسابيع الأخيرة، وكان شبح الإفلاس يطاردها، وأنقذتها موافقة الكونغرس على رفع سقف الدين الحكومي بمقدار 1.5 تريليون دولار.

 كان يدعم الهيمنة العسكرية والهيمنة الاقتصادية لأمريكا على العالم، هيمنة تقنية، والتي خلخلتها الصين بالإنجازات التقنية المتسارعة التي هددت مكانتها على الشبكة العنكبوتية وفي التصنيع التكنولوجي، وخاضت أمريكا معارك، لتحجيم الصين في هذا المجال لا تقل عن معاركها لتحجيمها سياسياً.

 أمريكا حاولت ضرب روسيا عسكرياً واقتصادياً من البوابة الأوكرانية، وكانت النتيجة صمود روسيا واصطيادها للأسلحة الأمريكية والأوروبية، ولعل مذبحة دبابات «ليوبارد» ومدرعات «برادلي» الأسبوع الماضي هي الرد الأبلغ، واقتصادياً نجحت روسيا والصين ومجموعة البريكس في خلخلة مكانة الدولار الأمريكي كعملة للتبادل التجاري العالمي.

غرور القوة، هو الذي زعزع مكانة أمريكا، وتسلطها هو الذي حولها إلى دولة منبوذة في أنحاء مختلفة من العالم، وأنانيتها منعتها من استيعاب الطامحين حول العالم، فهي الدولة الأكثر إشعالاً للحروب، خاضت 93 حرباً استمرت 222 سنة خلال تاريخها الممتد إلى 250 سنة قبل أن تجبر على إنهائها، وكان نموها الاقتصادي وتفوقها العسكري يمنحانها ثقة هائلة فى سيطرتها على العالم، وآن الأوان أن تعود خطوات للخلف، لعلها تعيد النظر في سياساتها التي نالت ولا تزال من الحضارة الإنسانية.

مصدر الخبر
الخليج الإماراتية

إضافة تعليق جديد

نص عادي

  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.
اختبار رمز التحقق هذا السؤال هو لاختبار ما إذا كنت زائرًا بشريًا أم لا ولمنع إرسال الرسائل غير المرغوب فيها تلقائيًا.